وسبق اجتماع الأمس الذي دام أكثر من خمس ساعات ونصف الساعة، مشاورات مكثفة بين مساعدي الجانبين بعد خلاف نشب حول مسؤولية كل منهما عن توافد الصحافة إلى مكان الاجتماع الذي كان مقررا أن يبقى بمنأى عن أنظار وسائل الإعلام إلى أن تبادل الطرفان توضيحات حول كيفية وصول سر الاجتماع إلى الإعلام.
وصدر بيان مقتضب عن الجانبين يؤكد الاتفاق على عقد اللقاء بعيدا عن الضغوط. وساوى البيان بين ضغط حضور الإعلاميين والمخاطر الأمنية التي استدعت حدوث اللقاء في باريس وجاء في البيان : " عقد رئيس كتلة الإصلاح والتغيير النيابية النائب العماد ميشال عون ورئيس كتلة المستقبل النيابية النائب سعد الحريري لقاءً على مرحلتين في العاصمة الفرنسية نهار أمس الأربعاء 31/10/2007، وذلك بعيدا عن الضغط الإعلامي وعن المخاطر الأمنية التي حالت دون لقائهما في بيروت. وقد حضر جانباً من اللقائين نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري والنائب غسان مخيبر.
سادت اللقاء روح عالية من المسؤولية حيال الظروف الخطيرة التي يجتازها لبنان من مختلف النواحي السياسية والأمنية والإقتصادية. وقد عالجت المناقشات بإسهاب أبرز القضايا المطروحة في لبنان، لا سيما المتعلقة منها ببناء الدولة السيدة، الحرة، المستقلة والديمقراطية، وإنجاح الإستحقاق الرئاسي وفق الدستور من دون أي تدخل خارجي. وقد سجلت المباحثات تقدماً في تقريب وجهات النظر وتخطي الكثير من سوء التفاهم الذي شاب المرحلة السابقة.
وقد اتفق العماد عون والنائب الحريري على ابقاء اجتماعاتهما مفتوحة، ومتابعة ما بدآه من حوار لتعزيز الإستقرار والوحدة الوطنية. وفي هذا الاطار، تعقد جولة ثالثة من اللقاء اليوم في باريس، لاستكمال النقاش ". وكان قد ساد امس تكتم غير مسبوق حول المحادثات وكذلك حجبت صورة المجتمعين الذين يلتقون للمرة الأولى في اجتماع ثنائي منذ الاجتماع الذي عقد بينهما على هامش طاولة الحوار في مجلس النواب في مطلع ربيع العام ,2006 أي قبل سنة ونصف السنة تقريبا.
وجرت محاولات لتضليل الصحافيين لمنعهم من الاقتراب من مكان الاجتماع الذي ظل سرا يمنع التحدث به أمام الصحافيين، والأرجح أن الجنرال ميشال عون تسلل اليه قبل الثالثة عصرا بقليل من باب خلفي لفندق «سان ريجيس» حتى لا تصطاده بضع كاميرات لبنانية وعربية وانتقل بضع مئات من الأمتار قاصدا الفندق الذي كان ينزل فيه النائب الحريري وفريقه.
ورافق اللقاء اللبناني لقاءات دولية وحضور فرنسي أميركي غير مباشر سبق خلوة عون ـ الحريري. حيث التقى الحريري بمساعد وزيرة الخارجية الأميركية للشرق الأوسط دايفيد ولش وبحث معه الجهود الدولية والعربية لإنجاز الاستحقاق الدستوري دون تدخل خارجي كما أشار بيان صدر عن المكتب الإعلامي للحريري. ولوحظ أن مساعد وزير الخارجية الأميركية نيكولاس بيرنز كان موجودا في باريس أيضا في إطار التحضير للقمة الأميركية الفرنسية المقررة في السادس من تشرين الثاني في واشنطن.
وكان المكلف الفرنسي الملف اللبناني في الخارجية الفرنسية جان كلود كوسران حادث الحريري صباحا وعون ظهرا في اجتماعين منفصلين.
وقال مصدر دبلوماسي فرنسي لـ»السفير» إن كوسران نقل رسالة للجانبين بضرورة خروج الاجتماع بما يدعم الآلية التي يجري بحثها في بكركي لاختيار رئيس توافقي باعتبارها ما تزال تمثل فرصة لانتخاب رئاسي لبناني دون تدخل خارجي.
