بيلمار ـ ٢: عناصر تعزز الصلة بين اغتيال الحريري واغتيالات أخـرى و"قضية إضافية" والتعاون السوري مرضٍ
جريدة السفير - 3/12/2008
واصل القاضي دانييل بيلمار رئيس فريق التحقيق الدولي في قضية اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق الشهيد رفيق الحريري التمسك بسياسة السرية المطلقة وذلك في تقريره الأخير الذي قدمه الى أعضاء مجلس الأمن الدولي، أمس، حول التقدم الذي حققته اللجنة حتى الآن في جريمة الاغتيال وفي عشرين جريمة أخرى شهدها لبنان على مدى السنوات الأربع الماضية.
كما سعى المحقق الكندي إلى التقليل من سقف التوقعات في أعقاب إعلان الأمين العام بان كي مون أن المحكمة الخاصة لملاحقة المشتبه في تورطهم في اغتيال الحريري ستكون جاهزة للعمل في الأول من آذار المقبل. وأوضح بيلمار أن ذلك الإعلان لا يعني سوى أنه سيتولى منصبه رسميا كمدع عام في ذلك التاريخ واستعداد أجهزة المحكمة للعمل، ولكنه سيواصل تحقيقه وجمع الأدلة قبل إعداد قرارات الاتهام والتي سيقدمها أولا لقاضي تحقيق لإقرارها قبل تأكيدها ومن ثم مثول المتهمين المحتملين أمام المحكمة في موعد لم يتحدد بعد.
وفي ما عدا القول أن "تقدما قد تحقق"، اكتفى بيلمار في تقريره الثاني منذ توليه منصبه خلفا للبلجيكي سيرج براميرتز في مطلع العام الحالي، بالكشف عن عموميات من دون الخوض في أي تفاصيل بزعم الحفاظ على سرية التحقيق وحماية الشهود والأدلة. وفي هذا الإطار، قال بيلمار أنه توصل إلى "أدلة جديدة قد تسمح للجنة بربط أفراد إضافيين إلى الشبكة" التي قامت بتنفيذ عملية الاغتيال، والتي أطلق عليها اسم "شبكة الحريري". ووصف بيلمار المسؤولين عن الهجوم بأنهم "محترفون واتخذوا إجراءات عدة من أجل التغطية على مسارهم وإخفاء هوياتهم".
كما كشفت اللجنة المزيد من الأدلة التي من شأنها تحديد المكان الذي أتى منه الشخص الذي يشتبه في قيامه بتنفيذ الهجوم الانتحاري، وكذلك معلومات إضافية بشأن أنواع المتفجرات التي تم استخدامها في عمليات الهجوم بما في ذلك بصمات وتحليلات حامض نووي قد تساهم في الكشف عن هوية منفذي التفجيرات.
وأضاف بيلمار أن اللجنة كشفت كذلك عناصر إضافية تعزز من الصلة بين الهجوم الذي تعرض له الحريري وعمليات اغتيال أخرى تتولى اللجنة التحقيق فيها، بما في ذلك قضية إضافية رفض الكشف عنها أيضا بزعم الحفاظ على سلامة التحقيق. كما تسلمت اللجنة كذلك سلاحا يعتقد أنه استخدم في اغتيال الوزير السابق بيار الجميل وتم إرساله إلى معامل في الخارج للتيقن من أنه السلاح المستخدم بالفعل في الجريمة. وبينما أشاد تقرير بيلمار باستمرار تعاون السلطات اللبنانية مع التحقيق الدولي، فإنه وصف التعاون القائم مع سوريا بأنه كان "مرضيا بشكل عام".
ولكن اللافت للانتباه في تقرير بيلمار كان سعيه التقليل من شأن إعلان بان كي مون استعداد المحكمة للعمل في مطلع آذار. وقال بشكل مباشر "إن اللجنة تشعر بحساسية من حقيقة أن بدء أعمال المحكمة والانتقال المقبل (من بيروت) إلى لاهاي (حيث مقر المحكمة) قد رفع التوقعات إلى أعلى مستوياتها. وهذه التوقعات تقوم على أن قرارات الاتهام التي تتضمن أسماء المتورطين سيتم تقديمها فور الانتهاء من عملية الانتقال إلى المحكمة. وعلى الرغم من أن هذه التوقعات مفهومة، فإن هذا الانتقال لا يعني في الحقيقة أن التحقيق قد اكتمل". وأضاف بيلمار "إن اللجنة تتفهم إحباط الشعب اللبناني وانعدام اليقين بشأن الوقت اللازم لاستكمال التحقيق. ولكن لا يوجد أمام اللجنة سوى التمسك بالتزامها بأن لا يقود عملها سوى الحقائق والأدلة وأن تقوم بتحقيقها وفقا للمعايير الدولية".
