ورأى أن "الواقع الذي وصلنا إليه تضافرت على تحقيقه جملة من الإرادات الخارجية والداخلية وعملت على إنضاجه معطيات كثيرة وأخطاء جمة لم يعد من النباهة بمكان أن ندعو اللبنانيين لنكء جراحها وإثارة الأجواء من حولها، بل إن المطلوب هو أن يعود الجميع، وخصوصا المسؤولون السياسيون في هذا الموقع أو ذاك إلى ذواتهم ليتساءلوا عن النتيجة، وليفكروا بعقل بارد بعيدا عن كل المراهنات على وعود قد تأتي من هذه الجهة الدولية أو تلك الجهة الإقليمية، وقد عرف اللبنانيون بأن هذه الوعود لا دور لها إلا أن تثير الفتنة في داخلهم لتشرب من دمائهم وتأكل من لحومهم وتسرق أمنهم السياسي والاقتصادي، ولتذرهم في قبضة الفوضى والدمار".
وتوجه إلى المسؤولين السياسيين ورؤساء التيارات والأحزاب بالقول: "لا يكفي أن توزعوا على اللبنانيين كلمات توحي بالهدوء والاستقرار والطمأنينة، لأن عليكم ألا تثيروا الأجواء في كلماتكم الحادة والقاسية التي تنطلق بين وقت وآخر، وعليكم أن تثقفوا قواعدكم بكلمات المحبة والوئام واحترام الآخر وأن تمنعوا محازبيكم من القيام بأي عمل من شأنه أن يجتذب رد فعل سلبي قد يدخل البلد في أتون الفتنة وجحيم الحرب، في الوقت الذي تعدون فيه الناس بالأمن والأمان. ونتوجه إلى المسؤولين في المواقع الدينية الرسمية وغير الرسمية، أن يتقوا الله في كلماتهم ويواجهوا أي موقف سياسي انفعالي بروح التسامح وعقلية الانفتاح، وتوجيه هادف يقطع الطريق على كل من تسول له نفسه العبث بأمن الناس الاجتماعي أو السياسي أو ما إلى ذلك، سواء أكان هذا الشخص ممن ينتمي إلى طائفتهم أو فريقهم أم لم يكن، لأنه لا بد لمن يتحرك في السلك الديني من أن يكون نموذجا يحتذى به في الدعوة للمحبة والرحمة، لا أن يزيد الأمور تشنجا وتعقيدا من خلال تعقيداته الذاتية أو ميوله الفئوية".
ودعا "الشخصيات الروحية إلى أن تتحمل مسؤولياتها الكبرى في هذا الظرف العصيب، وألا تسمح للحساسيات المذهبية أو عمليات التثقيف الفئوية بأن تجد لها موقعا داخل هذا المذهب أو ذاك، أو في هذا التجمع الديني أو ذاك، لأن نيران الحساسية والانفعال التي تنطلق من المواقع الدينية هي أشد فتكا وإيلاما من غيرها، وهي مدعاة للفتنة والدمار والخراب، ونأمل من هذه الشخصيات أن تقوم بمسؤولياتها لتقطع الطريق على الساعين للفتنة أو على المروجين لها ومثيري الحديث عنها عند كل شاردة وواردة". ودعا "اللبنانيين بكل طوائفهم ومذاهبهم وتنوعاتهم السياسية، ألا يستمعوا إلى كل من يريد إثارة الفتنة في واقعهم، أو من يدفعهم إلى التقاتل والتنازع، لأن الأمر يصل إليهم ولأن الفتنة سوف تسقط الهيكل على رؤوس الجميع".
أضاف: "نستمع إلى أحاديث ومقولات تربط استمرار الأزمة اللبنانية بما يصدر عن مؤتمر أنابوليس وبتشعبات الأزمة في المنطقة، ونحن نقول للبنانيين وللمسؤولين منهم على وجه الخصوص، إذا كان في العالم من يخطط لسوق بلدكم كرهينة في خضم أزمة المنطقة، فلماذا لا تخططون لتحصين ساحتكم وتعملون على إنتاج وفاقكم الداخلي على حساب البائعين والمتاجرين بقضايا الشعوب من تجار المحاور الإقليمية والدولية؟ ولماذا لا يكون هذا الفريق اللبناني أو ذاك أقرب إليكم من هذا الموقع الدولي أو ذاك الموقع الإقليمي؟"
وختم آية الله فضل الله: "السلم الأهلي هو أمانة الله عندكم، فحذار من الانزلاق في أي متاهة سياسية قد تقود لمتاهة أمنية، وحذار من أي قفزة في الفراغ أو في المجهول. انطلقوا إلى بعضكم البعض بروحية الحوار الجادة التي لا تستهدف إلغاء أحد، وستجدون أن الطريق ستكون معبدة وأن مساحات الحوار ستقود إلى تفاهمات تعيد للبنان حضوره ووجوده قبل أن يدخل البلد وأهله ومستقبله في النفق المظلم والأسود الذي يختزن الضياع والخراب".