لطيفة الحسيني
المملكة السعودية الوهابية تهاب فيلماً سينمائياً، يؤرقها محتواه جداً.. مرتعبةٌ هي من اهتزاز صورتها النمطية التي دأبت على رسمها في أذهان "رعيّتها العربية" منذ تأسيسها.. قبل افتضاح تاريخ منشئها أمام كلّ من سيشاهد "ملك الرمال"، لجأ طلال بن عبد العزيز آل سعود، أحد أمرائها الى تهديد المخرج السوري نجدت أنزور، كطريقة لإرهابه حتى يتوقّف عن عرض فيلمه.
يعكس الهجوم الذي شنّه الأمير طلال على أنزور، الانزعاج السعودي الشديد من الحقائق التي يتضمّنها الفيلم.. استياء تُرجم شتائمَ أبرزها نعت المخرج السوري بـ"مخرج جهاد نكاح يواصل مشوار الهبوط". في الاستياء أيضاً موقف يعتبر أن الفيلم "لم يترك إلا الألم والأسى في نفوس الجماهير، وصاحبه يصمّم على الاستمرار في مشوار الهبوط".
تلك الكلمات ألحقت بخبر أعلنه طلال بن عبد العزيز، يعلن فيه أنه توسط لدى صديق مشترك مع "فخامة الرئيس بشار الأسد بهدف منع عرض هذا الفيلم في دمشق"، قبل أن يتمنى استجابة الأسد "إكراماً لشخص الملك عبد العزيز الذي لا يمكن سوريا الشقيقة وشعبها الوفي نسيان أعماله الخيّرة ودعمه الدائم".
مناشدات الامير الثمانيني التي غرّدت "طوعاً" خارج سرب السياسة السعودية العدائية ضدّ سوريا، لم تلقَ آذاناً صاغية لها في دمشق.. فأنزور عرض فيلمه "ملك الرمال" في لندن في 11 أيلول (سبتمبر) الماضي، وهو اليوم يستعدّ لعرضه في صالات بلده الأم متحدياً كلّ التهديدات.
يتحدّث أنزور، ابن حلب الشهباء، عن أسباب معارضة الأمراء السعوديين للفيلم، ويقول في مقابلة خاصة بموقع "العهد" الناطق باللغة الانكليزية، إن ""ملك الرمال" خرق للمرة الأولى محظورات الأسرة الحاكمة و"تابوهاتها"، لأنه يجسّد شخصية الملك عبد العزيز آل سعود التي كانت تُقدَّم على أنها "بطولية موحّدة". صورة ينقضها البحث العميق في أرشيف السعودية بعد قراءة جدّية للتقاطعات التي حدثت في المنطقة عبر التاريخ، ولا سيّما أن ما حصل قبل مئة عام ها هو يتكرّر اليوم، يؤكد أنزور.
يوضح المخرج السوري المخضرم أنه تولّى مهمة التنقيب عن "الحقائق وإجراء بحث عن جذور الإرهاب في العالم العربي"، وعليه وجد أن "الفرصة مؤاتية اليوم لعرض الفيلم حتى تستفيد الأجيال"، ويشير الى أنه اكتشف أن "لهذه الظاهرة أساسا وهو الحركة السلفية الوهابية، مُشبِّهها بـ"الفيروس الذي يحاول التغلغل في المنطقة".
يلفت أنزور الى أن "ملك الرمال" يتوّج مسيرة من أعماله التي أنجزها طيلة السنوات العشرة الماضية المخصّصة لتناول هكذا قضايا كـ"المارقون"، و"حور العين" و"ما ملكت أيمانكم".
يشرح أنزور الذي ارتأى أن يكون "العمل سينمائياً عالمياً ناطقاً باللغة الانكليزية لكي يخاطب العالم أجمع"، أن "الرئيس بشار الاسد وافق على تنفيذ الفيلم بأمر منه قبل اندلاع الأزمة حيث بدأ العمل عليه وتصويره"، غير أن شركته الخاصة هي التي أنتجته و"بإمكانيات تضاهي الأفلام الأوروبية".
لا يأبه أنزور لكلّ التهديدات التي تتوعّده، يتصرّف كـ"أي مواطن سوري مسؤول يحمل همّ بلاده ومجتمعه دائماً"، متوقفاً عند دوره كمخرج في "تسليط الضوء على هذه الظواهر"، ويرفض الادّعاءات التي تنال من تاريخ أعماله الفنية والدرامية "الذي لم يكن تافهاً وسخيفاً يوماً".
أنزور يربط بين مواقفه الوطنية التي اتخذها وبين الهجمة السعودية الشرسة عليه، هنا يستفيض في الكلام: "أنا لم أذهب الى أنقرة أو القاهرة لأقول ما يقوله الآخرون.. لم أفعل ما فعله بعض الفنانين الذين لطالما استفادوا من النظام السوري وثبت بعد ذلك أنهم متخاذلون".
بحسب أنزور، دوافع حملة طلال بن العزيز عليه تتلخّص في أنه تعرّض لتاريخ السعودية القذر المغاير لما ادّعته سابقاً و"اللي بيتو من زجاج يخاف".
رغم كلّ ما رواه وكتبه الامير طلال، يؤمن أنزور أنه لا يزال "هناك بعض العقلاء في المملكة القادرين على كبح جماح القتلة الذين يعبثون في المنطقة"، ويضيف "نحن نعطي هذا الرجل فرصة لكن كلامه كان يجب أن يوجّه الى النظام الحاكم في السعودية لوقف آلة التدمير وإرسال المقاتلين الى سوريا وتمويل الحركات الارهابية فيها".
مع هذا، يعلن أنزور أن "الفيلم اذا لم يعرض في الصالات السورية، فسيعرض في أي مكان في العالم والقيادة السورية قادرة على اتخاذ القرار المناسب بهذا الصدد".
كما يستبعد أنزور عرض فيلمه في الصالات العربية "إلّا اذا سمحت الظروف، وقد يعرض في لبنان وتحديداً في الضاحية الجنوبية مثلاً"، (يضحك هنا).
يخلص مخرج "ملك الرمال" الى أن لا مكان لأي حرب نفسية تشنّ عليه، "مواقفنا لن تتغيّر ونحن صامدون وسنحافظ على بلدنا حتى الرمق الأخير"، يقول أنزور، ويعاهد جمهوره بـ"نقل صوت الحقّ دائماً".