ملف التجسّس آخر معارك باسيل والمعلومات
الاخبار
ابتداءًَ من تموز المقبل، تصبح اتصالات اللبنانيين خاضعة بالكامل لرقابة «الأخ الأكبر». فالمرحلة الأولى من غرفة التحكم والمراقبة التي أنشأتها وزارة الاتصالات ستكون جاهرة قبل نهاية الشهر المقبل، بحسب وزير الاتصالات جبران باسيل. وسيسمح المركز للأجهزة الأمنية بالتنصت على 360 خطاً هاتفياً خلوياً في الوقت نفسه، وبالاستماع لآلاف الهواتف في الشبكة الثابتة. وعندما يباشر الأمنيون عملهم في المركز الذي سيكون تابعاً لوزارة الداخلية، سيُقفَل بابٌ لخلاف سياسي أخذ حيّزاً واسعاً من النقاش خلال السنة الماضية. فوزير الاتصالات جبران باسيل اعترض على آلية عمل الأجهزة الأمنية (فرع المعلومات تحديداً) في قطاع الاتصالات، واستدعت «انتفاضته» طرح الملف على طاولة مجلس الوزراء الذي أقر آلية ينبغي على الأجهزة الأمنية الالتزام بها للحصول على البيانات اللازمة لعملها.
لكن إنشاء المركز الذي يراه باسيل «أفضل إنجاز له خلال وجوده في الوزارة» لم يحل دون «مناوشة» يبدو أنها ستكون خاتمة الخلاف بين الوزير الشاب وبعض الأمن في لبنان. فإلى أن يبدأ مركز التحكم عمله، تبقى ساريةً الآلية التي أقرها مجلس الوزراء، والمتمثلة بإرسال طلبات الحصول على البيانات الهاتفية إلى وزارة الاتصالات عبر رئاسة الحكومة بعد وزارتي الداخلية والدفاع، شرط أن تكون محصورة بعدد معيّن من الأرقام، وألا تتضمّن ما يمثّل مخالفة صريحة للقانون. ويؤكد مسؤولون في مديرية استخبارات الجيش وفرع المعلومات أن وزارة الاتصالات تلبي جميع الطلبات التي يرفعانها كل إلى وزارته. لكن استثناءً وحيداً برز في الآونة الأخيرة، عندما طلبت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي الحصول على البيانات الهاتفية المسجلة عام 2004، من أجل محاولة حسم عدد من فرضيات التحقيق مع الموقوف بجرم التجسّس ناصر نادر، وخاصة لناحية دوره في تنفيذ جريمة اغتيال القيادي في المقاومة الشهيد غالب عوالي في الضاحية عام 2004، أو لتحديد شركاء له. وأتى طلب المديرية بعدما أقفل نادر روايته عند مراقبة عوالي إلى ما قبل دقيقتين من اغتياله، نافياً أن يكون هو قد فجر العبوة الناسفة، فيما يعتقد المحققين أنه ضغط بنفسه على زر التفجير. وبعدما طلبت المديرية تزويدها بالبيانات المذكورة، رفض وزير الاتصالات إجابة الطلب بحجة أنه يحتاج لموافقة مجلس الوزراء، بحسب مسؤول كبير في المديرية.
أما باسيل، فأكّد لـ«الأخبار» أنه يلبي جميع الطلبات التي ترد إليه وفق الآلية التي أقرها مجلس الوزراء، مشيراً إلى أن الأجهزة الأمنية تستغل بعض التحقيقات لمخالفة القانون. بدوره، يبدو وزير الداخلية والبلديات زياد بارود، ولا سيما بعد كشف شبكات التجسّس، أكثر اقتناعاً من ذي قبل بجدوى حصول الأجهزة الأمنية على البيانات الهاتفية، شرط أن لا يكون في طلب الحصول عليها ما يخالف القانون، أو ما يتعدى على خصوصيات المواطنين.
لكن المشكلة تكمن في أن قوى الأمن لم تطلب البيانات الخاصة برقم هاتف الموقوف فحسب، بل أرادت الحصول على كل البيانات المسجلة عام 2004.
ورغم مخالفة الطلب المذكور للآلية المتبعة، فإن الأمنيين يبدون غير مقتنعين بوجهة النظر المنسوبة لوزير الاتصالات، وخصوصاً أنهم يرون في الأمر «عقبة شكلية أمام معركة أمنية تخاض ضد الاستخبارات الإسرائيلية، وتتعلق بكشف جرائم كبرى». ويصر أحدهم على ضرورة الحصول على البيانات كاملة من دون أي إذن، ولا سيما أن هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل رأت أن الاطلاع على البيانات لا يخالف قانون التنصت.
الأمر شديد الأهمية من الناحية التحقيقية إذاً. لكن يبدو أن الوفاق الذي تعيشه البلاد لم ينسحب على الأمن بعد. فهل تحلّ الحكومة هذه المعضلة في جلستها المقبلة، أم ينتظر الأمرُ «الأخَ الأكبر»؟