نحن في السابق تجاوزنا في لبنان تجارب مريرة، جرَّب البعض حظوظهم بالاستفراد بالسلطة فكادوا أن يأخذوا البلد إلى الهلاك والدمار، والحمد لله استيقظت بعض الضمائر واستفاد البعض الآخر من التجربة وعجز البعض الثالث عن فعل أي شيء، فعدنا إلى المربع الأول وهو التوافق. كنا دائماً نقول أن لبنان لا يُبنى إلا بالتوافق، قولوا لي كيف يمكن أن يُحكم لبنان وفيه ثماني عشر طائفة موجودة من دون توافق بين هذه القوى المختلفة لطمأنتها جميعاً، هذا يقتضي أن يكون هناك توافق. الحمد لله اليوم الجميع يدرك بأهمية التوافق لمصلحة لبنان، فالمعارضة تقول بأنها تريد التوافق والموالاة تقول بأنها تريد التوافق، والاختلاف الآن على شكل التوافق، البعض يريد أن يتذاكى فيريد توافقاً لا توافق فيه، أما نحن فنريد توافقاً فعلياً يمكن تطبيقه على الأرض، ولا نريد كلمات معسولة، نريد وقائع وتطبيق لأعمالٍ تؤدي حقيقة إلى التوافق.
نحن ندعو لإنجاز صيغة توافقية ملائمة، ونعلم تماماً أنها تتطلب شجاعة وإقداماً، سنكون مع الشجعان وسنساندهم لصيغة توافقية تحمي لبنان، لنمنع بعض النقيق الذي يصدر من هنا وهناك ولا يريد للتوافق أن يحصل لأنه سيكون على حسابه. نحن كمعارضة سهَّلنا كل مقدمات التهيئة للحكومة الجديدة، سهَّلنا بإجراء الانتخابات، وسهَّلنا بالإعتراف بنتائجها وبمدِّ اليد، وأثبتنا للعالم أن المعارضة لم تكن يوماً تسعى لتوتير الأوضاع السياسية والأمنية في لبنان، بل كانت دائماً حريصة على لملمة الوضع في هذا البلد، وبالتالي سننتظر ما الذي سيُعرض وما الذي سيكون لنصل إلى هذه النتيجة، وأنتم تعلمون أن المسار السياسي في البلد بناءً على الظروف المحلية والإقليمية والدولية أصبح محسوماً، الحمد لله اليوم أن كل الأجانب والعرب والأمريكيين يقولون بأنهم يريدون للبنانيين حكومة وحدة وطنية، أما إسرائيل فتقول بأنه لا يعجبها دخول حزب الله إلى الحكومة، على كل حال هذه شهادة جيدة لأن هذا الأمر يُزعج إسرائيل.
نحن لا يزعجنا أن تأتي الوفود الأجنبية إلى لبنان، لأنها عندما تأتي الآن تأتي لحاجتها وليس لحاجتنا، هي تريد أن تقول بأننا موجودون معكم، وأن لنا علاقة بتوافقكم، أهلاً وسهلاً طالما أنهم يتحدثون اللغة التي نتحدث بها، ويعملون في المشروع الذي نعتمده، إذاً هذه الوفود الأجنبية لا تزعجنا ولا تقلقنا، لأنه لا يوجد بينها من يستطيع في هذه المرحلة بالذات أن يُعكِّر المسار السياسي في لبنان. هنا ألفت نظركم أننا قررنا من خلال اللقاء الأخير الذي حصل بين الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله حفظه الله ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط أن تجري عملية مصالحة شاملة بين حزب الله والتقدمي الإشتراكي، وبين مكوِّنات كلٍّ منهما في وسطه الطائفي، أي بين الشيعة والدروز بشكل عام كبيئتين حاضنتين لهذين الحزبين، وهذا الاتفاق بُنيَ على قاعدتين، الأولى أن تسري المصالحة من الأعلى إلى كل المكوِّنات، لذا تشهدون هذه الزيارات المكثفة، وستكون هناك لقاءات أخرى عندهم وعندنا، في كل قرية وكل مدينة، إذ ليس هناك ما نختلف عليه بعد حسم المسار السياسي المتشابه بقواعده العامة، والقاعدة الثانية أننا مستعدون بأن نطوي الصفحة السابقة بكاملها من دون سؤال أو حساب بعد العتب الذي جرى، على قاعدة أن نرى كيف يمكن أن نسير معاً في هذه المرحلة الجديدة، هذه المصالحة سنكررها إن شاء الله مع قوى أخرى مستعدة لذلك وبالتالي هذا يُثبت أننا كحزب لا نبحث عن خصومة، فكلما استطعنا أن نبني اتفاقات وتفاهمات وتعاون في هذا البلد فنحن حاضرون، على قاعدة ثوابتنا وقناعاتنا التي نُعلنها أمام الرأي العام، ونحن لن نتخلى عن هذه القناعات لأنها لمصلحة لبنان.