ونقل كوسران في اللقاء وجهة النظر السورية كما استمع إليها في زيارته الدمشقية الأخيرة الأحد الماضي. وطالب الطرفين بالعمل على إنجاح جلسة الثاني عشر الانتخابية عبر تبادل الضمانات كي لا يقع لبنان في فخ الفراغ الدستوري.
والتقى كوسران ولش الذي عبر عن ضرورة العمل على انتخاب رئيس لبناني كما نقلت عنه مصادر فرنسية، وأضاف أن الخطر الذي يواجه العملية الدستورية هو عدم إجراء الانتخابات. وقالت المصادر إن ولش نقل انطباعا أميركيا بأن الفراغ الدستوري يهدد بإدخال لبنان في دوامة من الفوضى السياسية والدستورية وشدد على ضرورة الالتزام وتطوير المبادرات القائمة لمنع انتهاء المهلة الدستورية من دون الوصول الى رئيس جديد.
وتضاربت المعلومات في أوساط المستشارين الذين رافقوا الحريري وعون. ففيما كانت أوساط العماد عون ترفع من احتمالات التوصل «إلى نتائج مصيرية» في لقاء وصفته بأنه «لقاء الفرصة الأخيرة على ضفة السين»، سعت أوساط الحريري الى تعميم لغة واقعية وكذلك الى خفض سقف التوقعات، وقالت لـلسفير إن هدف اللقاء ليس البحث بالرئاسة بحد ذاتها ولكنها موضوع مطروح على طاولة البحث وأن الهدف هو توسيع قنوات الحوار مع جميع الأطراف وليس البحث عن صفقة حكومية رئاسية مع العماد عون.
وأعطت أوساط الحريري اللقاء الباريسي «وظيفة تبديد الانطباع الذي ساد منذ مبادرة الرئيس نبيه بري، لدى البعض من المسيحيين، بوجود محاولة لإبرام صفقة شيعية سنية، بينما الهدف هو إعطاء زخم أكبر لمبادرة بكركي وحمايتها مسبقا بتذليل العقد من حولها».
ورغم إجماع الطرفين على أن أجواء إيجابية سادت الاجتماعين، كانت أوساط عون تؤكد أن الحريري وعون تناولا مسائل جوهرية وقاما بما يشبه المراجعة الشاملة لكل مسار علاقات تياريهما، وأن عون شرح وجهة نظره من عدد كبير من الأمور الملتبسة بما فيها تفاهمه المفتوح مع «حزب الله». وقالت ان الجانبين لم يخوضا في الأسماء وهما متفقان على ضرورة تجنب الفوضى وإجراء الانتخابات في موعدها.
وقالت أوساط عون إن الجانبين قطعا ثلث الشوط في الاجتماع الأول ولو لم تكن الأجواء إيجابية وجدية لما عقد الاجتماع الثاني، والانطباع العام الذي خرج به عون من الاجتماعين «كان ايجابيا وبناء وأن هناك إرادة جدية بالوصول الى نتائج، والأهم أن هذه الاجتماعات خلقت دينامية جديدة ومناخا جديدا». كما توقعت أن تساعد نتائج اجتماعات باريس في تحديد فرص عقد اللقاء المؤجل بين عون والنائب وليد جنبلاط، خاصة بعد إرجاء الاجتماع الأخير يوم الاثنين الماضي بسبب تسريب موعده مسبقا لوسائل الإعلام.
وقال عون لمحطة «او تي في» إن مواضيع البحث كانت كثيرة وصريحة وليس لدينا نتائج نهائية نعلن عنها لأن البحث ما زال قبل منتصف الطريق، وأكد أن الاجتماعات التي يعقدها لن تكون يتيمة وليست لرفع العتب بل لحل مشكلة صعبة.
وقالت أوساط الحريري إن اجتماعات باريس ستكون لها تتمتها اللاحقة وأن الحريري، وفور عودته الى بيروت، سيستأنف اجتماعاته بالرئيس نبيه بري بعدما يكون الجانبان قد تلقفا نتائج مبادرة بكركي.
وفهم أن عون والحريري كانا على تواصل دائم مع حلفائهما في بيروت من أجل وضعهم في صورة محادثاتهما الثنائية.