رأى آية الله السيد محمد حسين فضل الله في خطبة الجمعة التي ألقاها في مسجد الامامين الحسنين في الضاحية الجنوبية، أن الحرب على المقاومة في فلسطين لا تزال تتحرك على أكثر من صعيد، بعد انتهاء العدوان العسكري الكبير على قطاع غزة، حيث يستمرّ الحصار الجائر على الشعب الفلسطيني من طريق إغلاق المعابر، حتى العربية منها، إضافة إلى الضغط الدولي الممارس من قبل الدول المستكبرة لفرض إرادتها على الشعب الفلسطيني الصابر والمقاوم، بعد عجز آلة الحرب الإسرائيلية عن هزيمة إرادته".
وأضاف السيد فضل الله : "التقينا في الأسبوع الماضي، بأكثر من موقف يؤكد استمرار الانحياز المطلق للادارات الغربية، وكثير من المنظمات والمؤسسات الدولية، إلى العدو الإسرائيلي العنصري والإرهابي المجرم، فنجد تصريح المفوض الأوروبي للتنمية الذي وصف حركة المقاومة الاسلامية "حماس" بالإرهابية"، مؤكدا أن الحوار معها يتوقف على قبولها بحق إسرائيل في الوجود، والتخلي عن المقاومة التي تمثل البعد الإرهابي لحركتها، كما يقول، وليس بعيدا من ذلك موقف الدول الأوروبية التي سارعت بعد الحرب إلى الوقوف في صف العدوّ الصهيوني المجرم ضد الشعب الفلسطيني شبه الأعزل، وضد مقاومته التي انطلقت كرد فعلٍ على الاحتلال، هذا الموقف الأوروبي الذي يعكس حال الانحدار الأخلاقي والحضاري إزاء المجازر التي ارتكبتها إسرائيل في الماضي، وفي غزة بالأمس القريب، والتي لا مثيل لوحشيتها في التاريخ، في الوقت الذي لا تزال تهدد بارتكاب المزيد من هذه المجازر، وهو الموقف نفسه الذي تتخذه الولايات المتحدة الأمريكية، على لسان رئيسها الذي يتحدّث عن الأمن لإسرائيل مقابل المساعدات للفلسطينيّين، وعلى لسان مسؤوليها، حيث تتحدث وزيرة الخارجية أن "استفزاز "حماس" هو الذي يجعل إسرائيل تمارس حق الدفاع عن النفس"، وكأنها تمنح إسرائيل الحرّية في العودة إلى مسلسل الإجرام والقتل والتشريد ضد الشعب الفلسطيني. والسؤال: أي دور للولايات المتحدة الأميركية كوسيط رئيس في قضية فلسطين مع كونها الداعم الرئيس للاحتلال الإسرائيلي، ديبلوماسيا واقتصاديا وعسكريا؟".
وأشار الى انه بات واضحا أن الثابت الأكبر في سياسات الدول المستكبرة الخارجية هو أمن الكيان الإسرائيلي الغاصب، الذي قام على أساس القتل والتدمير والاحتلال والإرهاب، إضافة إلى تهديد أمن المنطقة بأسرها، هذا الكيان هو الوحيد في العالم المتمرد على القوانين الدولية وشرعة حقوق الإنسان، والذي لا يخضع لأي محاسبة لأنه يحظى بدعم أميركي يتجاوز كل القوانين والأعراف. ولذلك فعلينا ألا نفاجأ بإعلان المبعوث الأميركي (ميتشل) بأن لإسرائيل ما تختاره في محاربة ما أسماه الإرهاب، لأن أميركا لا تزال تتطلع إلى مصالحها في المنطقة من زاوية الأمن الإسرائيلي، ولا سبيل لتغيير ذلك إلا بمواقف عربية وإسلامية ضاغطة، ولكن العرب مشغولون بإثارة النزاعات فيما بينهم وبالإعلان عن افتقادهم للقوة وعناصر الضغط، لأنهم كفوا عن الوقوف مع قضاياهم، وآثروا مآربهم الشخصية على مصالح أمتهم".
