آية الله فضل الله: واشنطن تبحث عن نصر سياسي في لبنان تغطي فيه فشلها في العراق
الجمعة 09/11/2007
ألقى آية الله السيد محمد حسين فضل الله, خطبتي صلاةالجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما قال في خطبته السياسية:
"لا يزال الرئيس الأميركي يبشر بالديموقراطية والحرية في أكثر من بلد في العالم، ولا سيما في منطقتنا العربية والإسلامية, ولكننا عندما ندرس استراتيجيته السياسية والأمنية نجد أنه يمارس عملية إلغاء لإرادة المستضعفين من أجل خدمة مصالحه الكبرى في مصادرة اقتصاد العالم، ولا سيما بما يتصل بالسيطرة على منابع البترول، كما صرح بعض جنرالاته المسؤولين في العراق، إلى جانب الفوضى التي أثارها في الواقع الأمني والخدماتي، بحيث أن الشعب العراقي لا يزال يعاني من اللعبة المزدوجة التي يديرها الاحتلال الأميركي بطريقة معقدة، ولا تملك العملية السياسية طريقها إلى الاستقرار, بحيث أصبح الاهتزاز هو طابع الواقع العراقي، ولا سيما مع التمزق السياسي للكتل البرلمانية".
اضاف:" ولا تزال الإدارة الأميركية تدير أوضاع المنطقة بالطريقة السلبية، في خطوطها المتحركة، على أساس محاولة تحقيق الانتصار لجنودها في العراق، والهروب من الفشل الأمني والإداري, وهذا ما نلاحظه في الضغوط التي تمارسها على سوريا، وتثيرها بكل أنواع الفوضى في لبنان، وفي التهديد بالحرب بين وقت وآخر، من خلال حشد أساطيلها في البحر ضد إيران، بحجة مواجهة ملفها النووي الذي هو موضع اتهام أميركي وغربي بأنه يسعى لصنع القنبلة الذرية بالرغم من النفي المتكرر لإيران لذلك، إضافة إلى تصريح مدير وكالة الطاقة الذرية بعدم وجود أي دليل على ذلك, الأمر الذي لم تقبل به أميركا والعدو الصهيوني وبعض دول أوروبا لأنهم اعتادوا على استخدام الوكالة للتشكيك في سلمية المشروع النووي الإيراني كجزء من مشاريعها الاستكبارية والاستعمارية".
"وإذا نظرنا إلى حلفاء الإدارة الأميركية الذين تزودهم بالمساعدات المالية والعسكرية والسياسية، فإننا نجد أن أغلب هؤلاء يصادرون الحريات العامة لشعوبهم، ولا يحركون النهج الذي يشعر معه الشعب بأنه يملك اختيار رئيسه ونوابه ووزرائه بإرادة حرة. وهذا ما نلاحظه في باكستان التي يمثل رئيسها الحليف القوي للادارة الأميركية في ما يسمى الحرب على الإرهاب، وفي مواجهة المعارضة الوطنية والإسلامية المضادة للسياسة الأميركية, وذلك في إعلانه حالة الطوارئ التي تحرك الأحكام العرفية الخانقة للأنفاس، وأدت إلى اعتقال المئات من المعارضين لسياسته، وإلى قمع التظاهرات بالسلاح الأمريكي, الأمر الذي جعل من باكستان بلدا تنتشر فيه الفوضى الأمنية في مناطق القبائل وفي المواقع الدينية وفي الحرب الدائرة بين الجيش والشعب. هذا، إضافة إلى التداخل بين باكستان وأفغانستان في الأوضاع القلقة التي يقودها الجيش الأميركي من جهة، وحلف الناتو من جهة أخرى، بحيث يسقط في كل يوم عشرات القتلى والجرحى من الأفغان، مما جعل المنطقة تزداد عنفا من خلال سوء الإدارة الأميركية للواقع الأمني والسياسي".
وتابع:" ومن الطريف أن بعض المسؤولين في الإدارة الأميركية تحدث عن رفض إدارته للديموقراطية في المنقطة, لأن الحرية التي تمنحها للشعوب قد تؤدي إلى إنتاج الإرهاب الذي يتمثل ـ في النظرة الأميركية ـ في معارضة سياساتها, الأمر الذي يفرض ـ حسب هذا المنطق ـ تشجيع الدكتاتورية التي تحمي المصالح الاستراتيجية للإدارة الأميركية، وتضغط على المعارضة بكل قسوة".
