في الذكرى الثالثة لـ«حرب لبنان الثالثة»، أطلّ بعض قادة العدوان في إسرائيل ليقدّموا قراءات نقدية مختلفة، وإذ تُضاف إلى تلك التي أجمعت على تكريس صفة الفشل للحرب، تسعى للانقلاب على ما قيل منذ تموز 2006
رأى وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق، القيادي في حزب كاديما، أن الردع الإسرائيلي الذي تحقق في أعقاب عدوان تموز 2006 هو ردع محدود، لافتاً إلى أن القدرات الصاروخية لحزب الله بعد الحرب أصبحت أكبر كمّاً ونوعاً، وأنها تمثّل تهديداً على إسرائيل أخطر من التهديد الصاروخي الإيراني. وقال موفاز في مقابلة مع الإذاعة الإسرائيلية، أمس، إن «حرب لبنان الثانية كانت تضييعاً لفرصة قياساً إلى قدرات إسرائيل العسكرية»، معتبراً أنه كان بالإمكان تحقيق نتائج أفضل بكثير. ورأى وزير المواصلات وعضو المجلس الوزاري الأمني المصغّر خلال العدوان، أن نيّات حزب الله والإيرانيين لم تتغير في أعقاب الحرب، «وقد تواصل سباق التسلح وهو تضاعف ربما ثلاث مرات من حيث كمّ الصواريخ ونوعها ضد دولة إسرائيل. ويجب أن نذكر أن التهديد الصاروخي من جنوب لبنان أكبر من التهديد الصاروخي من إيران». أضاف: «ألخّص بالقول إنه لا تغيير إقليمياً، والمطلوب مسارات أخرى، ربما عبر إبرام اتفاقات» سياسية.
ووصف موفاز الهدوء القائم على الحدود الشمالية بأنه «نسبي مسلح ومتفجّر جداً». ورداً على سؤال عن قدرة إسرائيل على منع حزب الله من مراكمة قدراته العسكرية، أشار موفاز إلى وجود محاولات لمعالجة هذا الأمر في الماضي، إلا أن «النجاح فيها لم يكن كبيراً».
ورأى موفاز أن «المشكلة الرئيسية في حرب لبنان الثانية كانت آلية صناعة القرار منذ لحظة عملية الخطف في الشمال. فتجنيد الاحتياط وتنفيذ عملية (بريّة) واسعة كان يمكن أن يمنع كل المسار غير المنظّم الذي حصل حتى نهاية الحرب والنتائج الصعبة التي ترتّبت عليه». أضاف: «الحكومة لم تنوِ من اليوم أو الأسبوع الأول شن حرب على حزب الله، بل كانت النية تنفيذ عملية رغم أن حدودها لم تحدد كما ينبغي. وكان هناك خيار آخر هو تجنيد الاحتياط والعمل بقوة أكبر وأكثر كثافة في جنوب لبنان خلال فترة قصيرة والوصول إلى الأماكن التي نفذ منها إطلاق النار على إسرائيل، وربما فرض تسوية أو خطوط أو واقع مغاير في نهاية الحرب». وأعرب موفاز عن أمله أن تتمكن إسرائيل وجيشها من مواجهة الحرب «في المرة المقبلة» بصورة أفضل.
بعد غياب طويل عن الأضواء، أطلّ رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق، دان حالوتس، من على منبر معهد أبحاث الأمن القومي بجامعة تل أبيب ليقدم قراءته الخاصة عن الحرب التي دفع منصبه ثمناً للفشل فيها. وشرح حالوتس، في كلمة ألقاها لمناسبة يوم دراسي عن الحرب نظّمه المعهد، التصور القتالي الذي خاض على أساسه الحرب، موضحاً أنه يستند إلى «العمل بقوة كبيرة» ولإظهار أن «صاحب البيت قد جُنّ جنونه». وكشف حالوتس أن هذا التصور تبلور لديه قبل فترة طويلة «وهو لم يولد أثناء عملية الخطف (أسر الجنديين)». وأوضح: «كانت الفكرة هي العمل بطريقة تتجاوز التوقعات ودفع حزب الله إلى ما وراء الخط الذي سار عليه. نعم كان يمكن الاستمرار في انتهاج سياسة النعامة، والاعتقاد بأن الصواريخ ستواصل صدأها. كان يمكن اقتراح الاكتفاء بردّ موضعي، كما كان ممكناً التفكير بالانتظار والاستعداد لعملية واسعة». ودافع حالوتس عن التوصيات التي تقدم بها إلى المستوى السياسي بشأن شن الحرب، قائلاً «اليوم أيضاً، كنت سأوصي وزير الدفاع بطريقة العمل نفسها، أي عملية نارية واسعة تأخذ بعين الاعتبار عملية برية».
