سليمان دعا أمام مؤتمر "حوار الأديان" لإنجاز سلام عادل وشامل في الشرق الأوسط: لبنان بلد التعايش وحوار الثقافات
وكالات - 12/11/2008
أكد رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ان للبنان "مَيِّزاتٍ فريدةً لم تنلْ منها الصعابُ التي امتَحَنتْ إرادَتنا بالعيشِ معاً في وطنٍ واحد، غنيٍّ بتنوعهِ وراسخٍ في الانتماءِ العربي ومتفاعِل مع ثقافاتِ العالم". واضاف ان هذه الميّزات "أهّلتْهُ وما تزال أن يكونَ المجالَ الأرحبَ والأخصبَ للحوار بين الأديانِ والثقافاتِ، في خدمةِ العَالمَيَن العربي والإسلامي، بل لمصلحةِ العالمِ كُلِّه".
وفي الكلمة التي القاها سليمان امس، باسم لبنان امام الجمعية العامة للامم المتحدة في الاجتماع الرفيع المستوى حول الحوار بين الثقافات والاديان اكد "على طموح لبنان بأن يصبح مركزاً دولياً لإدارةِ حوارِ الحضاراتِ والثقافاتِ، وأن يصبحَ بالتالي مُختَبَراً عالمياً لهذا الحوار الكياني". وقال: يبدو لبنان كضرورة وكحاجة للشرقِ والغربِ، ويستحقُّ من المجتمع الدولي كلَّ دعمٍ وتأييد. وهذا الدعم، الذي نلمَسهُ على أكثر من صعيد، لا يمكنُه إلا أن يتعززَ عن طريقِ إنجازِ سلامٍ عادلٍ وشاملٍ في الشرقِ الأوسط استناداً لقراراتِ الأممِ المتحدة ومبادرةِ السلامِ العربيّة بكاملِ مُندرجَاتِها ووفقاً لروحِ العدالة التي هي في جوهرِ الأديان.
وفي ما يلي نص الكلمة التي ألقاها رئيس الجمهورية امام الجمعية العامة:
"مرّة أخرى نلتقي في إطارِ الجمعيّةِ العامة للأمم المتحدة، وتحتَ بندِ "ثقافةِ السلام"، من أجل تعزيزِ الحوارِ والتعاونِ بين أهلِ الثقافاتِ المتنوّعةِ، والمنتمينَ إلى أديانَ متعددةٍ، ولنؤكدَ اهتمامَنا كمجموعةٍ دوليّة، بالسعي إلى التفاهمِ في مساحات التعارفِ والتفاعلِ والاحترامِ المتبادل، على قاعدةِ العدلِ والحقِ والمساواة.
غيرَ أنَّ اجتماعَنا اليوم، بناءً لدعوةٍ من رئيسِ الجمعيّةِ العامة، يتّسمُ بأهميةٍ خاصة لأنّه يلتئمُ على هذا المستوى الرفيع، وتجاوباً مع مبادرةِ خادمِ الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، الذي سبقَ له أن أطلقَ في مدريد في تموز الماضي، مسيرةَ حوارٍ وتعاون وتضامن، انضمَّ إليها الكثيرون ليسعوا معاً في طريقِ تحقيقِ المقاصدِ الإنسانيّة المشتركة وبناءِ علاقاتِ التسامحِ والقبولِ المُتَبادَل واحترامِ الخصوصياتِ الدينيّة والثقافيّة.
ويقوى اهتِمامُنا المشتَرك بالدعوةِ إلى الحوار والتزامِ أخلاقياتِه بظلِّ حراجةِ الأوضاعِ التي تَعرفُها العلاقاتُ بينَ الأمم، وداخلِ العديدِ منها.
ولقد تعاظمَ هذا الاهتمامُ نتيجةَ القلقِ من الظواهرِ الموسومةِ بالعنفِ الطائفيِّ والإثني والإرهابِ والتخويفِ والإكراهِ وتشويهِ الصورةِ والسمعةِ والاعتداءِ على الكرامات. فرأتْ الأسرة الدوليّة أنَّ تضافرَ الجهودِ لوضعِ المُغايَرةِ الدينيّة والثقافيّة في نصابِها، وتوسيعِ آفاقِ التفاهمِ ليسَ ترفاً ولا شأنَ فئةٍ مثقفةٍ دون سواها، بل قضيةً حيويّة تعني الجميعَ وملحّةً لا تحتملُ الانتظارَ أو الترددَ.
