المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


أخبار

ضيوف عرب وأجانب اليوم في مؤتمر «المقاومة معركة الذاكرة»

صحيفة "السفير" 20/5/2009

«المقاومة في معركة الوعي والذاكرة»، عنوان يثير الكثير من الأسئلة، ومعها التعدد، إن لم يكن الاختلاف، في قراءة تجربة المقاومة، خصوصاً في لبنان وفلسطين. الذاكرة... كيف يجري تأسيسها أو إلغاؤها؟ الوعي... كيف يساهم في إحيائها، أو نسيانها، في منطقة تختلط فيها الآراء، تتقارب، أو تتباعد، فتصبح المقاومة معها واجباً، أو مخاطرة غير محسوبة الأثمان؟

اختار القيمون على «مؤتمر دعم المقاومة» ذلك العنوان المثير للجدل، الذي لن يتسع له مؤتمر، وإنما يشكل محطة، في مسيرة تطول بعمر الاحتلالات، وأشكال التحرر منها.

يستضيف المؤتمر الذي يعقد اليوم، في الجامعة اللبنانية في الحدث، عدداً من الباحثين العرب والأجانب في قضية الصراع العربي - الاسرائيلي تحديداً، بينهم الدكتورة بيان نويهض وهي باحثة من الجامعة الأميركية في بيروت، الياس شوفاني مؤرخ في القضية الفلسطينية، عبد الحسين شعبان من العراق وهو باحث في القضايا الاستراتيجية العربية، بالإضافة إلى إدريس الهاني من المغرب وهو كاتب في حوار الحضارات، الستر كروك من بريطانيا المتخصص في الحركات الإسلامية ونائب رئيس المخابرات البريطانية سابقا. ومعهم محمد سابو من ماليزيا، كاتب في استراتيجية النهضة الاسلامية، سهيل زكار من سوريا، أستاذ في تاريخ العرب والإسلام، اللواء محمج صفوت الزيات من مصر، محاضر في شؤون الأمن القومي والاستراتيجية.


يورد رئيس المركز الاستشاري للدراسات سابقاً، والمرشح للنيابة حالياً، الدكتور علي فياض، أسباباً لاختيار العنوان، بينها أن لدى العرب بصورة عامة ذاكرة مثقوبة، لا تحافظ كثيراً على مخزونها، وهي تستعيد ذلك المخزون، إما على نحو بطولي شعبي، وإما على نحو درامي مأساوي: «هكذا تعاطت ذاكرتنا مثلاً مع هزيمة العام 1967، ومع «انتصار» تشرين في العام 1973، إما كمناسبة للاحتفال، وإما للحزن، لكنها لم تحوله إلى مناسبة لبناء الوعي، لأنها لا تمتلك شروط تحويل الذاكرة إلى وعي».


يرى أن تلك الشروط هي: «الحرية في نقد التجربة وتوفر الاطار المؤسسي لمراكمة الخبرات، وتوافر القيادة التي تحول التجربة إلى قيم ومفاهيم شعبية، لأن المثقفين عاجزون عن ذلك». ويعتبر أن ثمة جدلية ما بين الذاكرة والوعي، لا يمكن الفصل بينهما، «فحتى لا يبقى وعينا مجرد ذاكرة، وحتى لا تبقى ذاكرتنا مجرد ذاكرة احتفالية للفرح والحزن، نحتاج إلى تحويلها إلى وعي، وما نحتاج إليه مسألتان: تحويل المقاومة إلى وعي شعبي سائد، وإلى نظرية مهيمنة في الفكر السياسي العربي، والمقصود هنا بكلمة مهيمنة المعنى الايجابي وليس السلبي».


وبرأي فياض فإن مقومات النظرية متوفرة، تبدأ من التجربة إلى النجاحات فيها، ثم تصل إلى العناصر التاريخية والسياسية والثقافية والعسكرية، «ويمكن القول إن اللحظة التاريخية الراهنة هي لحظة مقاومة على مستوى المنطقة، ولديها قابلية لأن تتحول إلى لحظة تغيير شامل، لكنها في تلك الحالة تحتاج إلى شروط أخرى».

ويتحدث عما أنجزته المقاومة في لبنان، «فهي لم تهزم العدو وحسب، وإنما انتصرت عليه، لأنها تحولت إلى لاعب أساسي في رسم الموقع السياسي للبنان برمته، كما تحولت إلى لاعب استراتيجي في توازنات المنطقة. وينتقل إلى غزة ليقول إن المقاومة فرضت على الاسرائيلي قبل سنوات الانسحاب من غزة، ثم نجحت في الحرب الأخيرة في الدفاع عن نفسها، وفي منع الإسرائيلي من تحقيق أهدافه من الحرب. وفي العراق جعلت المقاومة الوجود العسكري الأميركي بلا معنى، مع التفريق هنا بين عراق حر، خارج الهيمنة الأميركية، وبين الأفعال العنفية التي تستبطن أهدافاً طائفية، أو يسعى أصحابها إلى إقامة دولة فئوية».
وحضر هنا السؤال عن الجدل الذي ثار حول معنى الانتصار في حربي تموز وفي غزة، في ظل الخسائر الكبرى في الارواح البشرية، وفي الدمار الكبير للمنازل والمرافق.

