الرئيس الحص : من يستبيح الكذب يستبيح المحرمات كيفما عرفناها
وكالات 05/11/2007
شارك الرئيس الدكتور سليم الحص في أعمال المؤتمر البرلماني الثالث لمكافحة الفساد الذي عقد في البحرين بين 3 و4 الحالي، فألقى كلمة في الافتتاح بعنوان "الفساد ومكافحته في بلادنا"، قال فيها: "ميادين الفساد في المجتمع، اي مجتمع، متعددة ومتشعبة، وأخطر درجاته تتجلى في تنامي الظاهرة على وجه يبرر الحديث عن ثقافة الفساد. عندما يعم الفساد كما ينتشر الوباء، فيضحى في صلب ثقافة المجتمع، فإن مكافحته تغدو عصية وشديدة التعقيد، يحكى عن ثقافة الفساد عندما يبلغ المزاج العام حالا لا يعود فيه المرتكب مدانا في اوساط المجتمع وتغدو الاخلاقيات السائدة متقبلة المخالفات والتجاوزات التي تدخل في تعريف الفساد. فالرشوة تغدو من الممارسات المألوفة لا بل المقرة، كما لو كانت المقابل المشروع لخدمة معينة او اجرا عن عمل معين، والمسؤول او الموظف الذي يسخر صلاحياته العامة لجني منافع خاصة او مردود خاص يبقى محترما فلا يطاوله نقد او تنديد او ادانة حتى لا نقول محاسبة، والثري يبقى في منزلة المبجل والمكرم بصرف النظر عن مصادر ثروته او كيفية حصوله عليها".
أضاف: "ان كثيرا من المعايير الاخلاقية والسلوكية تغدو مجوفة مفرغة من معانيها فتكون الحصيلة ضياع كثير من الضوابط التي تحدد مفهوم النزاهة والاستقامة والشفافية، وبهبوط المستويات الاخلاقية والسلوكية الى هذا الدرك يصح الكلام عن شيوع ثقافة الفساد في المجتمع. وكانت للمستعمر الاجنبي مصلحة في نشر آفة الفساد في البلاد التي يسيطر عليها وقد لعب دورا مشهودا في تغذيتها وتنميتها في سياق استغلاله ثروات البلاد والهيمنة على ارادة الشعب. اننا ننظر الى الفساد بأنه وصمة تلازم اي عمل او نشاط او تحرك ينطوي على خرق او تجاوز او هتك للقواعد الاخلاقية والسلوكية المألوفة او لمضامين القوانين والانظمة المطبقة نصا وروحا او للتعاليم الدينية السامية".
تابع "يقال ان النفس أمارة بالسوء فيما لو تركت على غاربها، هذا بالطبع لا يصح في كل الحالات ولا يجوز تاليا اتخاذه قاعدة معممة، فبين الناس كثرة ممن يتسمون بمزايا الاستقامة والعفة والنزاهة والشرف، والرادع لدى هؤلاء لا يكون بالنصوص والتعليمات وانما يكون ذاتيا نتاجا لتربية او تنشأة معينة او لالتزام ديني او عقائدي ويتحلى في وازع الضمير. وأنا شخصيا، اعتبر الكذب مصدرا اساسيا للفساد لا بل منبعه، فمن يستبيح الكذب يستبيح المحرمات كيفما عرفناها، ومن مشتقات الكذب الرياء والخداع والنميمة، والكذب درع السارق والمرتشي والمختلس وهو السبيل الى الاثراء غير المشروع، والكذب كما مشقاته وروافده سلاح الحملات الدعائية دوليا والتي تبث اضاليل وتتسبب بكثير من النكبات الانسانية، هكذا اضحى الفساد مدولا لا بل معولما. والأمثلة على ذلك لا حصر لها، أحد عناوينها الكبرى الارهاب، وقد علمتنا التجارب المرة ان وصمة الارهاب انما تعكس وجهة نظر مطلقها، مثال ذلك: العمل المسلح في حال قام به لبناني او فلسطيني فهو ارهاب، وفي حال قام به اسرائيلي فهو دفاع عن النفس، وفي حال قام به اميركي، كما في العراق وافغانستان فهو في خدمة الحرية والديموقراطية وحقوق الانسان".
أضاف: "وهكذا شأن السلاح النووي، اذ استهدف شعب هيروشيما وناكازاكي فهذا انجاز مجيد لإنهاء الحرب العالمية المتمادية، واذا كانت اسرائيل تحتفظ بمخزون من القنابل النووية يتجاوز المئتي رأس نووي فهذا حق مشروع ومن مقتضيات الدفاع عن النفس، اما ان تفكر ايران ان بتطوير الطاقة النووية ولو لأغراض سلمية صناعية فهذا تحد للحضارة وللمجتمع الدولي وللدولة العظمى بالذات. ان تشويه الحقائق دوليا هو الكذب بعينه، واذا وصفته بالفساد فإنك تجازف بالتخفيف من وطأته والتقليل من خطورته، اذ يمكن ان يؤدي الى حرب ومجازر ودمار لا حدود له".
وقال: "في بلدي الصغير لبنان، وسط الخلافات المستحكمة التي تمزق المجتمع، ضاعت الحقيقة فأضحى الخبر وجهة نظر، فهو يعرض على وجه في صحيفة وعلى وجه مغاير في صحيفة اخرى، وكذلك الرقم وجهة نظر، سل عن الدين العام او عن حركة الهجرة الى الخارج مثلا يأتك الجواب متفاوتا والدستور أضحى وجهة نظر، كل يفسر النص على هواه، فلم نعد نتفق على نصاب معين لجلسة انتخاب رئيس للجمهورية، والحرب وجهة نظر تعرض لبنان لحرب غاشمة مع اسرائيل في صيف عام 2006 فإذا بقطاع واسع من الشعب يقول بانتصار المقاومة وقطاع آخر يقول بهزيمة لبنان مع العلم ان اسرائيل نفسها اعترفت بهزيمتها فكان ما كان من تداعيات داخلية في الكيان الصهيوني. عندما تضيع الحقيقة يضحى الكذب سيد الموقف على كل صعيد وفي كل مجال، واذا كان الكذب درع الفساد فلا غلو في القول ان الفساد اضحى في حجم الوباء المتفشي في بلدنا لبنان، والحال في اقطار عربية اخرى لا يختلف كثيرا عن هذا الواقع البائس.
لذلك فإن مكافحة الفساد باتت قضية في منتهى الحيوية في المنطقة، ولا بد ان تطبق بأوسع معانيها على اوسع نطاق في كل مجال وعلى كل صعيد، ومن مقتضيات المكافحة الفصل بين السلطات ولا سيما بين السلطتين الاشتراعية والتنفيذية، وكذلك بين البرلمانات والمحاكم القضائية والتنفيذية، وهذا من مقومات المساءلة والمحاسبة، وأبرز آلياتها البرلمانات والمحاكم القضائية وسائر هيئات الرقابة المالية والادارية، وكذلك تطوير نظام تربوي ثقافي صالح وقطاع اعلامي موضوعي مستقل وفاعل، ماذا لدينا من كل ذلك في الوطن العربي".
ختم: "قرارات الاصلاح كلها قرارات سياسية، لذا القول ان الاصلاح السياسي هو المدخل الطبيعي للاصلاح الشامل، ومفتاح الاصلاح السياسي هو قانون انتخاب عادل وفاعل. هذا حيث يمارس شيء من الديموقراطية اما حيث لا ديموقراطية فالمنطق ينبغي ان يكون مباشرة الممارسة الديموقراطية".