أكد الرئيس السوري بشار الأسد، أمس، في لقاء مع عدد من المفكرين والباحثين اللبنانيين والسوريين المشاركين في «مؤتمر العلاقات السورية اللبنانية» في دمشق، أن الاعتراف بأخطاء في العلاقات اللبنانية السورية هدفه رفض هذه الأخطاء وتصحيحها، معتبرا أن تعامل القيادة السورية مع قوى طائفية في الماضي افقدها جزءا من اللبنانيين جراء المصالح الطائفية. ودعا اللبنانيين إلى تغيير نظامهم الطائفي، موضحا أن «من يسيطر على اللعبة السياسية هم الطائفيون، وهذه مسؤوليتكم، فعندما يبلور المجتمع المدني مشروعه للدولة عندئذ تاتي المساعدة الخارجية مكملة، لذلك فان الأمر هو مسؤوليتكم في لبنان وعليكم أن تتفقوا على نظامكم السياسي ومشروعكم للدولة». وشدد على أن دعم دمشق لـ «حزب الله» ليس لأنه فصيل سياسي لبناني، وانما لأن سوريا «تدعم المقاومة بشكل عام».
وأشار الأسد، إلى أن «المصالحة العربية هي في طور التهدئة والمراجعة في السياسات العربية، لكنها لم تبلغ حد التوافق، ومن هنا أهمية أن تتبلور الإرادة السياسية العربية». وشدد على انه «ليس في الأفق حروب كبيرة»، نافيا أن تكون دمشق تخلت عن فكرة وحدة المسارات في التفاوض مع إسرائيل.
وافتتح الأسد اللقاء الذي دام ساعة ونصف الساعة بالإشارة إلى «أهمية الربط بين الممارسة والفكر، وضرورة التركيز على التاريخ والجوانب التربوية والفكرية والثقافية والاقتصادية للنهوض بعلاقات البلدين». وشدد الأسد على «أهمية مثل هذه المؤتمرات في وضع أسس لتقييم المشكلات والعقبات التي تعترض تعزيز العلاقات بين سوريا ولبنان ووضع الحلول من أجل إلغائها بشكل كامل»، مؤكدا أن «سوريا لم ولن تدخر أي جهد يسهم في توطيد العلاقات ويخدم مصالح الشعبين الشقيقين في جميع المجالات».
وركز الأسد في اللقاء على المصالح الفئوية السياسية والمادية التي طبعت بعض العلاقة بين لبنان وسوريا. وقال «من بين الأخطاء التي ارتكبناها في لبنان هي علاقتنا مع فئة من دون أخرى، لكن هذه المسؤولية لا تقع علينا، لان لبنان كان قد خرج من الحرب والقوى الطائفية والميليشياوية المتقاتلة هي التي ستعقد السلم». وأضاف «لم يتعامل اللبنانيون مع موضوع الطائف بوضوح، سواء بصفته وقفا لإطلاق النار والحرب أو مشروعا لبناء الدولة، وقد كانت هذه مسؤولية اللبنانيين أن يتفقوا على تطبيق الطائف وإعادة بناء نظامهم السياسي».
وأشار الأسد إلى أهمية المؤتمر. وأضاف «صحيح أن مواضيع المؤتمر تركز على البعد التاريخي في العلاقات بين البلدين لان الأخطاء لا يمكن أن تكون قد بدأت منذ وقت قريب، فهناك تراكمات ربما تعود إلى سايكس ـ بيكو، وعلى أي حال نحن في موضوع لبنان، هناك محطات من الصراع اذكر منها معركة الاستقلال ومعركة 1958، ولا أريد أن ادخل في ادوار القوى الدولية آنذاك».
وردا على سؤال، قال الأسد «نحن في موضوع ترسيم الحدود، فان اللجنة قائمة وعاملة، لكن نحن لا نريد أن نسهل مشكلة إسرائيل في موضوع شبعا لأنها ارض عربية محتلة، وقلت للامين العام للأمم المتحدة بان كي مون لا علاقة لكم بالموضوع، وقد وافقني على ذلك».