وتطرق رئيس الأركان، الذي استقال من منصبه بعد نحو خمسة أشهر من انقضاء العدوان، إلى أداء الجيش خلال الحرب، محاولاً تفنيد الانتقادات الحادة التي وجهت إليه لجهة تدحرج الحرب واستطالتها. وقال «إن التوقعات حول عمليات صاعقة على شاكلة حرب الأيام الستة أوجدها آخرون، لا الجيش. لقد كنا نعلم أن هذا قتال في مواجهة إرهاب يتحصن وسط سكان مدنيين. أنا لا أريد أن ألوّن أي شيء باللون الوردي، ولا أن أستخدم عبارة انتصار أو الهرب من الانتقادات التي هي في جزء منها محقة. لكن مع كل الاحترام لمن كانوا يجلسون على الشرفة، ليس كل ما قيل كان مهنياً».
في المقابل، دافع حالوتس عن حكومة إيهود أولمرت، معتبراً أن قراراتها «بالعمل في لبنان كانت صحيحة ومحقة، وهي عكست فهماً للواقع». ورأى أن «الأهداف الاستراتيجية للحرب كتبت بلغة واضحة وعرضت (على الحكومة) وأُقرّت، وهي: وقف الإرهاب من المجال السيادي للبنان باتجاه إسرائيل، من دون تحديد مدى زمني في هذا الإطار، توجيه ضربة جوهرية لحزب الله وممارسة الضغط عليه لإعادة المخطوفين». ولفت حالوتس إلى أنه عارض «أن يكون العنوان (للحرب) إعادة المخطوفين لأنها مهمة لن نتصدى لها منذ اليوم الأول، وكنت أعتقد أنه لا يمكن إنجازها عبر عملية عسكرية. لقد كانت هدفاً نهائياً».
وحول تقويمه لنتائج الحرب، رأى حالوتس أن قدرة الردع الإسرائيلية ترمّمت في أعقابها وأن الهدوء عاد إلى الشمال. وأضاف «لقد تلقى حزب الله ضربة لا سابق لها، وهو اليوم لا يجلس على السياج الحدودي، كذلك فإن منظومته الصاروخية دُمّرت وعمقه اللوجستي تضرر وكذلك الضاحية تضررت بصورة قاسية، وإن الحكومة اللبنانية نشرت جنودها في الجنوب إلى جانب القوات الدولية».
ورأى الجنرال الذي كان أول منحدر من سلاح الجو يتبوّأ منصب رئاسة الأركان في الجيش أن جذور حرب لبنان الثانية تعود إلى الانسحاب الإسرائيلي من لبنان في أيار عام 2000. ورغم أنه برر خطوة الانسحاب الأحادي، إلا أنه رأى أن المشكلة تكمن في «سياسة عدم العمل التي تم تبنّيها في أعقابها» في انتقاد ضمني لرئيس الوزراء في حينه، إيهود باراك. وأضاف «إن نتائج هذه السياسة كانت ردوداً مترددة على الأعمال الإرهابية على الحدود خلافاً للتصريحات التي أطلقت بعد الانسحاب. وقد درس حزب الله هذه الردود وواصل السير على حافة الهاوية، فيما كان ينجح في تنويمنا بأساليب بطيئة ومنهجية».
وخلافاً لقائده، رأى نائب رئيس الأركان السابق، موشيه كابلنسكي، أن أحد إخفاقات حرب لبنان الثانية كان عدم تحديد أهداف واضحة لها، إضافة إلى عدم إعلان حالة طوارئ في الجبهة الداخلية وعدم حضور القادة العسكريين في الميدان.
ورأى كابلنسكي في كلمة ألقاها في المناسبة نفسها أن «النقطة الأولى التي أخطأنا فيها كقادة هي أننا لم ننجح في تغيير التصور العام لدى الحكومة والشعب وتحديداً داخل الجيش بأننا في مكان مختلف كلياً». وأضاف موضحاً «لم ننجح في شرح أننا في حرب، وأن العمليات ليست استمراراً مباشراً لما كنا ننفذه في الأعوام الستة الأخيرة في الضفة الغربية». وتابع «في لبنان كنا نقول طوال الوقت إننا في عملية لا في حرب. كانت هناك محاولات لم تنجح في تغيير هذه الرؤية. كان علينا أن نقوم بأشياء محسوسة: تجنيد الاحتياط، إجراءات العمل، فتح مركز قيادي متقدم جديد، تقسيم قطاعات العمل في قيادة المنطقة الشمالية، طبيعة الأوامر. كان علينا أن نقوم بأمور أفضل وأن ننهي الحرب بطريقة أكثر ترتيباً».
واسترسل اللواء في الاحتياط بتعداد الإخفاقات العسكرية والسياسية التي تكشفت خلال الحرب، وقال «لقد تصرفنا بحرية أكثر من اللزوم في تقدير زمن الحرب، ولم نقدر سلوك الجبهة الداخلية الذي كان يدركه حزب الله. وقد فشلنا أيضاً في تحليل ما يمكن أن يفعله لنا الأميركيون وانتظرنا أن يوقفونا. كان بإمكاننا أن نحدّد آليات إنهاء الحرب في بدايتها ولم نفعل ذلك. وكان علينا أن نقرر مبكراً بشأن الإجراءات البرية وأن ننفذ ذلك تنفيذاً أكثر حسماً».
