آية الله فضل الله: لتحسين العلاقات العربية- الإيرانية وقيام قوة ردعية عربية وإسلامية تمنع العدو من القيام بحروب جديدة
1/3/2009
أكد آية الله السيد محمد حسين فضل الله، الحاجة إلى القيام بخطوات واسعة النطاق في مسألة العلاقات العربية ـ الإيرانية، لتدخل في مرحلة الوضوح التام بعد سلسلة الالتباسات والتعقيدات التي مرت بها، منتقداً بعض المواقف التي عكّرت صفو هذه العلاقات مؤخراً والمنطلقة بمجملها من غير قصد.
ودعا إلى التدقيق في الكلام الإسرائيلي الذي صدر في أعقاب العدوان على غزة والذي أعلن فيه العدو استعداده لتجاوز كل الحدود والقوانين الدولية، مشيراً إلى أن ذلك يجعل العالم العربي مباحاً أمام أية مغامرة عدوانية إسرائيلية قادمة، داعياً إلى قيام قوة ردعية عربية وإسلامية تقطع الطريق على العدو في ذلك، وشدد على استبعاد إيران كخطر على العرب، داعياً إلى التفاهم معها والاستفادة من تجاربها العلمية التي بدأت تفرض نفسها على مستوى عناصر القوة الرادعة في مواجهة إسرائيل.
قال آية الله فضل الله في تصريح اليوم:
"يدخل العالم في هذه الأيام في حال من الاستنفار الناشئة من التهويلات الإسرائيلية حيال المشروع النووي الإيراني، وتضخيم ما يسمونه الخطر الإيراني، وقد برز ذلك في شكل جلي وواضح في الدعوات الإسرائيلية الأخيرة، والتي أطلقها وزير حرب العدو، وشدّد فيها على دعوة العالم كله إلى "موقف ملموس" تجاه إيران، إلى جانب تلويحه بالخيار العسكري ودعوته الإدارة الأميركية الجديدة إلى عدم إزاحة أي خيار عن الطاولة...
وإذا كان كيان العدو يتعاطى مع الجمهورية الإسلامية في إيران كخطر أساس، ويشير إلى أنها ـ ومن خلال عناصر القوة فيها ـ تحولت إلى "خطر وجودي جوهري"، فإن ما يبعث على الأسى والأسف أن ينخرط البعض في العالم العربي في هذه اللعبة على المستويات الإعلامية والسياسية، ليتحدث تارةً عن "الخطر الإيراني" على المنطقة، أو ليشير تارة أخرى إلى أن هذا الخطر لا يقل خطورة عن العدو، وليدخل ذلك كله في نطاق حملة مبرمجة عنوانها العمل على إخراج الوضع العربي من دائرة الخطر، واستلاب الدور.
ونحن في الوقت الذي لا نشعر بالارتياح حيال بعض المواقف الملتبسة التي قد تساهم في تعكير صفو العلاقات بين الجمهورية الإسلامية والبلدان العربية، والمنطلقة بمجملها عن غير قصد، ومن دون مراعاة للتعقيدات الكامنة وراء التخطيط الإسرائيلي، ولعبة العدو الساعية لإقناع بعض المواقع المتوترة في العالم العربي بأن المشكلة تكمن في إيران وطموحاتها الإمبراطورية، وغيرها من الكلمات والألاعيب... نرى أن التطورات المتسارعة في العالم باتت تستدعي القيام بخطوات واسعة النطاق في مسألة العلاقات العربية ـ الإيرانية، لتدخل هذه العلاقات في مرحلة الوضوح التام بعد جملة الالتباسات والتعقيدات التي مرّت بها في العقود الثلاثة المنصرمة، وفي السنوات الأخيرة على وجه التحديد، لتكون التطورات العالمية الأخيرة حافزاً أساسياً في مسيرة تصحيح هذه العلاقات، إضافة إلى الخطر الصهيوني الذي يهدد الجميع، ولا سيما في أعقاب الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة التي أفرزت فريقاً يمينياً يتطلع إلى إدارة الوضع في المنطقة من زاوية الحرب التي بدأ يرسم معالمها وخطوطها قبل أن يستقر على كرسي الحكم، حيث تتطلع كل حكومة من حكومات العدو إلى تكريس وجودها وسمعتها من خلال الحرب التي تشنها ضد العرب والمسلمين.
