بلغت حصيلة ضحايا المواجهات العنيفة المستمرة منذ ظهر الثلاثاء 18 فبراير/شباط في وسط العاصمة الأوكرانية كييف 25 قتيلا، بينهم 9 من رجال الأمن وصحفي. كما أسفرت المواجهات عن إصابة المئات بجروح.
وأكدت وزارة الصحة الأوكرانية الحصيلة، قائلة إن 8 أشخاص توفوا بعد نقلهم الى المستشفيات. وكانت الوزارة قد أكدت في وقت سابق سقوط 11 قتيلا من المحتجين في الصدامات مع الشرطة والقوات الخاصة. بدورها أكدت وزارة الداخلية مقتل 9 من عناصرها، مضيفة أن نحو 400 من رجال الأمن أصيبوا في الصدامات بوسط كييف، وتم نقل 349 منهم الى المستشفيات.
وشددت الوزارة على أن 74 من رجال الأمن أصيبوا بطلقات نارية. بدوره أعلن المستشفى الميداني التابع للمحتجين في ميدان الاستقلال أن 20 قتيلا على الأقل سقطوا في صفوف المحتجين، بينما أصيب الآلاف. وذكرت مصادر إعلامية أن صحفيا توفي بعد إصابته بطلق ناري في وسط كييف، بينما أصيب 25 صحفيا آخر.
يذكر أن الصحفي القتيل هو فياتشيسلاف فيريوميه، الذي كان يعمل لصالح صحيفة "فيستي" الأوكرانية. وذكر أحد زملائه أن مجهولين أجبروا الصحفي على النزول من سيارة تاكسي كان يستقلها في وسط كييف، ومن ثم اعتدوا عليه بالضرب وأطلقوا الرصاص على صدره، الأمر الذي أدى الى وفاته بعد نقله الى المستشفى.
هذا وأعلن حزب "الأقاليم" الحاكم بدوره أن اثنين من موظفي مكتبه الواقع في وسط كييف الذي هاجمه المحتجون الثلاثاء، قتلا في المواجهات.
وعملت فرق الإنقاذ في وسط كييف على إطفاء الحرائق في عدد من المباني في وسط العاصمة بعد أن أضرم المحتجون النار فيها أثناء المواجهات الدموية المستمرة منذ مساء الثلاثاء مع قوات الأمن، بينما بدأت القوات الخاصة "بيركوت" فجر الأربعاء تشديد حصارها على ميدان الاستقلال حيث يعتصم المحتجون.
ونصب المحتجون "حاجزا ناريا" للفصل بينهم وبين القوات الخاصة، وهو الأمر الذي أدى الى اشتعال عدد من المباني القريبة من الميدان. وتمكن رجال الإنقاذ من إجلاء 30 شخصا من دار النقابات المشتعلة، لكنهم اضطروا لإيقاف عملية الإطفاء صباح الأربعاء بعد انهيار جزئي داخل المبنى. هذا وأعلنت مصادر في المعارضة أن مزيدا من أنصار المعارضة في غرب البلاد توجهوا الى كييف للمشاركة في المواجهة مع الحكومة.
وفي الوقت نفسه بدأ أنصار المعارضة الذين تعتبر المناطق الغربية للبلاد قاعدتهم الأساسية، الاستيلاء على مبان إدارية محلية والاعتداء على مقرات أمنية. وفي مدينة لفوف هاجم محتجون ثكنة عكسرية، وأضرموا النار فيها، الأمر الذي أدى الى احتراق جزء من المبنى وإصابة نحو 30 عسكريا.
وبدأت اضطرابات أيضا في مدينتي إيفانو-فرانكوفسك وتيرنوبول، حيث استولى المحتجون على عدد من المباني الحكومية. وجاءت اشتباكات الثلاثاء بعد فترة طويلة نسبيا من الهدوء، إذا كانت السلطات والمعارضة قد توصلتا الى اتفاق، انسحب بموجبه المحتجون من المباني التي استولوا عليها منذ يناير/كانون الثاني الماضي، مقابل الإفراج عن المعتقلين ممن شاركوا في المواجهات. لكن الآلاف من أنصار المعارضة توجهوا صباح الثلاثاء الى مقر مجلس الرادا (البرلمان)، حيث كانت المعارضة تطالب حزب "الأقاليم" الحاكم ببحث مسألة تعديل الدستور خلال جلسة البرلمان.
واندلعت اشتباكات عنيفة قرب مقر البرلمان، بينما اعتدى محتجون على مكتب حزب "الأقاليم" وأضرموا به النار. واستمرت الاشتباكات طوال الليل، بينما وجهت السلطات وحدات من القوات الخاصة الى وسط العاصمة لإخلاء الحي الحكومي من المحتجين.
وأكدت وزارة الداخلية الأوكرانية مجددا أن رجال الشرطة لا يستخدمون أسلحة نارية أثناء عملهم على وضع حد للاضطرابات في وسط كييف، مستبعدة أن يكون القتلى المدنيون سقطوا برصاص رجال الأمن. وجاء في بيان الداخلية: "نظرا لطبيعة جروح القتلى المدنيين ومواصفات الأسلحة التي تجري مصادرتها، يمكننا أن نرجح أن هذه الجروح ناتجة عن أعمال المحتجين العدوانيين أنفسهم". وشددت الوزارة على أن عناصر الشرطة وأفراد القوات الداخلية لا يستخدمون أسلحة نارية بل أسلحة للصدمات فقط.
