آية الله فضل الله استنكر موقف الفاتيكان من "الهولوكوست" وحذِّر من سعي اليهود للسيطرة على المؤسسة الكاثوليكية الأولى
وطنية- 8/2/2009
رأى آية الله السيد محمد حسين فضل الله، أن الموقف الأخير للفاتيكان، الذي يعتبر فيه أن من ينكر "الهولوكوست" كمن ينكر الله، يطرح جملةً من التساؤلات حول مدى استقلالية الموقع الكاثوليكي الأول في العالم، مبدياً خشيته من نزول الفاتيكان عند الشروط التي يفرضها الضغط اليهودي وكيان العدو وحاخاميته الكبرى، محذراً من أن اليهود يسعون للسيطرة على هذه المؤسسة وإخضاعها لحساب رؤيتهم المشوّهة للتاريخ.
وأكد أننا لن ندخل في نقاش مع الفاتيكان حول تبرئة اليهود من دم المسيح (ع)، لكن لا يمكن تبرئتهم من دم الفلسطينيين الذي سال أنهاراً في غزة، وكنا ننتظر أن يرفع الفاتيكان صوته عالياً ليستنكر هذه الجرائم الفظيعة، لا أن يكتفي بكلمات حييّة خجولة تدعو إلى وقف العنف.
لكنه شدّد على ضرورة العمل لاستمرار الحوار الإسلامي ـ المسيحي وتفعيله ومنع الحركة الصهيونية العالمية من إحداث ثغرة في العلاقات الإسلامية ـ المسيحية.
أدلى آية الله فضل الله بتصريح تناول فيه موقف الفاتيكان الأخير حول أن من ينكر المحرقة اليهودية ينكر الله، وجاء فيه: "في خضمِّ التطورات التي تعصف بالعالم في هذه الأيام، وفي أجواء المذبحة الإسرائيلية التي طحنت في رحاها ما يزيد على الستة آلاف من الفلسطينيين، من النساء والأطفال والشيوخ في قطاع غزة، وفيما كان العالم العربي والعالم الإسلامي ينتظران من الفاتيكان أن يضمَّ صوته إلى الأصوات العالمية التي طالبت بمحاكمة قادة كيان العدو على مجازرهم وجرائمهم، واستخدامهم الأسلحة الفوسفورية وغيرها من الأسلحة المحرمة دولياً... وخصوصاً أن الفاتيكان يحمل الرسالة المسيحية في التصدي للظالمين والوقوف مع المستضعفين والمظلومين كما كان السيد المسيح (ع)... فوجئنا ببيان صادر عن الفاتيكان يعتبر فيه أن من ينكر محرقة اليهود (الهولوكوست) ينكر الله.
ولعل ما يبعث على الأسى والأسف أكثر، أن البيان الصادر عن الفاتيكان جاء في أعقاب تهديدات يهودية للبابا، أبرزها من الحاخامية الكبرى في كيان العدو، والتي أعلنت عن قطع العلاقات مع الفاتيكان بعدما أصدر البابا عفواً عن أسقف بريطاني شكك في استخدام النازيين غرف الغاز في إعدام اليهود خلال الحرب العالمية الثانية، ولم تعلن الحاخامية عن عودة العلاقات مع الفاتيكان إلا في أعقاب إعلان البابا عن دعمه "للأخوة اليهود"، كما عبّر، وتشديده على أنه لا يجوز إنكار المحرقة، الأمر الذي أثار جملةً من التساؤلات حول استقلالية الموقع الكاثوليكي الأول في العالم، وخضوعه بطريقة وبأخرى للضغط اليهودي والإسرائيلي، ونزوله عند الشروط التي يفرضها كيان العدو وحاخاميته الكبرى، والتي لم نجد أن البابا استنكر على حاخاماتها وصفهم العرب بأنهم أفاعٍ وحشرات ينبغي التخلص منها، وإصدارهم الفتاوى للجيش الإسرائيلي بجواز قتل الفلسطينيين المدنيين، بمن في ذلك الأطفال والنساء والشيوخ.