وعن الاختفاء القسري لبعض اللبنانيين، قال الأسد «أجرينا تحقيقات في الموضوع، واللائحة التي قدمت لنا وتضم حوالى 800 اسم ليس لدينا منها سوى 15 موقوفا بأحكام قضائية بتهمة التعامل مع إسرائيل». وأضاف «نحن في سوريا نتحمل العبء، والبعض يستخدمه سياسيا، لكن الحقيقة أن الزعماء السياسيين المسؤولين عن تلك الحرب الأهلية والمقابر الجماعية لا يريدون أن يقفلوا هذا الملف ويصارحوا اللبنانيين بالحقيقة. صحيح أن الجيش السوري قتل أناسا خلال معارك لكنه لا يوثق هذا الأمر، ونحن لا نعرف من كنا نواجه، ولكنني أؤكد أن عليكم أن تسألوا مؤسساتكم عن الموضوع، فلديها الخبر اليقين».
وعن عدم مساعدة سوريا للبنانيين في بناء دولتهم مع اعتراف اللبنانيين بالبنية الطائفية المعقدة، أوضح الأسد «مشكلتنا في لبنان أنكم تطلبون أن ندعم هذا المشروع، وأنا على استعداد للمساعدة في كل شيء، ولكن من يسيطر على اللعبة السياسية هم الطائفيون، وهذه مسؤوليتكم، فعندما يبلور المجتمع المدني مشروعه للدولة عندئذ تاتي المساعدة الخارجية مكملة، لذلك فان الأمر هو مسؤوليتكم في لبنان وعليكم أن تتفقوا على نظامكم السياسي ومشروعكم للدولة».
وتابع «عندما تكون العلاقات أمنية وسياسية كما كانت في الماضي فسترتكب الكثير من الأخطاء، لان العلاقة الأمنية عندما لا تخضع للمراقبة والتوجيه، فهي تحتمل الكثير من الأخطاء». وأشار إلى أهمية موضوع العلاقات الشعبية بين البلدين والتي تساعد على تصحيح الصورة. ودعا إلى مشاركة المثقفين في البلدين في بلورة رؤية لنظام تربوي وتعليمي.
واقر الأسد أن مستوى العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والاستثمارات بين البلدين ضعيف. واعتبر أن «المجلس الأعلى اللبناني السوري هو لمصلحة لبنان لأننا الأقوى». وكرر انفتاحه على أفكار اقتصادية تؤدي إلى تفاعل بين البلدين. وشدد على أن لا عودة للجيش السوري إلى لبنان.
عربيا
وقال الأسد إن «المصالحة العربية هي في طور التهدئة والمراجعة في السياسات العربية، لكنها لم تبلغ حد التوافق، ومن هنا أهمية أن تتبلور الإرادة السياسية العربية». وأضاف «نحن لم نغير خطابنا، وكل ما يجري من تحولات يتجه لقبول أفكارنا لان ما نقوله ينطلق من المصالح القومية والوطنية ومن الحقوق العربية».
وعن المفاوضات مع إسرائيل، قال الأسد «أتحفظ على كلمة تفاوض، لان التفاوض يجري بين فريقين وجها لوجه، لكننا كنا في رحلة استكشاف النوايا واستطلاع الاحتمالات، وبدلا من أن تتم الأمور كما حصل في التسعينيات في الحوار المكوكي الذي قام به جيمس بيكر، كنا نجتمع في تركيا في فندقين منفصلين، وكان الوسيط التركي يتنقل بيننا وينقل الأفكار. هذا ليس تفاوضا بعد، وانتم تعرفون الآن أن الحكومة الإسرائيلية تعكس أجواء ومزاج الجمهور الإسرائيلي من تطرف لتطرف. ولا بد أن أقول في هذا الإطار إن حوارنا، وكذلك حوار الإيرانيين، مع أميركا لم يبدأ مع (الرئيس باراك) اوباما، بل بدأ في عهد (الرئيس السابق جورج) بوش، وعلى الأقل قبل سنة ونصف السنة. صحيح انه كان يأخذ أحيانا أشكالا مواربة، ولكن العروض كانت واضحة. وعلى أي حال عندما أتى الأوروبيون لم يكن ذلك بمعزل عن القرار الأميركي. الأميركيون اكتشفوا أزمتهم في العراق وهم يريدون الخروج بطريقة لائقة، وليــس لديــنا مانع من ذلك، لان مصلحتنا تلتقي عند هذه النقطة، وهو إعلان الجدول الزمني للخروج من العراق».