يقول فياض إن «إسرائيل دفّعتنا في حربي تموز وغزة أثماناً باهظة، بشرياً وعمرانياً، ولا يمكن الاستهانة بذلك، لكن المعيار الأساسي في نهاية المطاف للربح والهزيمة هو في نجاح أو فشل العدو في تحقيق أهدافه، وتتمثل في خلق سياق سياسي جديد، لم تنجح إسرائيل في ذلك. وعندما نتحدث عن معارك تحرير وسيادة، تصبح معايير النجاح والفشل غير مستندة بشكل أساسي إلى حجم التضحيات. تريد إسرائيل تحويل عدد الضحايا إلى معايير نجاح أو فشل، لكن ذلك أمر غير صحيح، لأنه علينا وضع الحروب في سياق تاريخي أطول مدى، أي أنها مرتبطة بالمدى الطويل وليس القصير..».

ينطلق من حقيقة وجود معركة الوعي والذاكرة، ليورد العبارة التي استخدمها بعض المسؤولين الإسرائيليين خلال حرب تموز، وهي عبارة «كي الوعي العربي»، بمعنى أنهم يريدون منع ذلك الوعي من الاستيقاظ، والعجز عن إدراك ذاته. ويضيف: «بما أن نتنياهو عاد إلى الحكم مجدداً، علينا أن نعيد قراءة كتابه: مكان تحت الشمس». إذ يشرح نتنياهو في كتابه أهمية الوعي في المعركة، بوصفه ساحة الصراع الأصلية، ويظهر في الكتاب أن إسرائيل تسعى إلى توظيف الحقائق الاستراتيجية، لإنتاج واقع نفسي وثقافي معين، وتلك هي مهمة نظرية الردع الإسرائيلية.


يعرض في الكتاب تجربة عالم هنغاري، وضع في حوض للسمك، في المختبر، سمكة تدعى الشبوط وهي ضعيفة، ومعها سمكة مفترسة تدعى ذئب الماء. في الاختبار الأول، يلتهم ذئب الماء الشبوط. في الاختبار الثاني يضع العالم حاجزاً شفافاً من الزجاج بين السمكتين، يحاول ذئب الماء الانقضاض على الشبوط، لكنه يصطدم بالحاجز، وهو طبعا لا يراه، يكرر المحاولة، فتكون النتيجة تهشم خرطومه. في الاختبار الثالث يضع العالم السمكتين في الحوض، من دون الحاجز، لكن ذئب البحر يسبح في الحوض من دون أن يجرؤ على مهاجمة الشبوط، ظناً منه أن قوة خفية لا تزال موجودة في الحوض تحول دون وصوله إليه، وهنا تحول خوفه إلى خوف نفسي.

يعتبر نتنياهو أن تلك المعادلة هي التي يجب أن تسود بين العرب والإسرائيليين، العرب بالنسبة إليه هم ذئب الماء وإسرائيل هي الشبوط، ويجب أن يتحول الرادع لديهم عن مهاجمة إسرائيل إلى رادع ذاتي.

يرد فياض على معادلة نتنياهو بالقول إن المقاومة أسقطت تلك النظرية، وكسبت معركة الوعي التي لا تزال مفتوحة.


وتوضيحاً لما أثير عن محاولة حزب الله التأسيس لذاكرة المقاومة في لبنان، بدءاً من المقاومة الإسلامية، قال إن «ذاكرة المقاومة في لبنان هي عملية تراكم تاريخي، وبالتالي فإن هناك تجارب أخرى علينا احترامها وإدراجها في السلسلة نفسها، ويجب ألا تقف الايديولوجيات عوائق أمام التواصل وأمام اتصال التجربة، كما أن ادوات المقاومة يجب ألا تكون مدعاة اختلاف، لكل مقاومة أبعاد عديدة سياسية وإيديولوجية، لكن في نهاية المطاف فإن الأساس هو الفعل المقاوم». وبذلك المعنى، يقول فياض، «تشكل المقاومة الإسلامية حقبة في تاريخ، لم تصنعه وحدها، وإنما هي شريكة فيه». وكي تبقى حية، يقول فياض، «كنا في مسيرة المقاومة نعتبر أنه يستحيل علينا الدخول إلى السلطة، لأن منطق السلطة يتناقض مع منطق المقاومة، وفي سياق التجربة بدا أن للتاريخ منطقه القسري، فعندما تراكم المقاومة إنجازاتها ونجاحاتها، وتتحول إلى لاعب استراتيجي، وتصبح عاملاً أساسياً في التوزانات المحلية والاقليمية، وعندما تتحول إلى تيار شعبي واسع، يصبح من شبه المستحيل الركون خارج السلطة... تلك ليست تجربة حزب الله وحده، وإنما تجربة بعض الفصائل العراقية، وتجربة المقاومات في أميركا اللاتينية. لم يكن أمراً واقعياً الفصل بين المقاومة وبين السلطة، ونحن بحاجة إلى أصوات نقدية بناءة، من موقع من لديه تقويم مختلف لمسار المقاومة».



20-أيار-2009
استبيان