حسين مرتضى
إن إحكام الخُطة وإتقان تنفيذها من قبل الجيش السوري، المتقدم في ريف حلب الجنوبي والشرقي، شكل صدمة حقيقية للمجموعات المسلحة، أفقدها التوازن، وبدأت نداءات الاستغاثة تخرج من تحت أنقاض الإحساس بالهزيمة الوشيكة بعد أن وصلت وحدات الجيش السوري إلى بلدة تل حاصل، التي تجمّع فيها عدد كبير من عناصر جبهة النصرة، وقاموا بنصب قواعد إطلاق قذائف الهاون، بالإضافة الى وجود عشرات العربات المحملة بالدوشكا، وذلك لاستهداف كتيبة الدفاع الجوي 599، الواقعة بالقرب من بلدة تل حاصل، وبعد دخول القوة المتقدمة للقرية، بدأت بإنشاء نقطة عسكرية في المنطقة الغربية منها، وذلك لفتح طريق إمداد عسكري بين مطار حلب الدولي ومعامل الدفاع.
مرتفعات النبي يونس كانت الموقع الاستراتيجي الذي قررت قيادة العملية السيطرة عليه، كونه يشرف على مركز الأرصاد الجوية ومدخل النيرب بالقرب من مطار حلب الدولي. فجراً بدأت العملية، كان الصبح يتنفس، ومعه بنادق الجنود. تحركت القوات عبر قرى ملكية، ومنها بدأت في تطهير بلدة تركان، من ثم بلدة الحميرة وأبو صفطة، وصولاً إلى المرتفعات الغربية لبلدة تل شغيب.
اثناء عملية التمشيط اكتشف الجيش السوري نفقاً يصل الى مرتفعات النبي يونس ومستودعاً لادوات الحفر، وملاجئ بنوها بشكل احترافي، وتحصينات من الاسمنت المسلح، بداخلها مشفى ميداني، وبأحد الانفاق عثر الجيش السوري على مدفع هاون كان مخبأ في احد الأنفاق، ليستمر في تمشيطه محيط المرتفعات.
سيطرت القوات العسكرية على مرتفعات الغربية لتل شغيب، وجعلت مركز الأرصاد الجوية تحت مرمى نيرانهم وهدفا سهلا لهم، ليسقط عسكرياً، ويبدأ الجيش السوري بتمشيط وتأمين مداخله، ووحدة الهندسة فككت عبوات ناسفة كانت معدة للتفجير لاسلكياً ومزروعة في محيطه. كانت المرة الأولى التي تستخدم فيها المجموعات المسلحة تقنية التفجير لاسلكياً، وهذا دليل على نوعية الدعم التقني العسكري المقدم من الدول الداعمة للمسلحين. وبالقرب من أحد المسلحين الذين قتلهم الجيش السوري وجدت عبوة ناسفة كانت محشوة بقطع حديدية لتتحول عند الانفجار الى شظايا وتقتل أكبر عدد ممكن من الجنود.
المفاجأة والسرعة والحسم، جعلت المجموعات المسلحة المتمركزة في مرتفعات النبي يونس ترتبك وتتخبط، رغم أنها كانت محصنة بشكل جيد، ليقتل الجيش السوري عدداً كبيراً منهم، وقبل انسحاب المسلحين من مرتفعات النبي يونس أضرموا النار في جثث قتلاهم لإخفاء جنسياتهم، كما فعلوا ذلك في عدة مناطق على امتداد الخريطة السورية، ليصبح فك الحصار عن المطار قاب قوسين او ادنى.
كانت معنويات جنود الجيش السوري مرتفعة وهم يستمرون في تقدمهم، الوجهة الان تل شغيب، انطلق الجنود في حملة تمشيط طريق تل شغيب النيرب، وبتكتيك مختلف، استخدام الجيش العربي السوري ما يسمّى تكتيك البيضة المسلوقة، بأن أفسح المجال لبعض المسلحين، الفارين من القرى التي مشطها الجيش، بالتجمع والوصول إلى تل شغيب، ما أغرى هؤلاء المسلحين بالاندفاع باتجاه الطعم، أي صفار البيض الفاسد وجعلهم يتجمّعون في محيط البيضة، وبعدها لجأ الجيش إلى وضع البيضة في حاضنة نارية، وتمّ قتل المئات من المسلحين بعد حشرهم، وعدم تمكّنهم من الخروج؛ وبعدها انقسم الرتل الى قوتين، الأولى اتجهت نحو المدخل الشمالي للبلدة، وبدأت باستهداف تجمعات المسلحين، والثانية دخلت عبر المدخل الجنوبي الذي كان يتحصن به المسلحون.
عبوات ناسفة زرعت على مداخل البلدة، ومرابض قناصة كانوا يقطعون الطريق إليها. آثار الاشتباكات واضحة عند مدخل البلدة، وتخبرنا عن حجم المعركة هنا. اجهزة اتصالات ومنظار ليل تركه المسلحون خلفهم، بعد أن باغتهم الجيش السوري فيها.
كانت عيون الجنود تشخص نحو المطار الدولي، لكن المهمة لن تتم إلا بعد الدخول الى مخيم النيرب، الذي يحاصره المسلحون منذ فترة، وعلى مدخل النيرب سجد جنود الجيش السوري شكراً لله على الانجاز الذي حققوه خلال فترة العملية.
السواتر الترابية ارتفعت على مدخل مخيم النيرب والمسلحون زرعوا فيها عبوات ناسفة، وتمركز القناصة على سطوحه، تم فك الحصار عن مخيم النيرب، ليصبح مطار حلب أمام الجيش السوري الذي تقدم نحوه بثقة المنتصر بعد أن استكمل عملياته في تمشيط محيطه. ويستعيد الكتف الجنوبي والشرقي لمدينة حلب.
الانتصار الذي حققه الجيش السوري في الريف الجنوبي لحلب، جعل الغرب يهذي عند الحديث عن حلب، التي أرادوها منطلقاً ناجعاً وحاسماً لإسقاط سورية، لكنها استحالت اليوم مع انطلاق عملية المعالجة والتطهير إلى مقبرة للأحلام الأميركية والغربية.
إن أهمية معركة ريف حلب الجنوبي والشرقي مستمدة من كسر الحلقة الأهم والأخطر من حلقات العدوان والحرب على سورية، والتي ستضع المخطط والداعم لجبهة النصرة والمجموعات المسلحة، أمام مرحلة جديدة قد يغيب عن أهدافها الظاهرة "السيطرة على مدينة حلب"، وهنا ستكون كارثة استراتيجية على أميركا ونصر لسورية ومحورها، وستبني عليه متابعة معالجة البؤر المتبقية من المسلحين والثبات في الموقع الاستراتيجي الذي حددته سورية لنفسها، وهو العمود الفقري لمحور المقاومة.