مثلما كان متوقعا، وسيرا على خطى جيرانهم التونسيين تمكن الليبيون من الاتفاق على كيفية إدارة البلاد خلال المرحلة القادمة. وتضمن اتفاقهم التمديد لولاية المؤتمر الوطني العام (البرلمان) للإشراف على ما تبقى من مرحلة انتقالية حتى يفرغ السياسيون من كتابة الدستور وتشريع قانون انتخابي تجرى على أساسه الانتخابات القادمة.
كما تضمن "وفاق" الليبيين أيضا إقرار خارطة طريق، أسوة أيضا بنظرائهم في تونس، يُفرض على الجميع احترامها حتى يتم وضع حد لهذه المرحلة الانتقالية التي طال أمدها بحسب كثير من المراقبين. وتفرض هذه الخارطة العديد من الالتزامات من بينها أن على المجلس التأسيسي، الذي انتُخب مؤخرا، أن يفرغ في أجل محدد من كتابة دستور البلاد الجديد ليعرضه لاحقا على المؤتمر الوطني العام.
انتقادات
لكن هذه الصيغة التوافقية وهذه الخارطة تعرضت لانتقادات من قبل عدد من الخبراء والمحللين وحتى من قبل جهات من داخل ليبيا. فهي، وبحسب هؤلاء، ستساهم في إطالة أمد المرحلة الانتقالية التي تعيشها ليبيا عوض اختصارها نظرا للتعقيدات والشروط التي تتضمنها من أجل إقرار الدستور. وكأن المنتخبين في ليبيا راغبون في المحافظة على كراسيهم أطول مدة ممكنة وليست لديهم الرغبة في مغادرتها.
كما ينتقد البعض لجوء الليبيين إلى انتخاب مجلس ثان غير المؤتمر الوطني العام، هو المجلس التأسيسي سيتولى مهمة صياغة الدستور في أجل 120 يوما. ويتساءل البعض إذا لم يتم انتخاب المؤتمر الوطني العام من أجل كتابة الدستور فمن أجل أية غاية انتخبه الليبيون؟ وكيف للمجلس التأسيسي أن يكتب دستورا في أجل 120 يوما في حين عجز المؤتمر الوطني العام عن فعل ذلك طيلة أكثر من سنتين.
بلبلة
كما تتضمن خارطة الطريق الليبية ما اعتبره البعض "لخبطة" في المواعيد والإجراءات. حيث بالإمكان وفقا لهذه الخارطة أن يدعو المؤتمر الوطني العام إلى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في حال عدم التوافق على إقرار الدستور. والسؤال الذي يطرح نفسه كيف يمكن إجراء انتخابات سابقة لدستور يحدد شكل نظام الحكم والجهة المخول لها الإشراف على الانتخابات والهيئة الدستورية القضائية التي ستتولى تلقي الطعون المتعلقة بهذه الانتخابات.
فلو تم التوافق على إقرار النظام البرلماني في الدستور الليبي، ويعلم القاصي والداني أن رئيس الجمهورية لا ينتخب مباشرة من الشعب بالاقتراع العام ما يجعله مجردا من كثير من الصلاحيات، فكيف سيتصرف الرئيس الليبي المنتخب مباشرة من الشعب بالاقتراع العام حين يجد لاحقا أن الدستور أقر نظاما برلمانيا يجعل أغلب الصلاحيات التنفيذية بيد رئيس الحكومة. فالمنطق يفرض أن يكتب الدستور أولا وهو الذي يحدد مؤسسات الدولة ثم تجري الاتخابات التي تجعل هذه المؤسسات واقعا لا العكس.
اضطرابات أمنية
في الأثناء تتواصل حالة اللااستقرار في ليبيا رغم نجاح الميليشيات الموالية للحكم الجديد في صد هجمات المجموعات الموالية لنجل القذافي والحد من انتشارها في جنوب البلاد. ففوضى السلاح ما زالت طاغية على المشهد العام في البلاد وكثير من الجماعات المسلحة رافضة لتسليم ما بحوزتها من أسلحة بعضها ثقيل وصالح لخوض كبرى الحروب.
كما أن كثيرا من الليبيين رافضون للتمديد للمؤتمر الوطني العام ومن المرجح أن تشهد البلاد اضطرابات في أنحاء متفرقة لإجبار المجلس الحاكم الذي انتهت المدة الزمنية المقررة لعمله على التراجع عن قراره. ويربط كثير من المحللين بين هذه الفوضى وبين نزول طائرة رئيس الوزراء علي زيدان في مالطا اضطراريا عوض العاصمة الليبية طرابلس. فبحسب هؤلاء من المرجح أن أنباء وصلت إلى زيدان مفادها إمكانية استهدافه من قبل جهات وهو الذي تم اختطافه في وقت سابق وما زال المختطفون أحرارا طلقاء وبعضهم تفاخر وتبجح بما أنجز.