كما أشار المحقق الكندي في موقع آخر من التقرير إلى أنه سيواصل عمله من أجل »جمع أدلة من شأنها دعم قرارات الاتهام التي سيقدمها للمحكمة". وجاءت إشارة بيلمار أنه لن "يقدم قرارات اتهام حتى يشعر المدعي العام بالرضا بأن هناك أدلة كافية لتحقيق المستوى القانوني المطلوب" وأنه سيقدم القرارات الإتهامية هذه إلى قاضي التحقيق من أجل الموافقة عليها أولا قبل الكشف عنها، لتؤكد أن ما كان يعنيه بان كي مون في أعقاب لقائه رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة في قطر، قبل يومين، بشأن بدء المحكمة في مطلع آذار المقبل لا يعني سوى أن أجهزتها المختلفة من قضاة ومدع عام وموظفين سيكونون جاهزين للعمل، ولكن ليس بالضرورة بدء المحكمة فعليا ومثول المتهمين المحتملين أمام القضاة في محكمة علنية.
وأضاف بيلمار في خلاصة التقرير أنه ما "زال هناك حجم كبير من التحقيقات الإضافية المطلوب القيام به في كل القضايا التي تتولاها اللجنة. وسيحتاج المدعي العام إلى مواصلة التحقيق في هذه القضايا فور توليه منصبه من أجل تحديد أي من القضايا مرتبطة بقضية الحريري وذلك وفقا لقانون المحكمة". كما أكد بيلمار في تقريره أنه سيطالب مجلس الأمن بتمديد مهمة عمل لجنة التحقيق لمدة شهرين إضافيين وذلك قبل أن يتولى رسميا منصبه كمدع عام للمحكمة في مطلع آذار المقبل. وكان من المفترض أن تنتهي مهمة لجنة التحقيق رسميا بنهاية العام الحالي.
ومن المقرر أن يجتمع مجلس الأمن غدا الخميس لمناقشة التقرير، كما سيأتي بيلمار شخصيا إلى مقر الأمم المتحدة في السادس عشر من الشهر الجاري من أجل تقديم ملخص لتقريره والإجابة على أسئلة أعضاء المجلس بشأن الخطوات المقبلة في التحقيق وفي عمل المحكمة.
وأشار بيلمار في تقريره الى أن عمل اللجنة تعطل إلى درجة كبيرة إثر الأحداث الأمنية التي شهدها لبنان في أيار الماضي، حيث تم تقييد حركة فريق التحقيق وتأجيل عدد من المقابلات التي كان من المقرر إجراؤها. وأضاف أنه على الرغم من تحسن الأجواء الأمنية في الأسابيع الأخيرة "فإن المناخ الأمني في لبنان والمنطقة يبقى هشا. ونتيجة لذلك فإن حركة أفراد اللجنة تبقى محظورة في بعض المناطق".
وكشف بيلمار أنه تم اتخاذ إجراءات إضافية لتأمين وحماية اللجنة وأفرادها. كما رحب التقرير بتمسك الرئيس اللبناني العماد ميشال سليمان والحكومة الجديدة بدعم عمل المحكمة وفقا لما ورد في بيانها الوزاري الذي أقره البرلمان اللبناني.
ونظرا لأهمية الشهود والمصادر السرية الذين تعتمد عليهم اللجنة في تحقيقها، أشار التقرير الى أنه تمت مراجعة الإجراءات اللازمة لتوفير جو آمن لأي شهود محتملين قد تكون حياتهم في خطر. كما أعرب عدد من الدول، لم يسمها بيلمار بالطبع عن استعدادها للتعاون مع اللجنة في توفير ملاذ آمن للشهود الذين يحتاجون للحماية.
ورغم إشارة التقرير إلى أن التعاون الذي لقيته اللجنة من عدة دول طلبت مساعدتها كان مرضيا، فإن بيلمار قال في تقريره أنه واصل مواجهة "مصاعب في الحصول على معلومات حساسة في إطار جمع الأدلة". وأضاف في ما يشبه الانتقاد المبطن لدول لم يسمها أن اللجنة "على دراية بالأعباء التي تواجهها الدول لدى استجابتها لمطالب اللجنة. وبينما تمت الاستجابة للغالبية العظمى من مطالب اللجنة في توقيت مناسب وبشكل شامل، فإن اللجنة تشير إلى أن أي إجابة متأخرة أو غير كاملة ستؤدي إلى إبطاء التقدم في التحقيق". وأضاف أن تحديا آخر يواجه لجنة التحقيق هو حاجتها للمزيد من الخبراء في مناطـق متخصصة تتعلق بعملها.
وفي ما يتعلق بالتحقيق في قضية اغتيال الحريري، قال بيلمار إن عمل اللجنة خلال الفترة الماضية، والتي استمرت ثمانية شهور، تضمن القيام بالمزيد من الاختبارات الشرعية وجمع وتحليل المعلومات من العديد من المصادر وإجراء ٢٢٨ مقابلة.
