بعد ثماني سنوات من الغيبوبة توفي رئيس الوزراء الصهيوني الاسبق ارييل شارون في مستشفى "شيبا-تال هاشومِر". وبموت شارون يكون الكيان الصهيوني قد طوى صفحة من تاريخ آخر زعماء بني "اسرائيل"، لكن السجل الاسود لشارون سيبقى حاضراً ولن تمحوه ذاكرة العرب وبالاخص اللبنانيين والفلسطينيين لما ارتكبه بحقهم من مجازر، ولما تسبب لهم من آلام.
ويحفل تاريخ شارون بارتكاب المجازر المتعددة بحق اللبنانيين والفلسطينيين والمصريين. ففي العام 1948 ارتكب شارون وجنوده مجزرة اللد التي حصد خلالها أرواح 426 فلسطينيا بعد أن اعتقلهم داخل المساجد. ترأّس شارون الوحدة 101 ذات المهام الخاصّة في الجيش الصهيوني. وقد قاد هذه الوحدة الى ارتكاب العديد من المجازر لا سيما مذبحة قبية. ففي ليلة ما بين 14 أكتوبر و15 أكتوبر من عام 1953 قاد شارون عددا من الجنود الصهاينة في هجوم على قرية قبية الواقعة في الضفة الغربية (التي كانت حينها تحت السيادة الأردنية). قتل فيها 69 فلسطينيا، العديد منهم أثناء اختبائهم في بيوتهم التي تم تفجيرها، وتم هدم 45 منزلاً ومدرسةً ومسجداً.
اضاف شارون الى سجله مجازر متعددة وكان له دور بارز في قتل وتعذيب الأسرى المصريين بعد حرب 1967، وهو الذي قاد الاجتياح الصهيوني للبنان، والذي ادى الى احتلال مدينة بيروت عام 1982.
ارتبط اسم شارون بمجزرة صبرا وشاتيلا في بيروت، ففي السادس عشر من شهر ايلول من العام 1982 استفاق اللبنانيون والعالم على مجزرة رهيبة ارتكبها شارون عبر عملائه اللبنانيين في صبرا وشاتيلا راح ضحيتها 3500 فلسطيني ولبناني.
وفي العام 2000 عندما كان شارون رئيساً للوزراء أصر على اقتحام المسجد الاقصى في تحد فاضح لمشاعر المسلمين، ما أدى الى اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، التي استمرت قرابة الاربع سنوات، استشهد خلالها نحو 9000 فلسطيني. وفي الفترة الممتدة ما بين 1 إلى 12 أبريل/نيسان 2002 ، دفع شارون بجيشه الى مدينة جنين في الضفة الغربية في عملية توغل اسفرت عن استشهاد 85 فلسطينياً.
وفي ساعات الفجر الأولى من يوم الجمعة الموافق 29/3/2002، وقبل انتهاء اجتماع الحكومة "الإسرائيلية"، اجتاحت القوات الصهيونية مدينتي رام الله والبيرة، وحاصرت مقر رئيس السلطة الفلسطينية حينها ياسر عرفات، تنفيذاً لما أعلنه شارون من أن حكومته اتخذت قراراً بعزل رئيس السلطة الفلسطينية في مكتبه. وأمر شارون بتنفيذ العديد من عمليات الاغتيال ضد افراد المقاومة الفلسطينية على راسهم اغتيال مؤسس حركة "حماس" الشيخ احمد ياسين، وابو علي مصطفى الامين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. واتهم الفلسطينيون شارون بقتل عرفات عبر تسميمه.
وفور شيوع خبر وفاة شارون اطلقت الاعيرة النارية في الهواء ابتهاجاً في مخيمات جنوبي وشمالي لبنان.
ويدفن شارون بعد ظهر غد الاثنين بمزرعته جنوبي كيان العدو.
"هيومن رايتس واتش" تأسف لوفاة شارون دون محاكمته على دوره بصبرا وشاتيلا
بدروها، قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، إن "رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون مات دون أن يواجه العدالة على دوره بمذبحتين راح ضحيتهما المئات وربما الآلاف من المدنيين على أيدي مليشيات لبنانية بمخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين بلبنان عام 1982".