إننا ندرك تماماً أن مسألة "الهولوكوست" في الغرب، والتي تخضع للرواية الإسرائيلية والصهيونية التي استهلكتها إلى آخر المستويات، وجعلتها قيداً من القيود التي تطوق الأوروبيين، باتت مسألةً غير قابلة للنقاش، وفوق كل التساؤلات والأبحاث التاريخية العلمية والموضوعية، وأن من يحاول تناولها بطريقة بحثية وعلمية ليضعها في حجمها الطبيعي وفي سياق ما نزل بشعوب القارة الأوروبية كلها من ويلات خلال الحرب العالمية الثانية، سوف يتعرض للإدانة والتشويه والملاحقة، تماماً كما حصل مع الكاتب الفرنسي روجيه غارودي وغيره، ولكن ما يبعث على الاستغراب، هو أن يخضع الفاتيكان نفسه لهذا المنطق، وأن تسقط أكبر سلطة مسيحية رسمية كاثوليكية في العالم تحت ضغط اليهود الذين يسعون لإخضاع هذه المؤسسة بالكامل، ليس لشروطهم السياسية وخرافاتهم وأساطيرهم فحسب، بل لحساب رؤيتهم المشوّهة للتاريخ، والتي يُراد من خلالها القبض على مواقع القوة الروحية والعلمية والسياسية في العالم، ودفعها للسير وفق مخططاتهم الجهنمية التلمودية العنصرية التي تنظر إلى البشر من غير اليهود كأناس يعتريهم النقص، وينبغي لهم أن يكونوا خُدّاماً لليهود ومشاريعهم ومخططاتهم.
إننا لن ندخل في نقاش مع البابا حول تبرئة اليهود مما نسب إليهم حول "قتل السيد المسيح(ع)"، ولكننا ندرك تماماً أنه لا يمكن تبرئتهم من دم الفلسطينيين الذي سال أنهاراً في غزة وما قبلها، ولقد كنا ننتظر منه أن يرفع الصوت عالياً، مستنكراً الجرائم الفظيعة التي ارتكبها العدو في غزة، بدلاً من أن تنطلق من الفاتيكان كلمات حييّة خجولة تدعو إلى وقف العنف في غزة، لأننا كنا ـ ولا نزال ـ ننتظر من الفاتيكان، من خلال مسؤوليته الرسولية والأخلاقية والتزامه فكر السيد المسيح(ع) ومبادئه ومسيرته، أن يقف مع القضية الفلسطينية التي تمثل معيار العدل الأبرز في العالم، وأن يقف مع الشعب الفلسطيني المظلوم باعتباره رمز المظلومية الكبرى في هذا العصر الذي تتسلّط فيه قوى الطغيان والاستكبار على المستضعفين الذي مثّلوا الذروة في اهتمامات السيد المسيح ورسالته وحركته.
ونحن في الوقت الذي نأخذ على البابا ذلك، ونرجو ألا يكون للعقدة الألمانية التاريخية أي دور في هذا السياق، نؤكد ضرورة استمرار الحوار الإسلامي ـ المسيحي، وتفعيل الحور وإدارته مع البابا في هذه الأمور وغيرها، لأننا نعتقد أن الضغوط التي يمارسها اليهود الذين اغتصبوا فلسطين، أو تلك التي تقوم بها الحركة الصهيونية العالمية، ينبغي ألا تتمكّن من إحداث ثغرة في العلاقات الإسلامية ـ المسيحية، لأننا ننظر إلى المسيحيين نظرةً إسلاميةً قرآنيةً تؤكّد أنهم الأقرب إلى الذين آمنوا، كما نؤكد على المسلمين في العالم أن ينفتحوا على المسيحيين بالحوار الهادئ والعقلاني الذي يشمل القضايا السياسية والعقدية، ويطل على قضايا الإنسان في العالم، وأن يلتفتوا إلى المحاولات الصهيونية الرامية إلى الإيقاع بين المسلمين والمسيحيين، بما فيها تلك التي تنطلق كضغوط تلاحق المؤسسات المسيحية الرسمية أو المؤسسات البحثية ومراكز الدراسات الغربية، والتي تستخدم عنوان معاداة السامية تارةً، وعناوين السعي لإزالة إسرائيل من الوجود تارة أخرى".