الدخان يتصاعد في أحياء نبل والزهراء، معلناً بدء مسلسل القصف اليومي من قبل المجموعات المسلحة، بينما يمر الوقت ثقيلاً على المدنيين، بقدر ما أصبح تأمين الاحتياجات المعيشية والإنسانية صعباً في المدينتين.
إنه الحصار الذي بدأ منذ أكثر من 700 يوم، ترك وجعاً لما يقارب 70 ألف نسمة في المدينتين، حيث الاهالي هناك، لا يملكون قوت أطفالهم أو كفاف يومهم، أما المرضى فأصبحوا بلا حيلة أمام أوجاعهم، فما يصل المدينتين من دواء تهريباً عبر بلدة عفرين، يكون بأسعار خيالية، لا يقدر على شرائه الجميع.
رصاص قناص المجموعات المسلحة والمتمركزين على أطراف بلدة ماير، استهدف لعدة مرات عدد من شباب المدينتين، وهم يحاولون تهريب كيس قمح إلى داخلها، ليسدّوا رمق أطفالهم الجياع، فحتى الخبز لم يعد متوفراً في تلك المدينتين، والأفران متوقفة عن العمل، بعد منع وصول إمدادات الطحين والوقود اليها، ما دفع نساء القرية إلى العودة لحجر الرحى، لطحن ما تيسّر لهم من حبوب وصناعة الخبز منها، فبضع غرامات من القمح والشعير تخلط مع مسحوق الذرة أو الشوفان لتطعم الاطفال.
يعلم الأهالي في المدينتين أن المأساة اليومية التي يعيشونها، هي أكبر من حصار.. هي ضريبة موقف يدفعونه، فالطريق البرية الواصلة لتلك المدينتين، قابعة تحت مرمى نيران المجموعات المسلحة، والممر الجوي في مرمى نيران المضادات الارضية للمجموعات المسلحة، ولم يبقَ أمام أهالي البلدة إلا جيرانهم في عفرين ومحيطها.
" كانت منوّرة حياتي" بهذه الجملة بدأت تروي لنا "أم محمد" كيف فقدت طفلتها الوحيدة لعدم توفر العلاج اللازم لها، حيث كانت تعاني من مرض التصلب اللويحي، ما أدى الى رد الفعل المناعي الذاتي لدى الطفة وتوفت، أم مفجوعة بفقدان طفلتها، لن يخفف عنها مصابها إلا الزمن، أما السيدة "أم عدنان" فتحدثنا بحرقة عن ولدها الشاب الذي خطفه المسلحون، وهو يحاول جني محصول الزيتون في بساتين مدينة نبل، ولا تعرف عنه شيء رغم جهود العديد من وجهاء البلدات المجاورة للوصول للمجموعة التي قامت بخطفه.
الصوت المرتفع، الذي يزيد من صدى الحصار، كان لصوت صليات صواريخ الغراد، وقذائف الهاون، والتي تحصد اعداداً من الشهداء والجرحى، دون ان تفرق بين الطفل والشيخ والمرأة، حيث يستفيض أحد المسنين بالحديث ويستعين بذاكرته، ويخرج عن صمته، حيث لم يجد أمامه إلّا "الله يكسر قلوبهم متل ما كسروا قلوب الامهات والاباء"، يقولها والحرقة تعتلي وجهه وملامحه، ويتساءل "لمصلحة من كل ما يحصل في المدينتين"، ويستطرد "طالما كان أهالي المدينتين على علاقة أخوية مع جيرانهم في بلدات ريف حلب الشمالي الاخرى، ولم يكن هناك فرق بين عربي وكردي او حتى بين الطوائف".
أطبق الحصار على المدينتين من كل الاتجاهات، لم يترك لهم متنفساً، وتحديداً بعد إسقاط المروحية التي كانت تقل مدير التربية وأسئلة الامتحانات، ظهر المتنفس الوحيد من جهة عفرين والقرى التابعة لها، شمال غرب نبل والزهراء، حيث يحاول الاهالي بشكل مستمر ادخال المواد الغذائية والادوية من ذلك المحور، إلا ان اسعار تلك الادوية والمواد الغذائية مرتفع جداً، ولا يستطيع جميع اهالي القرية شراءه بالذات بعد ارتفاع مستويات البطالة فيهما.
كل ذلك مترافق مع صمت دولي، فالمنظمات الانسانية ما زالت تصم آذانها، عن وجع الاهالي في نبل والزهراء، إلّا أن اللافت أن أهالي نبل والزهراء يتمتعون بمعنويات عالية، رغم هذا الحصار الخانق ويؤكدون انهم لن يتراجعوا عن حب وطنهم.