روان أحمد
كما في وصيتهما، دفن الشهيدان محمود النجار وموسى فنشة في القبر نفسه. لُفّا بعلم أسود كتب عليه: لا إله إلا الله محمد رسول الله. وهما لا ينتميان لأي من الفصائل الفلسطينية وناما بسلام، في مدينتهما يطا الواقعة إلى الجنوب من مدينة الخليل، فيما دفن صاحبهما محمد نيروخ في مقبرة عائلته في الخليل المدينة.
الشهداء الثلاثة، الذين اغتالتهم سلطات الإحتلال وقامت بتصفيتهما بدم بارد، خرجت مدينة الخليل عن بكرة أبيها لوداعهم بالهتاف بالرد القريب والإنتقام لهم بعمليات في قلب الكيان المحتل.
وادعت سلطات الاحتلال أن الشهداء الثلاثة خططوا لعمليات مقاومة داخل الأراضي المحتلة في الـ1948، وأن أجهزة مخابراتها ترصدهم منذ مدة وتتابع تحركاتهم حتى تمكنت من اغتيالهم مؤخرا بدم بارد.
وبعيدا عن رواية الإحتلال عن الخلية وتشكيلها وانتمائها لجماعات سلفية جهادية، كان لكل منهم قصة شهيد اصطفاه الله.
فالشهيد محمود النجار (22 عاماً)، كان الشاب العابد الصائم البار بوالديه خرج من منزله قبل 20 يوماً ولم تعلم العائلة عنه شيئا، وبينما كانت الوالدة تنتظر اتصالا منه يطمئن قلبها عليه كان اتصال يخبرها أنه ارتقى لربه شهيدا.
غادر محمود 22 عاما، منزله بعد طلب المخابرات الفلسطينية له للمقابلة. قال لوالدته إنه سيذهب للعمل داخل الخط الأخضر، وهو الذي لم يعتد ذلك من قبل، وغاب رنين هاتفه 20 يوما لم تعرف العائلة خلالها أي شيء عنه.
يقول شقيقه ياسر: "قال لوالدتي سأغيب قليلا وأعود، فغاب وغاب وعاد إلينا شهيدا ... الحمد لله" ، ويتابع: "لم تكن لتليق به موتة أجمل من موت الشهداء".
وتابع شقيقه: "لم نسمع منه إلا يوم غيابه حيث اتصل بوالدتي وقال لها إنه وجد عملا في سوق الخضار في الداخل المحتل، حاولنا الإتصال به ولم نستطع وسألنا عنه مرارا أبناء القرية الذين يعملون في الداخل ولكن لم يكن أحد قد رآه".
وبحسب ياسر فإن شقيقه لم يكن منتميا لأي من الأحزاب، بل كان إنسانا متدينا انتماؤه لله فقط... ولا يطلب من الدنيا غير رضا الله.
وتابع: "كان محمود يدرس الشريعة في جامعة القدس المفتوحة وخلال ذلك يعمل على بسطة لبيع ما تيسر له من بضاعة "ملابس أدوات منزليه"، وكان يرضى بما يرزقه الله، ويردد دائما: "لا أريد إلا ما يسد حاجتي من حياه بسيطة أعبد فيها الله".
ومحمود الشهيد كان متعلقا بالله أكثر من أي شيء آخر، لا يهتم بالدنيا ومغرياتها، يهتم بالصلاة والصوم، وطاعة الوالدين التي كانت أهم لديه من الدنيا وما فيها.
ولم يكن رفيقه بالمقاومة والشهادة والقبر موسى فنشة بعيداً عن هذا، فقد كان من رجال الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، ولا يهتم من حياته إلا ما يقربه من الله عز وجل .
يقول شقيقه مصطفى: "كان يخرج مع رجال الدعوة، رجل عابد لربه متمسك بسنن رسوله وتعاليمه ولم تكن منذ صغره تشغله عن هذا شيئا".
وتابع: "مؤخرا كان يتابع ما يجري من ظلم يقوم به الإحتلال ومن قتل ويدعو للمقاومين و الأسرى والشهداء دائما، وأصبح جل حديثه عن الجهاد في سبيل الله والمقاومة وضرورة رفع الظلم عن المظلومين".
وكان موسى (22 عاما)، يعمل سائقا على تكسي داخلي في البلدة... وفي الحديث عن صفاته يقول شقيقه: "كان محبوبا بين الناس، وهادئا جدا ولا يوجد في سلوكه شيء من سوء، ويدعو إلى الله بالحكمة والعلم الذي تعلمه من أبيه والذي كان أيضا رجل علم بالدين".
ونفس سيرة الشهيد النجار، خرج موسى من منزله قبل 20 يوما وقال لأهله إنه سيذهب للعمل في الداخل المحتل، وبعد ثلاثة أيام اقتحم جهاز المخابرات الفلسطينية المنزل واستدعاه للمقابلة، وهو ما أثار استغراب العائلة، وهو المعروف عنه أنه لا يتدخل في أمور السياسية بشيء، وبعد الإتصال به اتفق على أن يعود بعد يومين، ومنذ ذلك الحين لم تسمع عنه العائلة إلا خبر استشهاده".
وعن دفنه في قبر النجار قال مصطفى إن موسى كان قد ترك وصية لشقيقه الأصغر بأن يدفن مع من يستشهد معه مهما بعد عنه، وكان أن دفن مع رفيقه النجار".