وطنية 20/2/2009
اعتبر آية الله السيد محمد حسين فضل الله أن الاستيطان الذي زحف إلى الضفة بكثافة متواصلة منذ اتفاق أوسلو، سوف يبتلع مع الحكومة الصهيونية الجديدة مسميات السلام، وأحاديث الدولة الفلسطينية القابلة للحياة، لتتوالى مسألة اغتصاب فلسطين المنطلقة من عمق الحقد اليهودي المتذرع بالتاريخ المزيف فصولا... وتتوالى معها محاولات تهديم المسجد الأقصى عبر تصديع أعمدته، لإقامة هيكل سليمان المزعوم، في ظل ضعف عربي، وصمت إسلامي، ودعم غربي متواصل لهذا الكيان بصرف النظر عن الحكومة التي تتولى أمره".
وخلال إلقائه خطبة الجمعة في مسجد الامامين الحسنين في حارة حريك، رأى السيد فضل الله أن المشروع الإسرائيلي يقوم على أن ما لا يمكن الوصول إليه ببعض القوة، يمكن تحقيقه بالمزيد من القوة، وهو الوصفة المعتمدة لحروب لا نهاية لها، تهدف إلى تقويض البناء العربي والإسلامي من الداخل، لتتخطى مسألة احتلال فلسطين إلى احتلال العقل العربي والإسلامي، من خلال السعي لإقناع العرب والمسلمين بأن أفضل وسيلة لمواجهة هذا المشروع تتمثل في الانحناء له على طول الخط، وإلى ما لا نهاية...".
ورأى إن "علينا رصد هذا المشروع الصهيوني، لا من خلال أدواته الظاهرة في فلسطين المحتلة فقط، بل من خلال التحالف مع قوى الهيمنة العالمية الموزَّعة في أوروبا وأميركا، وفي الشخصيات التي تعمل لحساب هذا المشروع من داخل الكونغرس الأميركي وخارجه، ومن داخل الإدارة الأميركية الملتزمة بالأمن الإسرائيلي على حساب الأمن العربي والإسلامي، والرافضة لأي تعديل في ميزان القوى بين العرب والمسلمين وبين كيان العدو، لأن التفوق الإسرائيلي النوعي هو التزام أميركي قد يتجاوز التزام الولايات المتحدة الأميركية بأمنها الخاص... وهذه هي المعادلة التي تدفع إسرائيل إلى اختيار منطق الحروب المتجددة، لتؤكد قوتها الردعية الغاشمة في مواجهة أية قوة عربية وإسلامية ناهضة".
وتابع:"ولذلك، فإننا عندما نلتقي وفي هذه الأيام بالذات بذكرى تتصل بحركة المقاومة في لبنان وشهدائها الكبار الذين ارتقوا من خلال جهدهم وجهادهم وشهادتهم، علينا أن نصر على مسألة صناعة القوة في الأمة، فقد أثبتت هذه المقاومة الباسلة التي انطلقت من المساجد العامرة بالإيمان والعطاء، ومن توجيهات القادة والفقهاء والأعلام، أنها تمثل تجربة ناجحة في معادلة صنع القوة وردع العدو وإنهاء احتلاله، وكسر خياراته الوحشية التي كان ينظر إليها، حتى في الأمس القريب، بأنها خيارات إستراتيجية لا تقبل الجدل ولا يمكن التخلي عنها بأي شكل من الأشكال".
وقال:"اننا في الوقت الذي نؤكد على احتضان هذه المقاومة التي أسست لمشروع القوة على مستوى الأمة، وواقعية المواجهة وكسر المشروع المعادي، نريد للأمة ألا تتنازل عن أي مستوى من مستويات القوة التي وصلت إليها وسط عالم يضج بمشاريع الاحتلال والهيمنة والتآمر، ولذلك فإننا نؤكد على الجمهورية الإسلامية في إيران ألا تتنازل عن حقها المشروع والطبيعي في المجال النووي السلمي الذي يمثل علامة تقدم للأمة في إمكاناتها العلمية الذاتية، لأن هذه القوة العلمية لا تخص إيران وحدها بل كل المسلمين والعرب وأحرار العالم، وأي تفريط بها يغدو تفريطا بحقوق كل هؤلاء الذين يتطلعون إلى من يحمي حقوقهم من الاستلاب والضياع".
