يبدأ وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو اليوم الاحد زيارة رسمية للعراق، في إطار حراك أنقرة نحو بغداد لتصحيح اخطائها، وترميم ما تسببت به مواقفها السلبية حيال العراق من تصدعات في جدار العلاقة بين الطرفين.
ومن المقرر أن يلتقي الوزير التركي الى جانب لقائه نظيره العراقي هوشيار زيباري، كل من رئيس الوزراء نوري المالكي، ونائب رئيس الجمهورية خضير الخزاعي، ورئيس مجلس النواب اسامة النجيفي، ورئيس التحالف الوطني ابراهيم الجعفري، ورئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي عمار الحكيم، وشخصيات سياسية أخرى من مكونات مختلفة، ومن المقرر أن يزور ايضاً محافظة كركوك المختلف عليها بين العرب والأكراد والتركمان، علما أن اوغلو قام في ذروة التصعيد بين بغداد وأنقرة بزيارة كركوك حينما زار اقليم كردستان في مطلع شهر أب/اغسطس من العام الماضي، وقد أثارت تلك الزيارة حفيظة الحكومة العراقية، التي عدتها استفزازاً لها وانتهاكاً لسيادة البلاد، لأنها لم تتم وفق السياقات والاعراف الدبلوماسية المتعارف عليها.
وتأتي زيارة احمد داود اوغلو لبغداد في ظل تحرك متبادل من كلا الجانبين العراق والتركي لاصلاح العلاقات التي تأزمت بينهما الى حد كبير خلال العامين الماضيين بسبب التدخلات التركية في الشأن العراقي، وتبني أنقرة سياسات ذات نزعات طائفية، وتباين مواقف الطرفين من الأزمة السورية وعموم أحداث المنطقة.
فخلال الشهور القلائل الماضية تبادل الطرفان زيارات لشخصيات رفيعة المستوى، اذ زار رئيس مجلس النواب العراقي اسامة النجيفي في شهر ايلول/سبتمبر الماضي أنقرة والتقى كبار المسؤولين فيها، وحمل رسالة شفوية من المالكي الى نظيره التركي رجب طيب اردوغان عبّر فيها عن رغبة بلاده بعلاقات طيبة وايجابية مع تركيا، وبعد ذلك، وتحديداً في الثاني والعشرين من شهر تشرين الاول/اكتوبر الماضي، زار رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان التركي فولكان بوزكير العراق بدعوة من نظيره العراقي الشيخ همام حمودي، ووجه المسؤول التركي دعوة رسمية للمالكي لزيارة تركيا، وفيما بعد، وفي إطار استثمار الاجواء الايجابية للتغلب على المشاكل القائمة، قام وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري بزيارة أنقرة في الرابع والعشرين من الشهر الماضي، لتكون زيارة اوغلو هذا اليوم المحطة الاخرى -ولسيت الاخيرة- في إطار التواصل بين العاصمتين، اذ ينتظر أن يزور العراق بعد اسابيع قلائل رئيس البرلمان التركي جميل جيجك تلبية لدعوة وجهها اليه النجيفي حينما زار تركيا.
ولعل واحدة من اهداف زيارة اوغلو للعراق هو التمهيد والتهئية للزيارة المرتقبة للمالكي لتركيا، والتي من المفترض ان تستتبعها زيارة لاردوغان الى العراق.
ولا يخرج التغيير في الموقف التركي حيال العراق عن مجمل الاحداث والمتغيرات في المنطقة، مثل واقع الصراع في سوريا، الذي رجحت كفته لصالح نظام الرئيس بشار الاسد، وانحسار وتلاشي فرص اسقاطه مثلما كانت تتمنى وتخطط عدة أطراف اقليمية ودولية من بينها تركيا، وتقاطع المواقف بين الأخيرة ومعها قطر من جانب، والسعودية من جانب آخر. وحصول حلحلة في العلاقات الايرانية-الاميركية ترافقت مع وصول الشيخ حسن روحاني لرئاسة الجمهورية، بعد قطيعة امتدت منذ انتصار الثورة الاسلامية الايرانية في بداية عام 1979 حتى الآن. الى جانب نجاح رئيس الوزراء العراقي في الوقوف بوجه المحاولات الرامية لازاحته عن رئاسة الحكومة، تحقيق حضور عراقي لابأس به في المحافل الاقليمية والدولية، كان للموقف العراقي من الازمة السورية أثر واضح فيه.
وتسود أجواء من التفاؤل في الاوساط والمحافل السياسية العراقية بعودة العلاقات العراقية-التركية الى مسارها الصحيح، الأمر الذي من شأنه أن يساهم في تطويق بعض المشاكل والازمات، التي ربما كان لأنقرة دور فيها، لاسيما الاحتقانات والتشنجات بين القوى السياسية والاجتماعية الممثلة للمكونات المختلفة في المناطق المتنازع عليها.
ويقول رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في حوار أجرته معه قناة "الحرة" الفضائية يوم الجمعة الماضي "لقد صدرت اشارات ايجابية من أنقرة ورحبنا بذلك، وسيقوم وزير الخارجية احمد داود اوغلو بزيارة بغداد وسأقوم أنا بزيارة تركيا وسيزور رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان العراق".
ولاشك أن عودة المياه الى مجاريها بين بغداد وأنقرة سيزيد من عزلة السعودية، التي مازالت مصرة على معاداة العراق، وبدلاً من بناء علاقات طيبة معه، فإنها تواصل جهودها ومساعيها لايذائه عبر دعم الجماعات الارهابية، وإثارة الفتنة الطائفية، وقطع الطريق أمام أية خطوة من شأنها تقوية العراق سياسياً أو امنياً أو اقتصادياً.