03/06/2009 إعداد: علي شهاب
تحظى الانتخابات النيابية في لبنان باهتمام خاص في دوائر القرار ومراكز الدراسات الغربية. في هذا السياق وضع الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى جون هانا، مستشار الأمن القومي لنائب الرئيس الأميركي السابق ديك تشيني، تقريرا بحثيا بعنوان "المعتدلون في لبنان يواجهون مخاطر الانتخابات" استهله بالقول أن "زيارة نائب نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن جونيور إلى بيروت الأسبوع الماضي أكدت على المخاطر الهائلة التي تواجه الولايات المتحدة في الانتخابات البرلمانية اللبنانية في 7 حزيران/يونيو. فالأغلبية الحاكمة في الدولة - المعتدلون المؤيدون للغرب والمدعومون من واشنطن - تتنافس عن كثب مع ائتلاف يهيمن عليه حزب الله، الحركة الشيعية المسلحة التي تسيطر عليها إيران، والمدعومة من قبل سوريا والتي تعتبرها الاستخبارات الأمريكية بأنها ربما هي المنظمة الإرهابية الأكثر قدرة في العالم.
ينبغي على إدارة أوباما مواصلة القيام بكل ما في وسعها لتجنب هذه الانتكاسة الإستراتيجية التي تلوح في الأفق.
تقود الحكومة اللبنانية حركة 14 آذار/مارس - وهي ائتلاف متنوع يستلهم اسمه من تاريخ التظاهرة الحاشدة في عام 2
سيكون الانهيار الرسمي لثورة الأرز صدمة في جميع أنحاء المنطقة |
005 التي أدت إلى اندلاع ما يسمى بثورة الأرز، والتي أنهت ما يقرب من 30 عاماً من الاحتلال العسكري السوري. وقد اندلعت الاحتجاجات ذاتها في أعقاب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، في هجوم إرهابي أُلقيت فيه اللائمة بشكل كبير على دمشق.
ومنذ انتخابها في عام 2005، كانت حركة 14 آذار/مارس ملتزمة - وإن كان ذلك التعهد يشوبه النقص - بالحد من التدخل الضار من قبل إيران وسوريا مع إعادة ترسيخ السيادة والاستقلال اللبنانيين. ويأتي في بؤرة هذا الجهد الرغبة في تطبيق قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والداعي إلى تفكيك ميليشيات حزب الله القوية.
ومن جانبه، فإن حزب الله، بدعم من إيران وسوريا، عمل باجتهاد على إفساد ثورة الأرز. وبالرغم من عدم توجيه اللوم رسمياً، إلا أن القيام بحملة اغتيالات منهجية تستهدف اغتيال مسؤولين في حركة 14 آذار/مارس أدت إلى شل النظام السياسي بلبنان. لقد ترتب على حرب حزب الله مع إسرائيل عام 2006 إلى تدمير لبنان، لكن حزب الله يدعي النصر. وأخيراً، اقتحمت قوات حزب الله في أيار/مايو 2008 شوارع بيروت مهاجمة عناصر من حركة 14 آذار/مارس. وعندما انتهى القتال، أمَّن حزب الله وحلفاؤه تحت تهديد الرصاص ما عجز عن تحقيقه بواسطة صناديق الاقتراع: مقاعد كافية في مجلس الوزراء اللبناني لحجب أي قرارات تصدر بالأغلبية - بما في ذلك بالطبع نزع سلاح حزب الله.
على إدارة أوباما التخلي عن حذرها وعمل ما في وسعها لتجعل الميزان يميل لصالح حركة 14 آذار |
وبما أنه لم يتبق سوى أيام قليلة على موعد الانتخابات، يبقى مصير لبنان في الميزان. هل سينجح ائتلاف «حزب الله» في الاستيلاء رسمياً على الدولة اللبنانية؟ هل سيهيمن أسلوب «حزب الله» - ذو الطابع الديني في الداخل والمواجهة مع إسرائيل وأمريكا في الخارج - على سياسات الدولة بشكل متزايد؟ أم هل ستتمكن حركة 14 آذار/مارس من الحفاظ على ميزتها الشعبية ومواصلة النضال للمحافظة على الهوية اللبنانية كقاعدة أمامية للتسامح والتعددية والاعتدال في الشرق الأوسط؟
لا ريب في هذا: سيشكل انتصار «حزب الله» هزيمة رئيسية للولايات المتحدة. ورغم انفتاح إدارة أوباما نحو إيران، إلا أن الوضع سيبقى على ما هو عليه، ويتمثل بفهم المعركة من أجل لبنان - في جميع أنحاء الشرق الأوسط - بأنها جزء من صراع كبير وواسع النطاق على السلطة يتم شنه من قبل واشنطن وطهران.
