ودعا الشعب العراقي "إلى عدم الركون إلى الوعود الأمريكية في ظل محاولات دؤوبة للتنصل من تنفيذ قوات الاحتلال قرار الانسحاب من العراق"، مشيرا "إلى قدرة هذا الشعب على منع الفتنة وتكريس وحدته على قاعدة أصالته الحضارية وعمقه الإسلامي"، مشددا "أن هذا الشعب لا بد من أن يفهم الإدارة الأمريكية الجديدة أن المدخل الخطأ في مقاربة قضاياه المصيرية لن ينفتح إلا على مزيد من الفشل والمزيد من الأحذية التي تسقط كل المشاريع الاستكبارية ضد الشعوب ومصالحها".
كلام آية الله فضل الله جاء في تعليق على الزيارة الأخيرة للرئيس الأمريكي إلى العراق وقال:"مرة جديدة يحاول الرئيس الأمريكي، جورج بوش ـ من خلال زيارته الأخيرة للعراق ـ الإيحاء بتحقيق الانتصار في هذا البلد، وخصوصا بعد توقيع الاتفاقية الأمنية المفروضة على الشعب العراقي الأبي والمسلم، في الوقت الذي يعرف العالم كله أن الفشل هو العنوان الكبير لكل السياسة الأمريكية التي قادها المحافظون الجدد، وفي مقدمهم هذا الرئيس الذي يطوي صفحاته الرئاسية الأخيرة على حصيلة هائلة من الجرائم التي ارتكبها جيشه في العراق، وشاركته فيها جماعات التكفير التي وفر لها الأجواء لسفك الدماء وتشريع البلد أمام الفوضى والفتن المذهبية والعرقية، بهدف إيجاد المبررات لاستمرار قوات الاحتلال جاثمة على صدر العراق والعراقيين والمنطقة بعامة".
وتابع: "نحن نعرف أن السياسات الأمريكية المتعاقبة في المنطقة كانت، ولا تزال، سببا أساسيا في عدم استقرارها وإبقائها أسيرة التجاذبات والصراعات والحروب والاحتلال، بهدف إبقاء السيطرة الغربية على كل مقدراتها والعبث بحاضرها ومستقبلها. وقد بات من المعروف أن الإدارة الأمريكية هي التي وفرت الدعم والحماية للنظام العراقي البائد، وذلك بهدف تأمين الأرضية لتنفيذ سياستها الاستكبارية ضد كل شعوب المنطقة، بدءا من إشعال الحرب ضد إيران ووصولا إلى احتلال الكويت وتهديد دول الخليج، فضلا عن سياسة الطغيان والقتل والتدمير التي مارسها هذا النظام ضد شعبه".
وقال:"لقد أصبح العالم كله يعرف أن الشعب العراقي يرفض الاحتلال، ابتداء من الاحتلال البريطاني في القرن الماضي، وانتهاء بالاحتلال الأمريكي والأجنبي في القرن الحالي، وأن الفشل هو عنوان النتائج التي سيحصدها كل من يخطئ في التعامل مع شعوب المنطقة، من خلال منطق الاحتلال والاستعباد ومصادرة الثروات. وأن على جميع الدول وقياداتها التي تتحرك بمنطق الاستكبار ضد شعوبنا العربية والإسلامية، أن يصغوا جيدا إلى نبض هذه الشعوب، والتي لا تزال تثبت أنها شعوب عصية على كل أشكال الإلغاء، وأنها مهما تصاعد الضغط عليها في ظرف فإن المستقبل ينفتح بها على الحرية التي تبقى حرية النفس والعقل والوجدان، كما قال الإمام جعفر الصادق (ع): "إن الحر حر على جميع أحواله، إن نابته نائبة صبر لها، وإن تداكت عليه المصائب لم تكسره، وإن أسر وقهر واستبدل باليسر عسرا".
واضاف:"إن الولايات المتحدة الأمريكية، بكل إداراتها، دولة تسعى إلى تحقيق مصالحها الاستراتيجية في العالم، ولن تكون صديقة مخلصة لأي دولة إلا من خلال تأمينها لمصالحها الامبراطورية وسيطرتها وحتى في هذه الحالة، فإن هذه الصداقة مؤقتة ومرتبطة باستمرار هذه المصلحة، كما أنها الدولة التي لا تحترم وعودها وتعهداتها، ولا حتى القانون الدولي، وهذا ما لاحظناه في موقفها من الشعب الفلسطيني الذي عملت على إسقاط قضيته في مدى تاريخ تعاطيها معها، وهو ما نلاحظه في التصريحات التي بدأت تؤشر إلى البقاء طويلا في العراق، بالرغم من توقيع الاتفاقية التي تتحدث عن الانسحاب من المدن في حزيران المقبل، وصولا إلى الانسحاب الكامل في عام 2011، ما يفرض على شعبنا في العراق الذي وضعه الاحتلال بين خيارين أحلاهما مر، أن يبقي الموقف ثابتا في رفض الاحتلال، وأن لا يسقط تحت وهم الحاجة إلى قوات الاحتلال لتدريب الجيش العراقي أو للمحافظة على الأمن، فإن الواقع ينفتح على أكثر من خيار في هذا المجال، وخصوصا أن الاحتلال كان هو السبب الرئيس في الفوضى والاهتزاز الأمني. ولا بد لهذا الشعب من أن يظل يعمل على تكريس الوحدة الداخلية بما يؤكد أصالته الحضارية وعمقه الإسلامي، وأن يفهم الإدارات الغربية، ولاسيما الإدارة الأمريكية الجديدة، أن المدخل الخطأ في مقاربة قضاياه المصيرية، كما قضايا المنطقة، سوف لن ينفتح إلا على مزيد من الفشل والمزيد من الأحذية التي تسقط كل المشاريع الاستكبارية ضد الشعوب ومصالحها".