وتابع «لقد دخلنا الحرب من دون خطة عملانية تتعلق بهذه الساحة (اللبنانية). وهذا كان عاملاً حاسماً. فقط من خلال ذلك كان يمكن أن نكون مستعدين للحرب. وعندما يكون هذا الأمر مفقوداً فإن الحوار بين المستوى العسكري والمستوى السياسي يصبح مختلاً. وفي داخل الجيش كان لهذا الأمر تداعيات إشكالية».
ورأى أن تقليص ميزانية الجيش أسهم بإخفاقات الجيش خلال حرب لبنان الثانية، وقال «عندما يكون مفروضاً على الجيش تقليصات بالملايين فما الذي يبقى لعمله، وربط كلا السببين، أي محاربة الإرهاب والتقليصات، هو الذي جعل الجيش الإسرائيلي يصل إلى لبنان غير مستعد».
وأضاف أن «قادة الكتائب لم يخضعوا لتدريبات والجنود الذين تجندوا وجدوا أنفسهم للمرة الأولى مع كتائب من دون أن يكونوا قد مروا بعمليات تدريب منظمة، وقادة الكتائب الذين لم يقودوا كتيبة دبابات قط أرسلوا إلى لبنان، وكانت هناك وحدات احتياط لم تنفذ تدريباً واحداً منذ ست سنوات».
وأشار إلى أنه «في السنوات التي سبقت حرب لبنان الثانية انشغل الجيش الإسرائيلي بالأساس بمحاربة الإرهاب في الضفة الغربية وبنجاح، وقد طلبنا من قادة الألوية الجلوس في الخلف وربما كان هذا ما أوجد لدى الجمهور مصطلح «قادة البلازما» (أجهزة تلفزيون البلازما) لكن هذا ألحق الظلم بالضباط لأنهم لم يكونوا كذلك وفي الحرب على الإرهاب كان هذا الوضع صحيحاً».
وشدد كابلنسكي على أهمية العبر التي نتجت عن الحرب، ورأى أن «أحد أهم الأمور هي أنها مثّلت بالنسبة إلينا صيحة إيقاظ: للجيش، ولي، ولكل الدولة على ما أعتقد. ونحن اليوم نرى مساراً مثيراً جدا للانطباع من العمل المكثف لإصلاح ما يجب إصلاحه، وقد شهدنا بعضاً من ذلك في عملية الرصاص المصهور» على قطاع غزة مطلع العام الجاري. وخلص كابلنسكي إلى أن «الجيش والدولة حاضران في مكان آخر بعد حرب لبنان الثانية، وإذا طُلب منا خوض حرب لبنان الثالثة فإن النتائج ستكون مغايرة تماماً».
واختار الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي في إسرائيل، الجنرال احتياط غيورا آيلند، الذي شارك في الندوة، أن يركز سهام انتقاداته على أداء المستوى السياسي في خلال الحرب معتبراً أنه لم يحدد لها أهدافاً واضحة ولم يدرك حجم الفجوة بين ما توقع إنجازه سياسياً وبين إمكانات الجيش وقدراته. ورأى آيلند أنه «كان يجب البدء بالعملية السياسية قبل العملية العكسرية، وكان يجب عرض صورة الوضع على الأميركيين، إلا أن (رئيس الوزراء السابق إيهود) أولمرت لم يرد أن يتحدث عن الساحة اللبنانية مع الأميركيين عند تسلمه منصبه».
وأعرب آيلند عن اعتقاده بأن عدم تحديد الأفق السياسي للحرب كان السبب الرئيس في فشلها، «وإذا عدنا إلى اجتماع الحكومة الذي عقد في 12 تموز (2006) فإنها لم تحدّد الهدف بالطريقة الصحيحة».
وتابع أنه كان على أولمرت القول بعد هجوم حزب الله وأسر الجنديين الإسرائيليين «إننا سننفذ عملية انتقامية قوية ونشغل سلاح الجو ليومين أو ثلاثة، وهكذا فإن الثمن الذي سيدفعه حزب الله سيكون كبيراً ويمكن الافتراض أنه بعد اليومين سيصرخ العالم مطالباً بوقف إطلاق النار، وكان من شأن عملية كهذه أن ترمّم قدرة الردع الإسرائيلية وتجعل الثمن الذي سيدفعه الجانب الآخر كبيراً، ورغم أن الإنجاز سيكون محدوداً لكن الثمن (الذي ستدفعه إسرائيل) سيكون منخفضاً».
وحذر آيلند من أنه «إذا اندلعت حرب لبنان الثالثة غداً، فإن نتائجها لن تكون مختلفة تماماً عن حرب لبنان الثانية. فقد استخلص الجانبان العبر، وإذا اشتعلت النار مجدداً في الشمال، فإننا لن نستطيع إلا أن نحارب دولة لبنان وعبر ذلك الإضرار بكل شيء يتصل بالقدرات العملانية للحرب».
صحيفة الاخبار