وقال بيلمار إن "تقدما قد تحقق. ولكن توصيف جوانب محددة من ذلك التحقيق يعني كذلك الكشف عن هوية الأشخاص الذين قد يكون بحوزتهم معلومات على صلة بالتحقيق وتعريض حياتهم للخطر. كما قد يهدد مسار التحقيق وذلك لأنه سيؤدي إلى الإعلان عن الخطوات المقبلة للجنة". وأضاف أن ما جمعته اللجنة في إطار تحقيق الحريري أدى إلى الكشف عن هوية المزيد من الأفراد الذين قد يكونون مرتبطين "بشبكة الحريري". كما أكدت التحقيقات ارتباط أفراد شبكة الحريري بهجمات أخرى تعرض لها لبنان في الأعوام الماضية.
ومن أجل تحديد هوية الشخص الانتحاري المشتبه في قيامه بالهجوم، قامت اللجنة بجمع المزيد من عينات من التربة والرمال والمياه من دول مجاورة. كما واصلت اللجنة متابعة التعاملات المالية التي قد تساعد في الكشف عن تفاصيل عملية الاغتيال، وأدى التحقيق في هذا المجال إلى الكشف عن أدلة تتم متابعتها. كما انتهت اللجنة من مراجعة الأدلة التي بحوزة السلطات اللبنانية والتي بلغ عددها عشرة آلاف، منها سبعة آلاف تتعلق بعملية الحريري فقط.
وفي ما يتعلق بالقضايا العشرين الأخرى التي تحقق بها اللجنة بناء على طلب السلطات اللبنانية ومجلس الأمن، قال التقرير أن التحقيق في هذه القضايا يدعم التحقيق الجاري في عملية اغتيال الحريري. وأضاف أنه تم الكشف عن المزيد من العناصر التي تؤكد وجود صلة بين اغتيال الحريري وبعض عمليات الاغتيال الأخرى بما في ذلك قضية إضافية "ولكن مع الوضع في الاعتبار حساسية هذه المنطقة من التحقيق، فإنه لن يتم توفير أدلة في هذا التوقيت".
ومن المتوقع كذلك أن يصل قريبا تقرير يقارن بين المتفجرات التي استخدمت في عملية الحريري والمتفجرات التي استخدمت في العمليات الأخرى. كما أن التحاليل الشرعية التي جرت في خمس عمليات اغتيال كشفت عن أدلة جديدة تتعلق بالحمض النووي والبصمات تم رفعها من السيارات التي استخدمت في الهجمات. وفي ما يتعلق بعملية التفجير في عين علق، أشار التقرير إلى أنه تم توجيه الإتهام إلى ٢٩ شخصا يعتقد أنهم على صلة بالهجوم.
وحول التعاون مع السلطات اللبنانية، قال التقرير أن المدعي العام للبنان يبقى الطرف المقابل الأساسي في التعامل مع اللجنة، واستجاب لزيادة مضطردة في عدد طلبات التعاون التي تم تقديمها له. وتم توجيه الشكر للسلطات اللبنانية على تعاونها. ولكن في ما قد يبدو تلميحا إلى قضية الضباط الأربعة وتمسك بيلمار، ومن قبله براميرتز، بإخلاء مسؤولية اللجنة عن استمرار اعتقالهم، قال التقرير إن "اللجنة تواصل مشاركة السلطات اللبنانية في محتوى كل المعلومات ذات الصلة التي يتم جمعها. وتقر اللجنة بأنه تبقى السلطة المطلقة للسلطات اللبنانية في تحديد الأشخاص المطلوب اعتقالهم أو الإفراج عنهم. وفي هذا الشأن، واصلت اللجنة توفير المعلومات التي تحتاجها السلطات اللبنانية من أجل اتخاذ قرار مستقل بشأن قضايا الاعتقال من دون العودة للجنة. كما قدمت اللجنة آراءها في ما يتعلق بهذه القضايا (الاعتقال) إلى المدعي العام".
أما في ما يتعلق بتعاون سوريا، قال التقرير إن اللجنة تقدمت بأربعة وعشرين طلب تعاون إلى دمشق، كما سهلت سوريا تسع زيارات لأعضاء من اللجنة إلى أراضيها. وبينما أشار بيلمار إلى رضاه بشكل عام عن تعاون سوريا، فإنه أشار إلى أن اللجنة "ستواصل مطالبة سوريا بالتعاون الكامل من أجل تنفيذ مهمتها"، وأضاف التقرير أن اللجنة قدمت ٦١٩ طلب مساعدة في التحقيق منذ نيسان الماضي، منها ستة وتسعون طلبا لأربعين دولة عدا لبنان وسوريا. وشكرت اللجنة هذه الدول على "التزامها بالعمل معها وتجدد طلبها بتوفير إجابات كاملة وفي وقت سريع"..