علي العبد الله
لا تزال مساجد دمشق ومنذ صبيحة يوم الجمعة تصدح بآيات قرآنية. شوارع المدينة خالية من المارة إلا من بعض السيارات، والحزن يلف الأرجاء. هذا المشهد يلخص حال العاصمة عقب استشهاد العلامة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي الذي قضى مع أكثر من 40 مصلياً مساء يوم أمس في جامع الإيمان بدمشق.
الحكومة السورية أعلنت الحداد الرسمي في جميع أرجاء البلاد لمدة يومين متتاليين. رجال الدين من مختلف الطوائف والمذاهب، ومنذ اللحظة الأولى لاستشهاد العلامة البوطي، أعربوا عن استنكارهم الشديد لهذا العمل الإجرامي، وأكدوا لـ "العهد" أن الهدف من الاغتيال هو اسكات صوت الحق واستهداف سوريا ككل .
الشيخ الفرفور: عاش البوطي للأخرة وداعية للوسطية
واستنكر فضيلة الشيخ حسام الدين فرفور العمل الإرهابي الذي استهدف العلامة البوطي قائلأ:" يا شيخنا ويا علامتنا ويا مربينا إن على فراقك محزونون، لقد انتقلت إلى بارئك وأنت تبلغ الرسالة وقضيت عمرك تؤدي الأمانة في نشر الرسالة والعلم وفي التربية. لقد علم العلامة البوطي الانسان الإسلام كما أنزله الله عز وجل وكان له في كل أمر باع مما يخدم الأمة .
فضيلة الشيخ الدكتور حسام الدين فرفور
وأضاف :" عاش البوطي للأخرة وللدين والأمة والوطن وللناس، ولم يكن من أهل الدنيا ولم يكن يتسلق أو يرغب في الدنيا، كان يقول كلمة الحق كما يعتقد، وكان من كبار من يجتهد في أمور الدين ومرجع من مراجعنا وأستاذ من أستاذنا، تربينا على علمه وفضله وتشرفنا بمجمع الفتح الإسلامي بأن كان استاذنا ومحاضراً وعضو الهيئة التدريسية في الدراسات العليا ".
وأشار الشيخ فرفور إلى أن العلامة الشهيد كان في كل مؤسسة، مرجعاً وأستاذ نرجع إليه، قضى عمره وهو ينشر العلم والوسطية وينشر الإسلام كما أنزله الله لأن الإسلام هو الوسطية، فضلا عن نشره التسامح والمحبة والرأي السديد، وكان يجتهد ولا يزعم أنه قطعا على صواب، كان يأخذ برأي المخالفين وكان يعمل في قاعدة تعلمناها بأن الخلاف لا يفسد في الود قضية، لذلك كان يتواصل مع من يتفق ومع من يختلف وهذا شأن العلماء الجهابذة .
ولفت الشيخ فرفور إلى أن البوطي قضى على يد أئمة نبرأ إلى الله مما يفعلونه وقال :" من فعل هذه الفعلة الشنيعة وقتل هذا العالم الجليل فليتبوأ مقعده من النار،وليعد نفسه بين يدي الله عز وجل فيها قاض حكيم عادل واحد أحد هو الله عز وجل وفي الأخرة لن ينفعه لا مال ولا بنون ولا دعاوى ولا ادعاءات.
المطران لوقا الخوري: الكنيسة تدين هذا العمل وتستنكره
وقد عزى النائب البطريركي العام لبطريركية الروم الأرثوذكس المطران لوقا الخوري باسمه وباسم الكنيسة الأرثوذكسية سوريا باستشهاد العلامة البوطي، وقال لموقع "العهد": "ندين بشدة هذا العمل الإرهابي الذي آلمنا كثيراً إذ كان حدثاً كبيراً لسورية ولأهلها، فالكنيسة تدين هذا العمل وتستنكره لأنها من دعاة السلام كما كان يدعو إليه سماحة الشهيد العلامة البوطي".
المطران لوقا الخوري
وأشار الخوري إلى أن "الكنيسة من دعاة الأخوة وكلمة الحق"، مؤكداً "ضرورة أن يكون كل السوريين يداً واحدة من أجل السلام ومن أجل الحق وسلامة شعبنا وبلدنا بعيداً عن دعوات القتل والاغتيالات "مشدداً على ان "يجلس الناس ويتكلموا لأن الكلمة هي الأساس".