اضاف:"إننا نعرف أن العدو يشعر بالقلق حيال التطور العلمي والتكنولوجي الذي تمثله المسيرة الإسلامية في إيران، والذي يصر العدو ـ ومعه قوى غربية متواطئة ـ على شن حروب دعائية وتحريضية عليه تحت عنوان البرنامج النووي، وندرك بأن العدو يعيش حالا من الارتباك تدفعه إلى الطلب من الإدارة الأميركية الجديدة أن تحدد سقفا زمنيا لحوارها المرتقب مع الجمهورية الإسلامية، ولكننا نقول لإيران إن عليها، وهي تتحضر للدخول في مشروع حوار طويل مع الأميركيين، أن تعرف أن المسألة لا تتصل بها كدولة ناهضة في المنطقة، بل تتجاوزها لتدخل في نطاق معادلة كبيرة عنوانها الخروج الإسلامي من تحت سقف الشروط الغربية والإسرائيلية إلى فضاء الحرية على المستوى العلمي، وعلى مستوى القرار السياسي المستقل".
ودعا إلى "مشروع عربي وإسلامي على مستوى الأمة كلها، من أجل أن يتحول هذا الحجم العددي الكبير إلى حجم سياسي فاعل في العالم، بحيث يكون له القدرة على المشاركة في تقرير المصير في الواقع كله، بدلا من أن يكون الآخرون هم الذين يقررون مصيرنا، ولن يكون ذلك إلا من خلال الأخذ بأسباب القوة، واستثمار طاقاتنا الحيوية والشبابية وثرواتنا الطبيعية في عملية نمو شاملة في الأمة، حتى لو اقتضى الأمر أن تدخل الأمة في مجال التحدي الكبير الذي نعتقد أنه سيطل على واقع جديد تحمي فيه وجودها، وتصون حريتها، وتخرجها من كونها هامشا سياسيا واقتصاديا وأمنيا للآخرين، إلى دائرة الفعل والاكتفاء الذاتي والاستقلال السياسي الحقيقي".
وتطرق الى الوضع في لبنان وقال:"اما في لبنان، فإننا في الوقت الذي نقدر كل الجهود التي بذلت لمنع الأحداث المؤسفة الأخيرة من أن تتطور وتتوسع، نشعر بأن ثمة مواقف تستحق الثناء لإسراعها في تطويق ذيول الأحداث، إلا أننا نعتقد أن مسؤولية القيادات تتجاوز ذلك إلى ضرورة تثقيف القاعدة بثقافة الحوار وقبول الآخر، واحترام قواعد الاختلاف، والانفتاح على الرأي المضاد بالحكمة والروية والموعظة الحسنة".
اضاف:"اننا ندين كل إساءة تنطلق من أي موقع ضد أي لبناني، بصرف النظر عن انتمائه المذهبي أو الحزبي أو الطائفي، ونؤكد ضرورة محاسبة المعتدين على أمن الناس وأرواحهم، وندعو في الوقت نفسه كل القيادات إلى الخروج من دائرة الخطاب المتشنج والمتوتر إلى فضاء الخطاب الهادئ والحكيم، والداعي إلى احترام الآخرين في خياراتهم وانتماءاتهم".
ودعا الشعب اللبناني إلى الارتفاع إلى أفق المسؤوليات التي يحترم فيها المواطن، المواطن الآخر، حتى في حال الاختلاف في الرأي السياسي، لأن المرحلة التي يمر بها الوطن قد تترك تأثيراتها السلبية، بفعل الأوضاع القلقة التي تحكم المنطقة، على كثير من المستويات الوطنية، وعلى الدولة بمؤسساتها واقتصادها وأمنها..."
وختم:" إن على هذا الشعب الذي يملك الكثير من القدرات الإبداعية، والتنوعات الثقافية، والإرث التاريخي الروحي، أن يواجه الموقف بالوعي الذي يحترم فيه الإنسان عقله وشعوره وموقفه وانتماءه السياسي، فلا يسقط أمام الهوامش، بل يبقى منفتحا على القضايا الكبرى التي لا تتصل بحاضره فقط، بل أيضا بوجوده ومصيره".