ولأجلِ ذلكَ لا بُدَّ لنا من الاستعانةِ بالحوارِ الحقّ، حوارُ الأفكارِ وحوارُ القلوب، لإرساءِ علاقاتٍ بين أهلِ الأديان والثقافاتِ المتنوعة على مداميكِ الوعي للمشتركاتِ والاعتراف بالخصوصيّات.
لكنَّ الاستعانةَ الطارئةَ بالحوارِ لحلِّ النـزاعاتِ الناشبة، أو المحتملِ انفجارُها، لا تؤدي نتيجةً تذكر ما لم تستند إلى عمليةٍ تراكميّةٍ طويلةٍ تُنسَجُ فيها، بصبرٍ وبشكلٍ منتظمٍ، علاقاتُ الثقةِ والانفتاحِ على الغير، شَرطَ أن يلتزمَ الغيرُ في عُمقِ تفكيرهِ وقناعتهِ وممارستهِ بروحِ الحوارِ الحقِّ المبنيةِ على العدالة. وفي سياقِ هذه العمليّة تكمنُ أهميةُ الجهودِ الثقافيّةِ والتربويّةِ والإعلاميّةِ المرافقةِ للحوار والتي تبذُلها أو تدعمُها منظمةُ الأمم المتحدة وهيئاتُها المتخصصةُ وعلى رأسِها منظمةُ الأونسكو، وتلكَ التي أطلقَها المؤتمرُ العالميُّ للحوار في مدريد والتزمَ بمتابعتِها.
وبالإضافةِ إلى ذلك تبقى فاعليّةُ الحوارِ تحتَ السؤالِ بظلِّ علاقاتِ القوى غير المتكافئة. أكثرَ من ذلك، يؤدي استمرارُ السيطرةِ والقهرِ والتعسّفِ إلى وضعِ صدقيّةِ الحوارِ على المحكّ. ويصحُّ ذلك بالدرجةِ الأولى في مشرقِنا العربي وفي الأراضي المقدّسة. فكيف يمكنُ للحوارِ أن ينمو ويستمرّ حيثُ يستمرُّ الاحتلالُ الإسرائيلي للأراضي الفلسطينيّةِ والعربيّة، ناهيكَ عن الممارساتِ، وحيثُ تُنتهكُ بصورةٍ منهجيّة حقوقُ الشعبِ الفلسطيني الوطنيّةِ والإنسانيّةِ، ومنها حقُّ عودةِ اللاجئين إلى أرضهم وديارهِم، والسعي لفرض توطينهم خلافاً لقراراتِ الأمم المتحدة التي تجمعُنا اليوم، ولروحِ العدالة التي يجب أن ترعى أيَّ حوارٍ قد نصبو إليه. ولذلكَ، فإنّ القدسَ، مدينةُ السلام ولقاءِ المؤمنينِ بأديانِ التوحيدِ السماويّة، لا تحققُ دعوتَها التاريخيّة ما لم يُرفعُ الظلمُ عن أبنائِها وعن شعبِ فلسطين، وما لم يُرفع الاحتلال.
لا يُخفى على أحدٍ من محبي لبنان وعارفيه، وهم ليسوا قلّةً، أنَّ لبلدنِا مَيِّزاتٍ فريدةً لم تنلْ منها الصعابُ التي امتَحَنتْ إرادَتنا بالعيشِ معاً في وطنٍ واحد، غنيٍّ بتنوعهِ وراسخٍ في الانتماءِ العربي ومتفاعِل مع ثقافاتِ العالم. وأنّ هذه المَيِّزَات، فضلاً عن تجربتِنا المتجذّرةِ في تاريخِنا الحديث على صُعُدِ التأليفِ بين الوحدة والتعدد، وبين الحريةِ والاحترامِ المُتَبَادل، وبين الأصالةِ والمُعاصَرة، جعلت منه فسحةَ لقاءٍ وانفتاح. وقد أهّلتْهُ وما تزال أن يكونَ المجالَ الأرحبَ والأخصبَ للحوار بين الأديانِ والثقافاتِ، في خدمةِ العَالمَين العربي والإسلامي، بل لمصلحةِ العالمِ كُلِّه.