وأضاف الأسد «أما في الموضوع الإسرائيلي فما زلنا في مرحلة استكشاف النوايا، وليس لديهم حتى الآن أي تصور أو أفكار يطرحونها علينا. لكن أقول انه ليس في الأفق حروب كبيرة، وهذا الأمر بدا واضحا مع إيران منذ زمن، وعلينا في هذه المرحلة أن نبلور توجهاتنا ومطالبنا. فنحن منذ البداية قلنا أن الخيار هو دعم عناصر القوة، وفي طليعتها المقاومة. ونحن في هذا الموضوع لا نعتبر المقاومة في لبنان فريقا سياسيا ندعمه بل ندعم المقاومة بشكل عام».
وردا على سؤال حول لماذا تخلت دمشق عن شعار وحدة المسارات في التفاوض مع إسرائيل، قال الأسد «على العكس من ذلك، فنحن قبل وجود رئيس الجمهورية لم يكن في لبنان من نتحدث معه في هذا الموضوع، لكنني أبلغت الرئيس (ميشال سليمان ) بكافة التطورات على هذا الصعيد، ونحن في سوريا نعتقد أن تلازم المسارات السورية - اللبنانية - الفلسطينية قوة لسوريا وليس العكس. ولم نتخل عن فكرة وحدة المسارات».
وحول رؤيته المستقبلية للمنطقة، أوضح الأسد «نحن نقيم علاقات جيدة جدا مع إيران وتركيا، ونعول كثيرا على هذه العلاقات كأساس لوضع تصور لمصالح المنطقة. وهناك وحدة في الرؤية مع تركيا ونقاط مشتركة ، مثل الأنهار والتاريخ والحدود».
وردا على سؤال عن المشروع الإصلاحي في سوريا، قال الأسد «نحن طرحنا أفكارا إصلاحية، ثم داهمتنا أزمة العام 2005، وهنا أؤكد أنني عندما جئت إلى السلطة كان أكثر من نصف الجيش السوري قد انسحب من لبنان، وكنت قبل ذلك من مؤيدي هذا التوجه. وقد تلقيت عروضا عربية وغربية كثيرة قبل صدور القرار 1559، وهناك معلومات وتفاصيل كثيرة، لكننا لم نستجب للعروض والضغوط، وبالفعل اتخذت قرار الانسحاب قبل تظاهرات الذين يتحدثون عن السيادة. وعلى كل حال، السيادة هي استقلال قرارك السياسي وإرادتك، ونعرف أن البعض في لبنان نسج علاقات ضد هذا المفهوم. لا أريد العودة إلى هذا الموضوع، أريد التطلع إلى المستقبل، ونعتبر مؤتمركم احدى المبادرات التمهيدية التي سنبني عليها».
وأشار إلى أن سوريا بصدد تطوير التشريعات، و»اقرينا حتى الآن مبدأ إنشاء مجلس شورى، لأنه قد لا يتاح للنخب الوصول إلى البرلمان، ولكن هناك تفاصيل تشريعية، والأمر يأخذ وقتا». وتابع «كما نسعى إلى تطوير قوانين وسائل الإعلام». وأوضح انه تم إعداد أوراق سياسية من اجل تجديد حزب البعث لعرضها على مؤتمره المقبل.