وسيكون الانهيار الرسمي لثورة الأرز صدمة في جميع أنحاء المنطقة، وسيوفر تأكيدات قوية على الهيمنة الإيرانية وانخفاض تأثير الولايات المتحدة. كما سيعمل على تعزيز مركز طهران بشكل هائل في الوقت الذي تأمل فيه واشنطن التفاوض على إنهاء برنامج إيران لتطوير الأسلحة النووية، ووقف دعمها للإرهاب ووضع حد لجهودها التصعيدية - التي تتم في الغالب من خلال الاستعانة بحزب الله - لتقويض الحكومات الموالية للولايات المتحدة عبر العالم العربي بدءاً من العراق ومروراً بمصر وانتهاءاً بالمغرب.
ومع ارتفاع المخاطر بشكل مفرط وصعوبة التكهن بنتائج الانتخابات، يجب على إدارة أوباما التخلي عن حذرها وعمل ما في وسعها لتجعل الميزان يميل لصالح حركة 14 آذار/مارس. وبالرغم من أن الولايات المتحدة تمتنع عادة عن التدخل في الانتخابات الأجنبية، ينبغي أن تُستثنى لبنان من ذلك - حيث أن النتائج المترتبة على الأمن القومي الأمريكي قد تكون بالغة الخطورة، وحتى أعداء أمريكا إيران وسوريا يتدخلون فعلاً وبشدة لضمان نتيجة ضارة لمصالح الولايات المتحدة.
وعلاوة على ذلك، هناك احتمالات جيدة فعلاً بأن يؤدي احتضان الولايات المتحدة لحركة 14 آذار/مارس إلى إحداث فارق هامشي إيجابي. وكما هو الحال في كثير من دول العالم، يحظى الرئيس أوباما بشعبية كبيرة في لبنان. وإذا عمل أوباما بجرأة لبيان تفضيل أمريكا الواضح لحركة 14 آذار/مارس، قد يكون ذلك حاسماً في تحريك الدوائر الانتخابية الرئيسية [الواقفة] على الحياد، وتحريضها ضد «حزب الله». لقد كانت زيارة بايدن إلى بيروت بمثابة خطوة ممتازة في هذا الصدد.
وبصورة أكثر إثارة، بإمكان الرئيس أوباما أن يرتب اجتماعاً مبكراً في المكتب البيضاوي (في البيت الأبيض) مع زعيم حركة 14 آذار/مارس، سعد الحريري واستغلال هذا الاجتماع لتأكيد عمق التزامه الشخصي للمثل العليا لثورة الأرز فضلاً عن اهتمامه بمستقبل العلاقات الأمريكية اللبنانية في حالة سقوط الحكومة في يدي «حزب الله» - وهي مجموعة معروف عنها بأن أيديها ملطخة بدماء الأمريكيين.
سيكون من المفجع حقاً أن ننظر إلى الوراء ونتساءل عن الأشياء الإضافية التي كان بوسع الولايات المتحدة أن تفعلها لإنقاذ لبنان. إن الوقت قصير، ومع ذلك، إذا كان الرئيس أوباما مستعداً لإنفاق بعض من رأسماله السياسي الكبير، فسيكون بوسعه حقاً أن يوفر للشعب اللبناني التشجيع الذي هو في أمس الحاجة إليه من أجل مقاومة قوة «حزب الله» الماحقة المدعومة من قبل إيران. ومن خلال القيام بذلك، فإنه سيعزز أيضاً مصالح الولايات المتحدة الحيوية في شرق أوسط ينعم بمزيد من الاستقرار والأمان.