ولقد أتيحَ لي في كَلمتي أمامَ الجمعيةِ العامة للأممِ المتحدة في أيلولَ الماضي، أن أشيرَ إلى أنّ »فلسفةَ الكيانِ اللبناني تقومُ على الحوارِ والوفاقِ والعيشِ المشتَرَك«، وأن أُؤَكِد على طموحِنا بأن يصبحَ لبنانُ مركزاً دولياً لإدارةِ حوارِ الحضاراتِ والثقافاتِ، وأن يصبحَ بالتالي مُختَبَراً عالمياً لهذا الحوارِ الكياني، علماً بأنّ المادةَ التاسعةَ من الدستورِ اللبناني تنصُّ على أنَّ حريةَ الاعتقادِ في لبنان مطلقةٌ وبأنَّ الدولةَ تحترمُ جميعَ الأديان والمذاهب وتكفلُ حريةَ إقامةِ الشعائرِ الدينيّة تحتَ حمايتها.
إنَّ لبنان، الذي يبرُز كأكثرَ من بلدٍ بل »كرسالةِ حريّة ونموذجٍ في التعدديّة ومساحةٍ للحوار ولتعايش ثقافاتٍ وأديان مختلفة«، كما صَرَّح بذلك البابا الراحل يوحنا بولس الثاني، وأكَّدَ عليه البابا بينيدكتوس السادس عشر، يبدو كضرورة وكحاجة للشرقِ والغربِ، ويستحقُّ من المجتمع الدولي كلَّ دعمٍ وتأييد. وهذا الدعم، الذي نلمَسهُ على أكثر من صعيد، لا يمكنُه إلا أن يتعززَ عن طريقِ إنجازِ سلامٍ عادلٍ وشاملٍ في الشرقِ الأوسط استناداً لقراراتِ الأممِ المتحدة ومبادرةِ السلامِ العربيّة بكاملِ مُندرجَاتِها ووفقاً لروحِ العدالة التي هي في جوهرِ الأديان.
نلتقيَ اليوم لنجددَ رفضَنا لصدامِ الجهالاتِ ونؤكدَ إرادتَنا العملَ معاً في مجالاتِ الأخلاقِ والثقافةِ والسياسةِ والعلاقاتِ الدوليّة السليمة. ولقاؤُنا في هذا المكان، بكلِّ ما يرمزُ إليه، دعوة كي نتذكرَ معاً أنّ بين اختيارِنا نهجَ الحوارِ وثقافته، وتعهدِنا التزامَ ميثاقِ الأمم المتحدة علاقةً وثيقة. وعندي أنّ هذه الدعوة تستعيدُ أيضاً ما يشدُّ لبنانَ إلى الإعلانِ العالمي لحقوقِ الإنسان الذي ساهمنا في صياغَتِه وإلى المنظمةِ الدوليّة نَفسِها، التي وقفتْ إلى جَانِبه دفاعاً عن حريتهِ واستقلالهِ وسيادتهِ واستقرارهِ، ليبقى بلداً وفياً لذاته وشاهداً على الخصوبةِ التي يَعِدُ بها لقاء الأديان وحوارُ الثقافات المبني على احترامِ المبادئِ والقيمِ التي تتوخّى الخيرَ للبشريّة جمعاء«.
وكان الرئيس سليمان قد وصل الى نيويورك، عند الساعة السادسة بالتوقيت المحلي، الاولى فجر اليوم بتوقيت بيروت، على رأس وفد رسمي ضم وزراء الخارجية فوزي صلوخ والاعلام طارق متري والدولة لشؤون التنمية الادارية إبراهيم شمس الدين والدولة وائل ابو فاعور، إضافة الى وفد إداري وإعلامي، وانضم الى الوفد اللبناني سفير لبنان في الامم المتحدة نواف سلام.