"ومن جانب آخر، فإن كيان العدو الذي يمثل الكيان العدواني ضد العرب والمسلمين والشعب الفلسطيني، لا يزال موضع تقدير لدى المسؤولين الأميركيين وبعض المسؤولين الأوروربين، باعتباره يمثل الديموقراطية الحضارية الوحيدة في المنطقة, ولذلك تحصل إسرائيل باستمرار على الالتزام بأمنها المطلق ضد الفلسطينيين والعرب، في الوقت الذي تمارس فيه مختلف ألوان القتل والتشريد والاعتقال والتدمير للبنية التحتية للشعب الفلسطيني، والقصف لمواقعه المدنية والسرقة لمياهه، من دون أن تحرك أميركا أو بعض أوروبا أو حتى بعض العرب ساكنا أو إنكارا واحتجاجا، بحيث أصبح الاجتياح والاغتيال والاعتقال حدثا يوميا ينتظره الفلسطينيون كل صباح ومساء. وهذا كله، في الوقت الذي نجد فيه أن المؤتمر الذي دعا إليه الرئيس بوش، تحت عنوان التخطيط لإقامة الدولة الفلسطينية القابلة للحياة ـ حسب تعبيره ـ، وفرض على الدول العربية المشاركة فيه، هذا المؤتمر سوف يكون مجرد اجتماع لا مجال فيه لأي مبادرة حقيقية، بحيث سيتحول إلى لقاء للتطبيع العربي مع العدو".
وقال:" ونلاحظ في هذا المجال، أن المسؤولين في أكثر الدول العربية قد صادروا أوراقهم لمصلحة العدو الإسرائيلي، وقدموا له التنازلات الكبرى تحت تأثير الضغط الأميركي، وأصبحت القضية الاستراتيجية العربية مجرد قضية نزاع فلسطيني إسرائيلي، لا يملك فيه الفلسطينيون أي ورقة للقوة في ساحة التفاوض, وتحولت المسألة لدى بعض المسؤولين العرب إلى اعتبار العدو الإسرائيلي هو الصديق، وأن المقاومة في لبنان وفلسطين هي المشكلة المعطلة للحل, حتى أن وزيرة خارجية العدو تعلن أن "أمن إسرائيل يتقدم على الدولة الفلسطينية التي لن نفاوض ـ حسب قولها ـ المطالبين بها إلا بعد إسقاط الانتفاضة". ونحن ندعو الشعب الفلسطيني ـ في هذا المجال ـ إلى أن يعيد الروح للانتفاضة ضد العدو المحتل, ليعرف الجميع أن المرحلة ليست مرحلة حكومة فلسطينية تخضع للجدل السياسي، بل هي امتداد للمقاومة في طريق التحرير الآتي بإذن الله".
وتطرق السيد فضل الله الى الوضع في لبنان وقال:"ما في لبنان، فإن واشنطن تبحث عن نصر سياسي فيه، تغطي فيه فشلها في العراق، ضمن لعبتها الواسعة في الشرق الأوسط، بصرف النظر عن الأحمال الثقيلة على كتفي الوطن الصغير المتعب. ولم يحدد اجتماع اسطنبول، الأميركي ـ الفرنسي ـ العربي، أي آلية للحل, لأن قيادته كانت بيد وزيرة الخارجية الأميركية التي تكتب النص ويوقع عليه الجميع, وباريس الباحثة عن حل يحفظ نفوذها وموقعها وتأثيرها السياسي في لبنان ـ باعتباره حالة فرنسية تاريخية في المنطقة ـ لا تزال تتحرك من موقع إلى آخر، حتى حطت رحالها في واشنطن في اجتماع القمة بين الرئيسين الأميركي والفرنسي، ويبقى اللبنانيون في حيرة قاتلة، بين الحل واللا حل، والفراغ الدستوري، والانتخاب القانوني، ويخافون من تصريحات بعض الذين يعيشون في الظلام ويحبون اللون الأسود، ممن يثيرون احتمالات الحرب الطائفية والمذهبية والحزبية لخدمة بعض الذين لا يؤمنون بوجود شعب جائع محروم خائف من المستقبل، بل يؤمنون بالسر الأميركي الذي يحدد للبنانيين ماذا يفعلون وماذا يتركون, ولا يزال الجميع في قاعة الانتظار التي لا يعرف أحد موقعها".