وأضاف :" كان الشهيد "البوطي" من أصحاب كلمة الحق، فهو لم يحمل سلاحاً ويقاتل بل كان صاحب كلمة الإيمان والحق والمحبة، وكان دائم الدعوة إلى التآخي والعيش المشترك، وكما قال سماحة المفتي أحمد بدر حسون إن المستهدف هو الوطن، ونحن كمسلمين ومسيحيين لم نقف مع نظام أو أي شيء آخر، بل نقف مع الوطن لأننا نؤمن بأن من ليس له وطن ليس له شيء في الدنيا".
وأشار النائب البطريركي العام لبطريركية الروم الأرثوذكس إلى أن" الوطن استهدف من كثير من الدول التي تحب هدر دماء الآخرين واسكات هذا الصوت الذي يحب الوطن".
الشيخ حلباوي : الاغتيال حادث جلل وجريمة نكراء
بدوره، إمام وخطيب مسجد السيدة رقية (عليها السلام) الشيخ نبيل حلباوي اعتبر أن" اغتيال العلامة البوطي و42 من المصلين حادث جلل وجريمة نكراء"، وقال :"العلامة البوطي عالم كبير من علماء الإسلام ومفكريه ومن قادة الرأي، وحين يتم استهداف هذا العالم وفي المسجد وخلال تدريسه لطلاب العلم بعد أن أمّ بهم الصلاة، نسأل أنفسنا، هل ينتمي هذا العمل إلى الإسلام وقيمه وأحكامه وثقافته وأخلاقه؟ بل هل ينتمي إلى الإنسانية في مبادئها؟ أليس مأساة أن يتجرأ على عالم إسلامي مفكر من خلال من يدعي الانتماء إلى الإسلام ويعتقد أن عملا كهذا هو جهاد يبغي من خلاله أن يصل إلى الله من أقصر الطرق!! من الذي يهلل ويفرح لمثل هذا العمل؟ أليس المستكبر وأذياله وكل من فقدوا عقولهم وأضاعوا البوصلة التي كان يفترض أن تتجه لفلسطين؟ أليس هذا انتكاسة وأن نخلق عدوا لنا من بين المسلمين أنفسهم؟"
الشيخ الدكتور نبيل حلباوي
وأضاف الشيخ حلباوي:" ألسنا بحاجة إلى قراءة قرآننا وسنة نبينا ومنهج أهل بيته الأطهار وأصحابه الكرام الذي يلتزم بكل ما فيه من وحدة الأمة؟ أما آن الأوان لبركة الدم الطاهرة لجسد صاحبها العلامة البوطي أن تنتفض على هذا الذي حيك لنا، وأن نخرج من مستنقع الصراع الطائفي وتحت كل العناوين الأخرى التي تفرق الأمة وتشرذمها وأن نقول للمستكبرين أنتم أعداؤنا الحقيقيون".
نقيب أشراف ريف دمشق : اغتيال البوطي لإخراس صوت الحق
إلى ذلك أعرب نقيب أشراف محافظة ريف دمشق السيد فادي برهان عن بالغ أسفه لاستهداف العلامة البوطي، مستنكراً هذا العمل الإجرامي وقال :"العلامة البوطي هو عمود أساسي من أعمدة الحق وصوت الحق الصادح، لذلك فإن اغتياله هو إخراس لهذا الصوت، وللأسف فقد تمكنوا من فعل ذلك عبر تجنيد انتحاري لهذا العمل الذي لا يقبله لا عقل أو منطق أو دين" .
السيد فادي برهان
وهنّأ برهان عائلة البوطي ومحبيه بنيله الشهادة، مؤكداً أن "هكذا عمل تفجيري وداخل أحد مساجد دمشق والقضاء على العلامة البوطي بهذه الطريقة انتهاك كبير لكل المعايير الشرعية أو الأخلاقية" معتبراً "ان الاتهامات التي يكيلها البعض خاصة المعارضة للنظام السوري جوفاء، والغاية منها تشويه صورة النظام .
الشيخ سكيكر: استهداف العلامة البوطي عمل إرهابي مدان
واعربت طائفة المسلمين الموحدين (الطائفة الدرزية) عن بالغ حزنها واستنكارها لاستهداف البوطي. وقال الشيخ بيان زيد سكيكر إن "سورية تتعرض لمؤامرة استخدمت فيها كل الوسائل" مشيراً إلى أن "العلامة البوطي، يعتبر رمزاً علمياً لا يحتاج لتعريف".
ولفت الشيخ سكيكر إلى أن "دخول انتحاري إلى داخل أحد بيوت الله في مدينة دمشق واستهداف العلامة والمصلين عمل إرهابي مدان غير مقبول، معتبراً أن الاتهامات الموجهة للنظام ليست إلا لإبعاد الشبهة عن كل الأعمال الإجرامية التي تقوم بها حركات سلفية ووهابية وإلصاقها بالسلطة لتشويه صورتها لدى المواطن السوري".