وأوضحت المنظمة، في بيان صحفي، أن "شارون أفلت أيضا من المحاسبة على انتهاكات أخرى، من قبيل دوره بتوسيع المستوطنات في الأرض الفلسطينية المحتلة، الذي يستحق الملاحقة كجريمة حرب".
وقالت المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة سارة ليا ويتسن "من المؤسف أن يذهب شارون إلى قبره دون أن يواجه العدالة على دوره في صبرا وشاتيلا وغيرهما من الانتهاكات... ويأتي رحيله كتذكرة إضافية بأن الإفلات شبه الكلي من العقاب على انتهاك الحقوق طوال سنوات لم يفعل شيئاً لتقريبنا من إحلال السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين".
وأضافت المنظمة ان "شارون كان، بصفته وزير الجيش "الإسرائيلي" في 1982، يتحمل المسؤولية الإجمالية عن القوات "الإسرائيلية"، التي كانت تسيطر على منطقة مخيمي صبرا وشاتيلا، وقد وجدت لجنة "إسرائيلية" لتقصي الحقائق أنه يتحمل مسؤولية شخصية عن المذبحة، وأنه قرّر ضرورة إرسال مليشيات الكتائب إلى المخيمين من 16 إلى 18 أيلول، رغم المخاطرة بشروع عناصرها في ذبح السكان المدنيين هناك".
وتابعت انه في"شباط 1983 وجدت لجنة كاهان، وهي لجنة تقصي الحقائق "الإسرائيلية" الرسمية المكلفة بالتحقيق بالأحداث، أن الاعتبار الجدي، المتمثل في احتمال ارتكاب الكتائب للفظائع، لم يكن له أدنى وزن عند شارون، كما وجدت اللجنة أنّ" ثمة استحالة بتبرير استهانة شارون بخطر المذبحة، وأوصت بإقالته من منصبه".
وأشارت إلى أن" السلطات "الإسرائيلية" لم تجر أي تحقيق جنائي لتحديد مدى تحمل شارون وغيره من المسؤولين العسكريين "لإسرائيليين" للمسؤولية الجنائية، وفي 2001، رفع الناجون دعوى في بلجيكا تطالب بملاحقة شارون بموجب قانون الاختصاص الشامل البلجيكي، إلا أن الضغوط السياسية دفعت البرلمان البلجيكي لتعديل القانون في نيسان 2003، وإلغائه كلياً في آب، ما حدا بأعلى المحاكم البلجيكية إلى إسقاط القضية ضد شارون في أيلول من ذلك العام".
وقال المنظمة إن" شارون ظل طويلا يروج للمستوطنات "الإسرائيلية" غير المشروعة في غزة والضفة الغربية، وفي 2005 أمر بسحب "إسرائيل" لما يقارب من 8000 مستوطن من قطاع غزة وإخلاء أربع مستوطنات في الضفة الغربية، لكن عدد المستوطنين "الإسرائيليين" في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، أثناء ولايته كرئيس للوزراء، تزايد من نحو 388 ألفا إلى 461 ألفا، حيث يعد قيام قوة احتلال بنقل مدنييها إلى أرض محتلة خرقا خطيرا لاتفاقية جنيف، وجريمة حرب محتملة".
وبينت أنه "تم بناء جدار عازل، كان شارون قد وافق عليه في 2002، داخل الضفة الغربية، في مخالفة للقانون الإنساني الدولي، بحيث يحيط بالعديد من المستوطنات على الجانب "الإسرائيلي"، ومنذ 2003 اخضع الجيش "الإسرائيلي" آلاف الفلسطينيين الذين يعيشون في مناطق الضفة الغربية الواقعة بين الجدار العازل وخط وقف إطلاق النار سنة 1967 لقيود شديدة وتمييزية على حريتهم في التحرك، بما لها من عواقب اقتصادية واجتماعية مدمرة".
وأوضحت "هيومن رايتس ووتش"، في بيانها، أنه" في أثناء ولاية شارون كرئيس للوزراء، استشهد 1430 مواطناً، كما هدمت قوات الاحتلال المئات من منازل المواطنين في الضفة الغربية وقطاع غزة".
وقالت ويتسن إن "رحيل شارون دون مواجهة العدالة يعظّم المأساة بالنسبة للآلاف من ضحايا الانتهاكات".