إننا نستمع في هذه الأيام إلى دعوات تنطلق من خارج الدائرة العربية والإسلامية إلى الدخول في حوار مع إيران، وإلى حديث أميركي عن حوار قادم مع الجمهورية الإسلامية، ونحن نعرف الدوافع والكوامن التي ستطلق هذا الحوار أخذة في عين الاعتبار مصالح الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة وهواجس إسرائيل، ولذلك فإننا نرى في حوار إيراني ـ عربي مدروس وموضوعي، ما يمثل الأولوية القصوى للقضية العربية والإسلامية العامة، ويمكن لهذا الحوار أن يبدد الهواجس المفتعلة التي يطلقها العدو وتنخرط فيها بعض المؤسسات الإعلامية والسياسية العربية بطريقة مستغربة، ويبدو أن بعض أهدافها بدأت بالظهور في صفقات الأسلحة التي يراد للعرب أن يدخلوا فيها مجدداً ليخففوا الوطأة الاقتصادية عن كاهل بعض الأنظمة الغربية، وليفسحوا في المجال أكثر أمام سياسة الاحتواء التي بدأ الأميركيون يتحدثون عنها كحل مرحلي لمحاصرة طموحات إيران، كما تحدثوا في السابق عن ضرورة التأسيس لسباق تسلح يخلط الأوراق لمصلحة الولايات المتحدة ومعسكر الاستكبار، كما حصل في المنظومة السوفياتية سابقاً.
إننا ندعو العرب والمسلمين جميعاً إلى التفكير ملياً في كلام العدو خلال العدوان على غزة والذي أكد فيه أن كل الأساليب متاحة أمام إسرائيل لشن عدوان شامل ساعة تشاء، ولإسقاط كل القوانين الدولية واستباحة كل الشرائع، واستهداف كل الأمكنة بما فيها المواقع التربوية والدينية، وحتى مراكز الإغاثة التابعة للأمم المتحدة، بما يوحي بأن العالم العربي والإسلامي سيكون مباحاً بكامله أمام أية مغامرة إسرائيلية جديدة تحمل عنوان الدفاع عن أمن الكيان الصهيوني، وتستهدف إبقاء العرب والمسلمين في دائرة الضعف والاستهداف، وهو الأمر الذي يستدعي العمل على قيام قوة ردعية عربية وإسلامية تمنع العدو من القيام بحروب جديدة، لأنه لا يكفي التعويل على حرص الإدارة الأميركية الجديدة على عدم الاندفاع نحو حروب أخرى لأسباب اقتصادية وغير اقتصادية، لأن إسرائيل المذعورة من جهوزية المقاومة اللبنانية والفلسطينية، والمسكونة بالدعم الأميركي والأوروبي لأية خطط جهنمية قد تتحرك فيها على مستوى المنطقة، قد تحاول حشر الولايات المتحدة الأميركية ومن يسير في فلكها في الزاوية للذهاب نحو خيارات طائشة قد تحرق المنطقة بكاملها.
إننا نعرف جيداً أن سبل استعادة النفوذ العربي لن تكون من خلال الانسياق في خيارات تعقيد العلاقة مع الجمهورية الإسلامية في إيران، أو النزوع نحو تسليط الأضواء الإعلامية والسياسية على التجربة الإيرانية بنتائجها العلمية التي بدأت تفرض نفسها على مستوى تحقيق عناصر القوة الرادعة في مواجهة العدو الإسرائيلي، وعناصر القوة العلمية الساعية لتحقيق الاكتفاء الذاتي في المجالات التصنيعية ومجالات الحصول على الخبرات والكوادر العلمية الذاتية، بل إن التجارب السابقة، وتطورات الأوضاع المتلاحقة ينبغي أن تدفع باتجاه التفاهم مع إيران للاستفادة مما وصلت إليه في هذه المجالات المختلفة ولرسم الآفاق نحو سياسة عربية وإسلامية تفرض توازناً حقيقياً مع العدو يحتاجه حتى أولئك الذين لا يبصرون المنطقة إلا من نافذة المفاوضات، وقد قال الرئيس الإسرائيلي إنّ الذي دفع العرب إلى التفاوض وتحريك المبادرات هو قوة الجيش الإسرائيلي، ولا ندري هل يأتي الوقت الذي ينطلق فيه العرب لمخاطبة العدو من مواقع القوة التي يصنعونها لأنفسهم ومواقعهم وشعوبهم، أم أنهم يفضلون استجلاب المزيد من العداوات التي تجعلهم يستجدون السلام الذي لن يأتي من عدوهم التاريخي، الذي يمثل عدواً للإنسانية كلها، ولكل طلاب الحرية في العالم".