الرئيس الأوكراني: المعارضة تجاوزت كافة الحدود عندما دعت الى حمل السلاح
الى ذلك، دعا الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش المعارضة الى إيجاد حل وسط للخروج من الأزمة العميقة التي دخلتها البلاد، وذلك بعد سقوط 25 قتيلا على الأقل وعشرات المصابين في مواجهات بوسط كييف. وقال يانوكوفيتش في رسالة نشرت على موقعه الإلكتروني فجر الأربعاء 19 فبراير/شباط، إن زعماء المعارضة انتهكوا القانون وتجاوزوا كافة الحدود، عندما دعوا أنصارهم الى حمل السلاح، واعتبر أنه يجب أن يقدم من ينتهك القانون إلى المساءلة.
وجاء في رسالة الرئيس الاوكراني "أنهم تجاوزوا الحدود، عندما دعوا الناس الى حمل السلاح. وذلك انتهاك صارخ للقانون. ويجب أن يمثل من يخرق القانون أمام القضاء الذي سيحدد عقوبته. وذلك ليس نزوة، بل هو واجبي بصفتي ضامن الدستور والسلام في البلاد والحياة السلمية للمواطنين والعدالة التي تشمل الجميع". ودعا الرئيس زعماء المعارضة الى النأي بأنفسهم فورا عن القوى المتطرفة التي تثير صدامات مع الشرطة وتسفك الدماء. وتابع قائلا: "إذا لم يريدوا ذلك، فعليهم أن يعترفوا بأنهم يدعمون المتطرفين. ومن ثم سنتحدث معهم بطريقة مختلفة".
واعتبر الرئيس أن زعماء المعارضة استهانوا بالمبادئ الديمقراطية الأساسية، مشددا على أن الوصول الى السلطة يجب أن يتم من خلال مراكز الاقتراع وليس عبر الشوارع والميادين. وتابع: "قد قلت لهم (زعماء المعارضة) أكثر من مرة إن الانتخابات قريبة. وإذا وثق بكم الشعب، فستكونون في السلطة، وإذا كان لا يثق بكم، فلن تصلوا إليها. لكن كل شيء يجب أن يجري بطريقة قانونية ووفق الدستور".
المعارضة تعلن عن فشل لقاء زعمائها مع يانوكوفيتش
من ناحيته، أعلن حزب "أودار" (الضربة) المعارض أن اللقاء الذي عقد بين زعماء المعارضة والرئيس الأوكراني الليلة الماضية مني بالفشل. ونقلت الدائرة الصحفية التابعة للحزب عن زعيمه فيتالي كليتشكو أن يانوكوفيتش غير قادر على التقييم الواقعي للوضع في البلاد.
ونقل بيان الحزب عن كليتشكو قوله إن رد فعل يانوكوفيتش على تطورات الأوضاع غير مناسب تماما، إذ طالب المعارضة خلال اللقاء بدعوة المعتصمين في ميدان الاستقلال الى وقف المواجهة وإلقاء السلاح. ونفى كليتشكو وجود مسلحين في الميدان ، وحمل قوات الأمن المسؤولية عن سقوط قتلى.
وتابع كليتشكو أنه دعا يانوكوفيتش الى سحب قوات الأمن وإيقاف المواجهة الدموية، قائلا إن الحديث لا يمكن أن يدور عن التفاوض طالما يستمر سفك الدماء. وأكد القيادي في حزب "باتكيفشينا" (الوطن) أرسيني ياتسينيوك أن زعماء المعارضة أصروا خلال اللقاء مع يانوكوفيتش على إعلان الهدنة فورا وسحب القوات. وتابع: "لكن الرئيس وممثلي السلطات اقترحوا علينا فعليا الاستسلام ومغادرة الميدان"، مؤكدا رفض قيادة المعارضة هذا المطلب والبقاء مع المحتجين في ميدان الاستقلال.
وقد دعا جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي في مكالمة هاتفية مع الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش إلى سحب قوات الشرطة الخاصة من شوارع كييف. وجاء في بيان نشره مكتب نائب الرئيس الأمريكي أن "بايدن عبر عن قلقه من الوضع في أوكرانيا ودعا الرئيس يانوكوفيتش إلى سحب القوات الحكومية من الشوارع وضبط النفس إلى أقصى درجة ممكنة". كما قال بايدن إن الولايات المتحدة تدين العنف الذي تستخدمه كل أطراف النزاع ولكنها تحمل الحكومة المسؤولية الخاصة عن تخفيف حدة التوتر في البلاد.
من جهته، أعلن رئيس لجنة مجلس الدوما الروسي للشؤون الخارجية أليكسي بوشكوف أن الدعوة التي وجهها نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش إلى ضبط النفس يعد "إشارة" للمتطرفين.
وكتب بوشكوف في حسابه على موقع "تويتر" الأربعاء 19 فبراير/شباط، أن "بايدن دعا الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش وليس المتطرفين إلى "ضبط النفس إلى أقصى درجة ممكنة"، مشيرا إلى أن "المتطرفين حصلوا من جديد على إشارة تأييد من الولايات المتحدة". وكان بايدن قد دعا يوم الثلاثاء في مكالمة هاتفية مع يانوكوفيتش إلى سحب قوات الشرطة الخاصة من شوارع كييف.
وأعلن الكرملين أن ما يجري في أوكرانيا محاولة لقلب نظام الحكم في البلاد، وأن تسوية الوضع في اوكرانيا من صلاحيات السلطات الوطنية.