فيما واصلت الأكثرية حربها الاستباقية على إمكان فوز من «يملك السلاح غير الشرعي في الانتخابات»، جزم رئيس الجمهورية بأن أي استراتيجية دفاعية ستأخذ في الاعتبار ما حصل في حرب غزة، ورفض أيّ شروط لتسليح الجيش، وبالتحديد في «علاقتنا مع الجيش السوري»
أطلق رئيس الجمهورية ميشال سليمان جملة مواقف ـــــ رسائل، أبرزها عن الاستراتيجية الدفاعية التي كان النقاش في شأنها «بطريقة معيّنة» قبل حرب غزة «وبات علينا اليوم أن نناقش بشكل مختلف»، ثم التنبيه إلى أن إسرائيل تمثّل خطرين من أصل 3 أخطار تهدّد لبنان. ولمن يضع شروطاً على تسليح الجيش: لن نقبل الشروط «في موقفنا من الجيوش أو الدول الأخرى، وبالتحديد علاقتنا مع الجيش السوري».
وجاءت هذه المواقف في خطاب كان يجب أن يسبق خطاب القسم، لو حصل التسليم والتسلم في قيادة الجيش قبل الانتخاب الرئاسي. فتعويضاً عمّا حجبته الظروف الاستثنائية، أقام قائد الجيش العماد جان قهوجي احتفالاً في وزارة الدفاع «احتفاءً ووفاءً» لرئيس الجمهورية «واعتزازاً بقيادته العليا». وكان القاسم المشترك في كلمتَي جنرالَي بعبدا واليرزة، هو الرد غير المباشر على النائب وليد جنبلاط، إذ أعرب سليمان عن ثقة مطلقة بقيادة الجيش «فلا يتوقف أحد عند أي انتقادات»، و«علينا أن نستمر بواجبنا وبعملنا من دون أن نتأثر بأي انتقادات سياسية، لأن هدفها سياسي». أما قهوجي فأكد «إزاء تجنّي البعض على المؤسسة العسكرية»، أن ولاء الضباط والعسكريين سيبقى «للجيش والوطن».
وقد بدأ الاحتفال بكلمة لقهوجي أكد فيها أنه لم يصل إلى سدة القيادة «لتغيير المبادئ والمفاهيم التي قامت عليها المؤسسة»، بل إن ما يطمح إليه «هو تطوير آلية العمل، ورفع قدرة الجيش عديداً وعتاداً وتدريباً»، آملاً أن تتطور المساعدات العسكرية «إلى المستوى الذي يليق بكفاءة العسكريين وتضحياتهم، ويتناسب مع حجم المخاطر والتحديات التي يواجهها الوطن». وقال إن الجيش «لن يفرّط قيد أنملة بواجبه المقدس في الدفاع عن لبنان ضد أي اعتداء إسرائيلي، والاستمرار في مواجهة الإرهاب وكل العابثين بمسيرة الأمن والاستقرار، وذلك بالتعاون والتنسيق مع القوى الأمنية كافة»، متعهداً الحفاظ «على سلامة المواطن وكرامته وحريته، في مختلف الاستحقاقات والمناسبات الوطنية، ولا سيما الانتخابات النيابية المقبلة».
ثم تحدث سليمان، فأكد أن «مسيرة بناء الدولة قد انطلقت»، لكنه حذر من 3 أخطار، أولها إسرائيل التي تريد أن تنتزع دور لبنان وإسقاط صيغته، مشيراً إلى رفضها لحق عودة الفلسطينيين إلى أرضهم، وسعيها إلى تهجير الفلسطينيين من غزة وطرد عرب 48، إضافة إلى تهديداتها المتكررة للبنان وما لذلك من «تأثيرات سلبية عدة على المناعة الوطنية كما على الاقتصاد الوطني وفرص الاستثمار في لبنان»، مذكراً بتنبيهه من «أن مقصد إسرائيل هو تدمير الجيش وضربه. في تموز 2006، كانت تهدف إلى زعزعة الوطن من خلال ضرب الجيش. ففي اعتقادها أن العسكريين سوف ينقسمون بين من لا يريد الحرب وآخر يريد الدفاع عن لبنان. لكن العسكريين بقوا موحدين، وتحدوا إسرائيل معاً، ما أدى إلى هزيمتها على يد المقاومة والجيش الذي دعم هذه المقاومة بقوة».
وقال إن الخطر الثاني «ينتج من الأول»، وهو «التفرقة بين اللبنانيين وتفكيك وحدتنا الوطنية»، وهذا «أيضاً مقصد إسرائيلي، لأن لبنان الموحد يستطيع التصدي لإسرائيل، وهو عنوان المقاومة الحقيقية ضدها». أما الثالث فهو خطر الإرهاب «الذي حاربه الجيش ببسالة بشكل لم يعهد له مثيل».
وإذ أكد رئيس الجمهورية سقوط «مقولة الخوف من انقسام الجيش»، رحب بالمساعدات العسكرية، لكنه شدّد على عدم القبول بأي شروط «في موقفنا من الجيوش أو الدول الأخرى، وبالتحديد علاقتنا مع الجيش السوري الذي تجمعنا به العقيدة الواحدة ضد العدو الإسرائيلي، والذي كان إلى جانبنا وساعدنا عندما كان جيشنا في حاجة إلى المساعدة. واليوم علينا أن نبقي علاقة تنسيق معه، بما يخدم أمن لبنان وأمن سوريا، من دون أي تدخل بالطبع من أحد في أمور الآخر، لكن بشكل متكافئ وحقيقي، كذلك تستحق العلاقة أن تكون بين دولتين شقيقتين وجارتين تجمعهما أهداف واحدة تتلخص في التصدي لعدو واحد هو إسرائيل».
وحدد أولى مهمات الجيش بـ«الدفاع عن الأرض والوطن ضد العدو الإسرائيلي، بالتفاهم مع المقاومة، والتصدي للإرهاب دون خوف أو تردد»، إضافة إلى مؤازرة قوى الأمن الداخلي في حفظ الأمن. وشدد على المؤسسات الأمنية «وتحديداً ضباط المخابرات»، إضافة إلى الإدارة والقضاء، التعامل مع الاستحقاق الانتخابي، بصدقية وتجرد كامل «ومراعاة للمصلحة الوطنية قبل الشخصية»، قائلاً «إن الوطن لا يربح أبداً من خلال مصلحة الأشخاص».
وتطرق إلى طاولة الحوار، مكرراً أنها «يمكن أن تكون نسخة عن هيئة إلغاء الطائفية السياسية»، وأن الاستراتيجية الدفاعية «لا تُبنى بالارتجال»، فـ«الوضع السياسي لم يستقر بعد»، والوضع «من حولنا» يتبدل «فبالأمس كانت هناك مفاوضات توقفت اليوم. ونحن، قبل الذي حصل في غزة كنا نناقش بطريقة معينة، وبات علينا اليوم أن نناقش بشكل مختلف»، مشيراً إلى أنه خلال حرب غزة «تم تطبيق أمر بديهي في الاستراتيجية التي نسعى إليها، دون أن يكون مكتوباً، يتلخص في كيفية منع الجرائم المرتكبة في غزة من التأثير على الوضع اللبناني. لقد قام الجيش بدوره، وكانت المقاومة جاهزة للمشاركة في الدفاع عن لبنان في حال الاعتداء عليه أو احتلال جزء منه. هذا التفاهم بين الجيش والمقاومة يمثّل أساساً صالحاً لبناء الاستراتيجية الدفاعية».