وتابع: "إن فعل القتل والإبادة متأصل في هؤلاء، ويمثل جزءا من التربية التي عكفت أجيال اليهود المحتلين على تدريسها والعمل بها، مستفيدة مما تحدث عنه أسلافهم من اضطهاد النازيين لهم، لتؤكد ما يذهب إليه بعض الدارسين والباحثين، من أن الضحية عادة ما تتماهى مع جلادها، فتعمل على تطبيق النماذج الأكثر سادية ودموية في تجاربها مع الآخرين. لقد أظهرت شهادات جنود العدو مدى تعطش قادة العدو، ثم أفراد جيشهم المحتل، إلى الدماء العربية والفلسطينية بالذات، وأبرزت المدى المنقطع النظير لاستهانتهم بأرواح المدنيين، وتلذذهم بقتل الأطفال والنساء والعجائز، كما في شهادة أحد الجنود الذي تحدث عما رآه في العدوان على غزة من رفاقه قائلا:" رأى أحد الضباط عندنا، وهو قائد سرية، امرأة تمر في الطريق، كانت عجوزا كبيرة في السن، وأنا لا أعلم إذا كانت مشبوهة أم لا، ولكنه طلب من رجاله الصعود إلى السطح، وإطلاق الرصاص عليها حتى أسقطوها".
اضاف: "إن هذه الشهادات التي تتحدث عن إبادة عائلات، وعن قتل كل من يتحرك من المدنيين، تشير إلى أن هذا الجيش الذي حاولت الدعاية الصهيونية أن تتحدث عنه بأنه "الأكثر أخلاقية"، هو الأكثر وحشية في التاريخ، كما أن حديث وزير حرب العدو في بداية العدوان على غزة عن أن الفرق بين جيشه وبين المقاتلين الفلسطينيين يتمثل بأن جيشه يلتزم معايير أخلاقية عالية هو محض خديعة وافتراء، لأن سلسلة الجرائم التي ارتكبت في غزة كان قد سبق الإعداد لها على أعلى المستويات القيادية والسياسية والعسكرية في كيان العدو. لقد كان من الواضح أن الأوامر التي أعطيت لجنود العدو ركزت على قتل ما أمكن من المدنيين الفلسطينيين، والتعامل معهم كشاخصات للرماية، والعمل على الافادة من حرب لبنان في تموز، والتي شهدت أيضا العديد من المجازر، ولكن العدو كان دائما يعمل على تبرير خسائره وفشله بأنه كان حريصا على أرواح المدنيين".
اضاف: "لذلك، فإن الملابس التي يلبسها عناصر الوحدات المختارة في جيش العدو، والتي يكتب عليها شعارات التلذذ بقتل الأطفال والنساء الفلسطينيين، والتي من بينها صورة تظهر فيها امرأة فلسطينية حامل في مرمى القناصة الصهاينة، كتب تحتها: "رصاصة واحدة تكفي لقتل اثنين". لا تعبر عن عنصرية هذا الجيش وحقده فحسب، بل عن أن ذلك يمثل أيضا سياسة رسمت منذ أنشىء هذا الكيان، وأنها لا تزال تعتمد في كل جيل من أجيال الاحتلال، وبالتالي، فإن فتاوى الحاخامات اليهود في تدمير بيوت الفلسطينيين واقتلاع أشجارهم ومزروعاتهم وقتلهم وإبادة أطفالهم، لا تمثل خروجا عن هذه السياسة بل تضفي لونا تلموديا وطابعا دينيا حاقدا عليها... ولذلك فعندما يتحدث كبير حاخامات العدو عن أن الفلسطينيين والعرب يمثلون الحشرات التي ينبغي القضاء عليها، فإنه يتحدث عن ذهنية متأصلة في ذات المحتل اليهودي الغاصب لفلسطين. إننا أمام هذه الحقائق، التي تحدثت عنها لجان الأمم المتحدة ومقرروها كجرائم حرب وكعمليات إبادة، نتساءل عن السبب في عدم المبادرة إلى محاكمة القادة الصهاينة وجنودهم، وعن دور المحكمة الجنائية الدولية، وعما إذا كان هذا الدور يقتصر على ملاحقة العرب فحسب، وخصوصا أن أحد قادة العدو، والمسؤول عن هذه المجازر في شكل رئيس، كوزير الحرب "باراك"، يستعد لأخذ موقعه في الحكومة الصهيونية القادمة".
وقال: "لقد بدأنا نستمع إلى بعض المسؤولين الدوليين الذين يحضون العدو على إجراء محاكمات داخل الكيان الغاصب، وأن يتولى القضاء الإسرائيلي التحقيق في الجرائم والمجازر التي حدثت في غزة، على أساس منع الآخرين ـ على المستوى الدولي ـ من ممارسة هذا الدور، وهو الأمر الذي يعيد إلى الأذهان ما جرى في جنين عندما طرد العدو اللجنة المكلفة من الأمم المتحدة بالتحقيق، وقدم من ثم الصورة التي أرادها، كما يعيد إلى الأذهان تحلل العدو من المسؤولية عن مجازر صبرا وشاتيلا ومن ثم مجزرتي قانا وغيرها من المجازر".
وختم: "إننا في الوقت الذي نعتبر أن الدعوة إلى وضع المسألة في خانة القضاء الإسرائيلي هي دعوة مشبوهة، وتهدف إلى ذر الرماد في العيون، وتبرئة العدو من كل جرائمه الفظيعة التي ارتكبها في غزة، لأن قضاء العدو هو القضاء العنصري الذي واكب كل مسيرة الاحتلال الصهيوني، وكان جزءا منها، لا بل كان شاهد الزور عليها. ندعو العرب على مستوى كياناتهم السياسية والقضائية إلى التحرك سريعا، وتطويق كل المحاولات الجارية في السر والعلن لإقفال هذا الملف، وخصوصا أن الإعلام الغربي، وفي كثير من نماذجه، بدأ يتحدث صراحة عن جرائم العدو التي غيرت صورته وكشفته أمام الشعوب الغربية، وأبرزته على حقيقته التي لا يمكنه إنكارها بفعل فظاعة ما ارتكبه من جرائم، وخصوصا في غزة...كما ندعو أهل الاختصاص في مجالات الإعلام والدعاية من العرب والمسلمين، ومن كل الأحرار وطلاب الحقيقة في العالم إلى الانكباب على كل الشهادات والوثائق الكبيرة والكثيرة التي تدين العدو في شكل قاطع وحاسم، للافادة منها، وإطلاع الرأي العام الغربي عليها، سواء عبر وسائل الإعلام التي تتيح ذلك، أو عبر صفحات الإنترنت أو الكتب أو الملصقات وغيرها، وصولا إلى وضع العالم أمام حقيقة ثابتة، مفادها أن بقاء هذا الكيان في معزل عن المحاسبة والمحاكمة سوف يعرض الأمن العالمي للخطر... وبالتالي، فإما أن يكون القانون الدولي فوق الجميع، أو لا يستمع أحد إلى توجيهات هذا القانون ومعطياته، ولا يخضع لقواعده وثوابته".