في التساؤل الأول يمكن القول إن التقاطع طبيعي من باب اعتبار أن كلاً من طرفي "إسرائيل" والموالاة يعتبر حزب الله والمقاومة خصماً على مستوى السياسة والسلاح، ولكل منهما أداة خاصة في أداء فصول الحملة. فالأول قد لقي هزيمته النكراء على يد المقاومة وسلاحها على مدى سني المواجهة ومحطاتها وخصوصاً من العام 1993 وحتى العام 2006، بحيث لم يستطع العدو بأسلحته وداعميه الأميركي منهم والأوروبي وكذلك العربي أن يقضي على المقاومة في لبنان أو حتى إضعافها، بل إن المقاومة بشقيها العسكري والسياسي كانت تحقق في كل مواجهة نقاط قوة وانتصارات متلاحقة زادت من شكيمتها ورسوخها في الداخل اللبناني وفي المحور العربي.
أما الثاني، وهو طرف الموالاة في لبنان، فهو كذلك لم يستطع منذ انطلاقة المقاومة بعيد الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982 وما رافقه من محاولات ترسيخ حكم موالٍ لـ "إسرائيل"، مروراً بالحروب الداخلية التي نجحت المقاومة أن تنأى بنفسها عن أوارها، فضلاً عن المحاولات المستمرة للإيقاع بين الجيش والمقاومة، وصولاً إلى استشهاد الرئيس الشهيد رفيق الحريري وما رافق ذلك من محاولات لعزل حزب الله والمقاومة وسلاحها وأخيراً عدوان تموز 2006 الذي شابه إلى حد كبير عدوان نيسان في المنطلقات والغطاء السياسي العربي وفاقه بكثير على مستوى حجم العدوان والتدمير.. فشلت الموالاة وقوى السلطة في كل ذلك في حصار المقاومة أو نزع سلاحها.
ومن هنا فإن الطبيعي أن يلتقي الخطابان في هذه المرحلة الحساسة التي يرتقب العالم كله فيها فوز المعارضة، ويعلن استعداده للتعامل مع أي حكم جديد ينشأ في لبنان، لأن هذا الفوز سيقدم صورة جديدة لحزب الله والمقاومة والمعارضة التي تضم مختلف الشرائح والتيارات السياسية والانتماءات الطائفية، وبالتالي سيعكس رأي الشعب اللبناني الذي سيوجه في هذه الحالة ضربة قاصمة لسنوات طويلة من السعي والجهد الحثيث من قبل الإدارات الأميركية المتعاقبة والحكومات الإسرائيلية المختلفة للي ذراع المقاومة في لبنان، مع ما في ذلك من انعكاس على مستوى تقوية خط الممانعة وتكريس لصوابية النهج الوطني والعروبي لسوريا وإيران في إطار الصراع العربي - الصهيوني ككل.
وحتى لا ننجرّ إلى مواقع إطلاق التهم جزافاً في الحديث عن هذا التقاطع بين الخطاب الإسرائيلي وخطاب الموالاة في لبنان، سنستذكر مقتطفات من الكلام الذي جاء على لسان نائب رئيس وزراء العدو سيلفان شالوم عقب لقائه الأمين العام للامم المتحدة بان كي مون في نيويورك، حيث قال: "أعتقد أنه إذا فاز حزب الله في لبنان فإن سيكون أمرا خطيرا للغاية على استقرار منطقة الشرق الأوسط واستقرار العالم، وذلك لأنه سينفذ حلم الإيرانيين في إقامة تواصل بين الأنظمة الشيعية. إيران نظام شيعي، والعراق كذلك نظام شيعي. وبعد انسحاب القوات الأميركية، فإن الإيرانيين سيدخلون هناك على الفور.. أما سوريا، فهي نظام تابع لإيران.. وإذا أضفنا لذلك حماس في غزة، فسنجد أنهم سنة لكنهم يتلقون تعليماتهم وتمويلهم وكل شيء من إيران. هذا سيسبب لنا مشاكل خطيرة في الشرق الأوسط".
أما حديث قوى الموالاة في لبنان ولا سيما جعجع وإلى جانبه رئيس حزب الكتائب أمين الجميل فيقول مما يقول إن فوز حزب الله "سيعيد لبنان إلى مغامرة جديدة على غرار حرب تموز 2006.. وسيضع لبنان على طريق الفيلة.. وسيقود إلى تشكيل حلف مقاومة ضد إسرائيل يمتد من إيران فسوريا وصولاً إلى لبنان وفلسطين.. وبالتالي سيحول دون إعادة لبنان إلى حالة الحياد.. وسيحوّل لبنان إلى ساحة حرب جديدة بمحاور إقليمية لا يلقى قبولاً لدى المجتمع الدولي.. وأن الحل الوحيد هو في الحيلولة دون فوز حزب الله والمعارضة لأن الجمهورية في خطر..".
وفي الخلاصة.. وفي أجواء مناورات الحرب الإسرائيلية الكيانية الكبرى، وتوالي انكشاف شبكات التجسس وفيها من فيها من عناصر عاملة وفاعلة بجنسيات مختلفة غير لبنانية، ارتكبت الجرائم ووفّرت للعدو بنوك أهدافه والمعلومات التي يطلبها لشن اعتداءاته، مع ما يعني ذلك من إعلان حرب مباشرة ومستمرة من قبل العدو على لبنان وشعبه وجيشه ومقاومته.. يبرز الحرص من قبل كل من "إسرائيل" وخصوم حزب الله والمقاومة في قوى الموالاة على لبنان، ولكن استناداً إلى أي معيار؟
هل هو معيار الحفاظ على استقلالية لبنان ووحدته تجاه الخطر السوري - الإيراني الذي يخرق كل يوم السيادة اللبنانية براً وجواً وبحراً؟ ويعيث فساداً واختراقاً للمجتمع اللبناني ومكوناته السياسية والاجتماعية والاقتصادية؟ ويمعن في تجنيد كل مقدّراته لسلب لبنان مقوّمات صموده ومقاومته؟ أم أنه معيار التآزر والتعاون اللبناني مع المحور الأميركي - الإسرائيلي الذي أثبت على مدى سنين طويلة غيرته على وحدة لبنان واستقراره ودعمه المستمر للبنان شعباً وحكومة ومؤسسات ومقاومة... طبعاً إن المعادلة هنا مقلوبة..
وهنا يبرز التساؤل الثاني: هل إن هناك منطلقاً واحداً للحملة على حزب الله والمعارضة وعلى المقاومة وسلاحها وزّع أدواراً لقيت تطبيقاتها في كل من "إسرائيل" ولبنان؟ والجواب هو: نعم.