الجنوب ينادي: أين الامام يا عرب؟
المصدر: افتتاحية صحيفة "العهد" - أرشيف - العدد 10 نهار الجمعة 4 ذو الحجة 1404 هـ
.. وتكبرُ مع الجُرح
الامام موسى الصدر كان الروح التي تسرى في لربوع الجنوب فتبعث الدفء والحنان في أيتامه وتزرع القوة والعزيمة في شبابه، وتنثر الفكر والوعي وتحرض على القتال ضد أعدائه..ومع هذه الروح عاش الجنوب آلام القصف اليهودي الهمجي، وآلام الحرمان الرسمي اللئيم صابراً محتسباً يعد العدة للمبارزة ويهيىء الرجال للحرب، وينتظر موعد المعركة ضد الصهاينة الغاصبين.
وكانت صيحة موسى الصدر تدوي في آفاق لبنان والعروبة وبلاد الاسلام وتدق ناقوس الخطر هاتفة في أسماع الغافلين: الجنوب في خطر.. وبعده يصبح لبنان في خطر.. ثم العالم العربي.. ادعموا صمود الجنوب.. درّبوا أهله.. سلّحوهم..
ومنذ أواسط الستينات وموس الصدر لم فتأ يشير بأصبعه الى موطن الجرح الذي ينزف في جسد الوطن، ولم تخل مناسبة من المناسبات الا كان الجنوب هو الهم الدائم والهاجس المرير الذي يلاحق القائد المتبصر..
وهذا الاهتمام بالجنوب لم يكن وليد صدفة لدى الامام الصدر، وإنما كان انعكاسا لاحساس عميق بخظورة الإهمال أو التقاعس عن هذه القضية خصوصا ان مخاطرها لن تقتصر على الجنوب فحسب وإنما ستهدد أصل وجود لبنان، والعالم العربي بأسره. كنت تعلم أن "إسرائيل" شرّ مطلق فقلت ان التعامل معها حرام..
وكنت تعلم ان خطرها يتمثل في تقسيم لبنان وها نحن نشهد فصول هذا الخطر.
ويكبر الجرح النازف وتجتاح "إسرائيل" جبل عامل وتمتد نحو الجبل وتحاصر بيروت العاصمة، والعرب النيام الذين لم يسمعوا من قبل صرخات موسى الصدر صموا آذانهم عن سماع زعيق الطائرات وهدير الدبابات الغازية لان السماع يستلزم موقفا والموقف العربي الرجعي عهر وخيانة وتآمر..
وحدك أنت تكبر مع الجرح..
ووحدهم أبناؤك المؤمنون استجابوا للنداء فأسرعوا رغم ان الملوك والرؤساء يا تؤام الجنوب قد انحرفوا عن قبلتهم فهم يموتون كل يوم وهم احياء بينما أخوة بلال فحص يعيشون الحياة الأبدية منذ اللحظة التي فيها يموتون.
- من كتابات الامام:
في 23 آب 1978 نشر الإمام موسى الصدر مقالا مهما في صحيفة لوموند الفرنسية حول موضوع الثورة الاسلامية في ايران، يعتبر الان وثيقة فريدة خصوصا انه آخر مقال كتبه سماحته قبل اختفائه في 31 آب من العام نفسه وقبل انتصار الثورة المباركة في ايران.
وهنا ترجمة حرفية لهذا المقال:
تختلف إنتفاضة الشعب الإيراني عن كل الحركات المماثلة لها في العالم، فهي تفتتح منظورًا جديدًا للحضارة العالمية، ومن هنا فهي تستحق إهتمام جميع المعنيين اليوم بقضايا الإنسان والحضارة.
فحركة الشعب الإيراني برغم إتساعها وبرغم الإتهامات التي تلصقها بها السلطة، تتمتع بأصالة كبيرة سواء من حيث إتجاهها أو من حيث مكوناتها الشعبية، أو من حيث مبادئها وأهدافها، أو من حيث أخلاقياتها. فقوى اليمين غائبة عن إنتفاضة الشعب الإيراني برغم وجود البترول والمصالح الكبرى التي يمثلها، وكذلك الأمر بالنسبة لليسار الدولي، فهو كذلك غريب عن هذه الإنتفاضة، برغم وجود أكثر من ألفي كيلو متر من الحدود المشتركة بين إيران والإتحاد السوفياتي، والحزب الشيوعي الإيراني كذلك ليس له دور كبير في هذه الإنتفاضة مع أنه من أقدم أحزاب المنطقة. إذًا، فإن كلًا من قوى اليمين واليسار، في حدود إرتباطهم المباشر بالكتلتين الدوليتين، ليس لهم أي تأثير على مجرى الأحداث.
والشعب الإيراني يعرف ذلك جيدًا. فهو يعرف أن النظام الذي إتهم الإنتفاضة بالرجعية، يتجاوز كل الأنظمة الرجعية من حيث إنتهاكه للحريات وأساليبه البائدة في الحكم. فالشعب الإيراني يعلم أن النظام لا يتردد في التضحية بمصالح الأمة وفي توزيع ثرواتها على القوى العظمى، ليحظى برضاها. وعندما يقارن الشعب هذا السلوك مع أصالة المعارضة فإنه لا يتورع عن التضحية من أجل هذه الأخيرة. وهو برغم أنه أعزل، فإنه يدلي بشهادة الدم بشكل بطولي ويوجد قوة ليس لأي كان القدرة على تحطيمها.
