قبل أيّام قليلة من بدء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان عملها في الأوّل من آذار المقبل، تعرّض مكتب وكيل اللواء الركن جميل السيّد المحامي أكرم عازوري لعملية سطو منظّم، واستطاع «زوّار الليل» الذين استغلّوا سوء المناخ خلال اليومين الماضيين والعواصف الرعدية والأمطار الغزيرة، سرقة حاسوب محمول يضمّ كلّ أوراق الملفّ المتعلّق باللواء السيّد من دون أن يعلموا بأنّ هناك نسخاً كثيرة عن هذه الأوراق وموزّعة في غير مكان بما فيها» الممسك القانوني» على الضابط الألماني غيرهارد ليمان الذي حاول الإيقاع بالسيّد وفشل.
وفي التفاصيل، أنّ اللصوص، وبعد مراقبة دقيقة لمكتب عازوري الكائن في محلّة بدارو، ومعرفتهم بعدم وجود أحد فيه طوال يومي السبت والأحد الماضيين، تسلّقوا شرفة المكتب الكبير، وهي على هيئة «تراس»، ودخلوا منها إلى غرفة عازوري الخاصة، ومنها إلى بقيّة الغرف حيث بعثروا المحتويات والأدراج والملفّات التي ألقوا ببعضها على الأرض، ووصلوا إلى الغرفة التي تحتوي على خزانة حديدية يضع عازوري عادة فيها الأمانات لموكّليه، فعملوا على تحطيمها وتهشيمها بآلات حادة خاصة كانت بحوزتهم، واستولوا على موجوداتها، وهي عبارة عن شيكات مصرفية ومبلغ ألفي دولار أميركي، ثمّ انتقلوا إلى الغرفة المجاورة بحثاً عن غرضهم، فعثروا على حاسوب محمول اعتادت ابنة عازوري، المحامية مي عازوري، أن تحتفظ بداخله، بكلّ الملفّات العائدة للواء الركن جميل السيّد، كما سرقوا حاسوباً محمولاً آخر، وتلفازا كبيرا.
وبحسب المعطيات الأولية، فإنّ الفاعلين كانوا مرتاحين في تنفيذ اعتدائهم، وذلك بدليل أنّ تكسير الخزانة الحديدية بالشكل الذي وجدت فيه، يحتاج إلى مدّة زمنية تتراوح بين ثلاث وخمس ساعات، لأنّ طريقة التهشيم تنمّ عن إصابة الخزانة بعبوة ناسفة. وطبعاً لم تكن بحوزتهم عبوة ناسفة وإلاّ لسمع، على الأقلّ، ناطور المبنى، صوت دويها.
ولم يكتف اللصوص بالبحث في الملفّات، بل وجدت أعقاب سجائر على الأرض في المطبخ، إضافة إلى جلوسهم وتناولهم العصير وما وجدوه داخل البرّاد، وهو ما دلّت عليه البصمات التي رفعتها عناصر من الأدلة الجنائية أرسلها رئيس القسم العميد هشام الأعور فور تبلّغه بهذا الحادث، وحضر رئيس مكتب الحوادث الرائد جورج خير الله.
ويبدو بحسب المعلومات المتوافرة، فإنّ اللصوص سبق لهم أن درسوا طبيعة توزّع غرف مكتب عازوري، ومحيطه، فلم يدخلوه بواسطة الكسر والخلع من بابه الرئيسي بعد التحايل على ناطور المبنى، بل عمدوا إلى تسلّق الشرفة، لأنّ ثمّة كاميرا مراقبة مثبتة بشكل خفي عند الباب الرئيسي، تصوّر كلّ التحرّكات الموجودة على الدرج، فتجنّبوها، وهم خرجوا بالطريقة نفسها التي دخلوا فيها عبر النزول من الشرفة، مستندين على سطح شاحنة صغيرة، أو «فان»، والأهم خلو المكان من الخارج من مارة أو حركة تمنعهم من تحقيق مبتغاهم.
كما حضرت إلى المكتب عناصر من فصيلة طريق الشام بإمرة النقيب أسعد أيوب ووضعت يدها على التحقيق بناء لإشارة النائب العام الاستئنافي في بيروت القاضي جوزيف معماري.
وأبلغ عازوري لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، بهذا الحادث، فأبدت اهتمامها بالموضوع، خصوصاً أنّ الملفّات المسروقة تخصّ اللواء السيّد.
وتلقّى عازوري اتصالات مستنكرة من وزير العدل إبراهيم نجّار، ووزير الداخلية زيّاد بارود، ومدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي الذي تابع الإجراءات الأمنية والقانونية المفروض اتخاذها بحذافيرها، ونقيب المحامين في بيروت رمزي جريج.
كما حضر إلى المكتب حشد من المحامين الذين شجبوا هذا الاعتداء الآثم على مكتب زميل لهم.
الإفراج عن الضبّاط قريبا
ورفض عازوري في حديث مع «السفير»، استباق نتائج التحقيق، مؤكّداً عدم وجود أسرار في مكتبه تتعلّق بقضيّة الضبّاط الأربعة، «ونحن لم نتضرّر من هذه السرقة، والمجرمون لم يستفيدوا منها، ونأمل أن يصار إلى معرفة الفاعلين وتوقيفهم».
وتوقّع وكيل اللواء جميل السيد حسم قضيّة توقيف الضبّاط سريعاً وألاّ تطول بعد الأوّل من آذار 2009 وهو موعد انطلاق المحكمة الدولية، مستنداً إلى «استعمال دانيال بيلمار عبارة التشكيك عندما أشار إلى احتمال أن يبقى الضبّاط موقوفين إلى ما بعد الأوّل من آذار، وهو التاريخ الذي تنتقل فيه صلاحية الإفراج عنهم من القضاء اللبناني إليه».
كما استبعد فرضية ربط حادثة السرقة بقضيّة الإفراج عن الضبّاط أو نقلهم إلى هولندا «فهو ربط لا أجد له أيّ مبرّر ولا أيّة علاقة سببية».
كلام فنسنت وصفي
وحول الكلام الصادر عن رئيس قلم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان القاضي البريطاني روبن فنسنت الذي بثّته قناة «العربية»، عن الضباط الأربعة، رأى عازوري هذا الكلام «بمنتهى الإيجابية من حيث تأكيده كمسؤول لوجستي وإداري على أنّ المحكمة الدولية ستطلب فور مباشرتها لأعمالها نقل الملفّ والضبّاط، وهذا يعني أنّ بيلمار سوف يترجم الرأي الذي سبق له أن أعطاه للنائب العام التمييزي سعيد ميرزا حول مسألة توقيف الضبّاط إلى قرار، إذ أنّه لا يعقل أن يكون قرار بيلمار بالتوقيف مخالفاً لرأيه بهذا التوقيف عندما يكون القرار بيده في أوّل آذار».
وبشأن حديث فنسنت عن التوصية الشهيرة للقاضي الألماني ديتليف ميليس، فيعزوها عازوري إلى «إعادة الاعتبار إلى ميليس، فهذا تأويل سياسي، لأنّ فنسنت ليس مخوّلاً بتقييم أعمال المحقّقين الدوليين، كما أنّ تصريحه وصفي وليس تقييماً، فسبب توقيف الضبّاط هو توصية ميليس».