وتابع: "إلى ذلك، فقد بدا واضحا مدى الضعف الذي أصاب منظمة الأمم المتحدة إلى الدرجة التي ينتظر فيها أمينها العام نتيجة التحقيق الإسرائيلي، علما أن كيان العدو أعلن قراره بتوفير الحماية لجنوده وضباطه من أي ملاحقة قانونية لدى المحاكم الدولية... وعلى هذا الأساس، فثمة شكوك حقيقية في إمكان إجراء الأمم المتحدة تحقيقا في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني؛ لأن الكيان العبري يبقى فوق النقد حتى فيما يشبه بيانات الإدانة، ومن هنا تحوم الشكوك حول صدقية المنظمة الدولية في حركتها السياسية والقضائية".
ورأى آية الله فضل الله "إن هذا الواقع، يفرض على الفلسطينيين، وعلى الدول العربية والإسلامية، إدراك أن خط المفاوضات ومسلسل التنازلات لم يرجع عليهم إلا بالمزيد من الضعف، والإمعان في الإذلال، فكيف يمكن اللجوء إلى المفاوضات والسياسة الإسرائيلية، ومن ورائها الأميركية، تعمل على تغيير الوقائع على الأرض، وتأكيد قواعدها للعبة باستمرار، علما أن هناك أكثر من قرار لمجلس الأمن يتعلق بالقضية الفلسطينية والاحتلال واللاجئين، فليتحرك هذا العالم ليفرض احترام مجلس الأمن الذي لا تحترم فيه إلا القرارات التي تشرع بلادنا على المزيد من القتل والتدمير والنهب واللعب بالمستقبل".
وأكد "إننا نعيش في عالم لا يحترم فيه إلا الأقوياء، فهل نقف يوما لنحافظ على عناصر القوة لدينا وتنميتها، نقولها للفلسطينيين جميعا، وللعرب وللمسلمين، أم نبقى نتحرك على أساس تدمير كل واقعنا من طريق تمزيق كل أوراق القوة لدينا، وتجميد كل حالة للضغط الواقعي على الدول المستكبرة، لتراعي ولو الحد الأدنى من مصالحنا الحيوية وقضايانا المصيرية؟".
وخاطب الفلسطينين بالقول: "لقد تحقق لكم، برغم الجراح والآلام، شيء كبير في غزة تستطيعون أن تبنوا عليه في مسيرة إزالة الاحتلال عن فلسطين، فلتنطلق الجهود جميعها في سبيل الحفاظ على المكتسبات، وعدم كشف الواقع الفلسطيني أمام المزيد من العبث الإقليمي والدولي، لتكون مصلحة الشعب الفلسطيني في عزته وكرامته هي الميزان في كل المواقف. أما لبنان، فلا يزال يثبت فيه كثير من السياسيين أنهم لا ينطلقون في حجم الوطن والتحديات والتهديدات التي تعصف بالواقع كله، ويؤكدون أنهم غير معنيين بصناعة القوة لهذا البلد، ولا بتحصينه أمام المتغيرات التي تلعب بمصير هذا الشعب يمينا وشمالا، ويثبت فيه الكثيرون أنهم غير معنيين بالإنسان في لبنان، في اقتصاده وأمنه وسياسته العادلة، وأن الناس لدى الكثيرين هم مجرد أرقام للانتخابات، ولتحقيق المصالح الشخصية والحزبية والطائفية، حتى عندما تتعلق المسائل بحقوق الناس في إعمار ما هدمه العدوان الصهيوني قبل أكثر من عامين".
وختم فضل الله متسائلا: "هل يملك السياسيون في لبنان أن يقرروا على طاولات الحوار أن ينتقلوا بلبنان من بلد المزرعة إلى بلد المؤسسات، ومن بلد المحاصصة إلى بلد القانون، ومن البلد المرتهن للعبة المحاور الإقليمية والدولية إلى البلد القوي الذي يصنع قوته الذاتية قبل أن يتسولها على أبواب السياسات الدولية التي خبرنا كيف تتحرك وإلى أين تصل بنا؟".