والثوريون الإيرانيون، لا يمثلون شريحة إجتماعية محددة، فالطلبة والعمال والمثقفون ورجال الدين يساهمون جميعًا في الثورة. إنها حركة شعب في تنوع أجياله: في الأسواق، وفي المدارس، وفي المساجد، وفي المدن، وحتى في أصغر الدساكر.
وهذا ما يجعل النظام يتهم اليمين واليسار، الشرق والغرب، العرب بمختلف أنظمتهم، وحتى الفلسطينيين! وهو بذلك يعترف بإتساع الإنتفاضة الشعبية وعمقها.
وحركة معارضة نظام الشاه، تستند اليوم إلى إعلام خاص بها. فتصريحات قادتها وخطبهم تبلغنا بواسطة أولئك الذين توجه لهم هذه التصريحات والخطب في قلب الشعب الإيراني.
والحق أقول، أن هذه الحركة وازعها الإيمان، وأهدافها هي أهداف إنسانية مفتوحة وأخلاقية ثورية. وهذه الموجة التي تهب على إيران اليوم تذكرنا بنداء الأنبياء، قبل أن يحيد عن خط هذا النداء أصحاب الملل والنحل والمستفيدون. وهي حركة حدد زعيم المعارضة، الإمام الأكبر الخميني، أهدافها بوضوح في حديث أدلى به لصحيفة " لوموند" (تاريخ 6 أيار)، وهو عندما شهد بأصالة هذه الحركة، فقد أشار إلى أبعادها القومية والثقافية والتحررية.
إن أحداث إيران، وما طرأ عليها من تحول دراماتيكي، تضع العالم أمام جملة من المعطيات الإنسانية.
- إن التجربة الإنسانية التي تخاض في إيران تستحق أن تدرس وأن يدافع عنها ضد الدعاية المغرضة، من قبل كل من يهتمون بقضايا الإنسان والحضارة.
- إن نظام الشاه بعد أربعين سنة من التسلط وبرغم الإمكانيات الكبيرة المتاحة أمامه، قد فشل حتى عن أن يحمي نفسه من غضب الشعب، علمًا بأنه يمتلك في الوقت الحالي أكبر مخزون للأسلحة في العالم الثالث.
- إن القيم الأخلاقية للإنسان المتحضر باتت مهددة في إيران. وهي لا يمكنها أن تنقذ مهما كان الدعم العالمي الذي يحظى به النظام، طالما واصل هذا الأخير سفك الدماء، وخنق الحريات، مع إدعاء الدفاع عن "التقدم" و"الديمقراطية".
- إن النظام الذي بات يعاني خضات داخلية، كان بالأمس يتحدث عن الدفاع عن أمن الخليج والمحيط الهندي والصومال. ذلك أن شيئًا لم يعد يزعجه أكثر من الحركات الشعبية، من ذلك "حركة المحرومين اللبنانية" في لبنان التي وجدت لدى الشعب الإيراني صدى كبيرًا.
إن المذابح التي تدمي إيران حاليًا والتي يحاول النظام إخفاءها، تتوجه بنداء للإنسان المعاصر ولحس المسؤولية عنده، وهذا الإنسان يتعين عليه أن يعطي عن هذه المذابح صورة حقيقية للعالم، ففي مثل هذه الخدمة يؤكد رفضه لها.
الإمام السيد موسى الصدر
نشر في "لوموند" الفرنسية
عدد 23/8/1978
- مواقف تاريخية للإمام الصدر:
هذه المواقف اخترناها من مجموعة خطابات وكلمات الامام موسى الصدر أعاده الله سالماً. ونثبتها هنا برسم كل من ضلّوا الحقيقة:
ـ لبنان العربي المسالم مع "إسرائيل" يعد طابوراً خامساً ضمن العالم العربي.
، إننا نرفض بشدة تصريح مناحيم بيغن عن استعداد "إسرائيل" لحماية الشيعة في لبنان. ونرد بوضوح أنها مؤامرة اسرائيلية جديدة على لبنان وعلى كرامتنا وتاريخنا، حتى لو ادى ذلك إلى مآس اخرى نتوقعها.
ـ التعاون مع "إسرائيل" هو تعاون مع أعداء الله المعتدين المتآمرين على كل القيم والانسان.
ـ الوضع في جنوب لبنان خطر جداً وهو ينذر بأوخم العواقب، ليس على لبنان وحده، بل على المنطقة العربية كلها.
ـ إن مسؤوليتنا تحرير أرضنا وإخراج العدو منها، هي مسؤوليتنا وحدنا.
ـ إننا في لبنان لم نعد نملك شيئا نخسره، فليفكر الاشقاء بأن كل ما عندهم من ثروات وأرض وقوة مهددة أيضاً.
ـ سقوط الجنوب يعني سقوط لبنان وتقسيمه وانتشار شرارة التوتر في العالم العربي وانتقال هذا العالم إلى عهد الدويلات الطائفية.
ـ شرف أبناء لبنان في بقائهم متمسكين بأرضهم.
ـ أبناء الجنوب صامدون يفضلون التشريد والموت على التعامل مع "إسرائيل".
ـ "إسرائيل" تدعي حماية المسيحيين في لبنان وهي الخطر الأكبر عليهم.
المصدر: أرشيف صحيفة "العهد".