مصالحة أمنية لبنانية ـ سورية ... والبقية للحكومة!
جريدة السفير اللبنانية - 11/11/2008
شكّلت زيارة وزير الداخلية المحامي زياد بارود إلى دمشق، خرقا سياسيا لجدار الشك وانعدام الثقة بين البلدين منذ أكثر من ثلاث سنوات، وفتحت الباب للمرة الأولى أمام وضع اليد على الجرح "الأكثر إيلاما" في الاتجاهين، وهو مسار يفترض أن يكون سياسيا وأمنيا وغير مرتبط بأي مواسم أو حسابات داخلية أو خارجية، ذلك أن الملف الأمني واحد ولو تشعبت عناوينه، كما أن العدو الخارجي واحد، ولو تعددت أشكال مواجهته، فيما يفترض أن يكون جدول أعمال المصالح المشتركة بين البلدين أكبر من الشكليات ومن الانفعالات والخلافات الآنية التي أدت إلى تضييع الأساسي في مرحلة من المراحل.
لجنة متابعة وتنسيق لبنانية سورية
في هذه الأثناء، قرر وزيرا الداخلية اللبناني زياد بارود ونظيره السوري اللواء بسام عبد المجيد، »تشكيل لجنة متابعة وتنسيق لبحث السبل المؤدية إلى تفعيل التعاون والتواصل بين الوزارتين، تكون مهمتها اقتراح أسس التعاون والتنسيق في مكافحة الإرهاب والجرائم بأنواعها المختلفة، ووضع آلية مشتركة لضبط الحدود. وإعداد مشروع مذكرة تفاهم للتعاون والتنسيق الأمني في مجال اختصاص الوزارتين ورفعها للجهات المختصة دستوريا لإقرارها"، وتداول الجانبان "ما تناقلته وسائل الإعلام حول اعترافات الموقوفين في تفجير القزاز في دمشق في تاريخ ٢٧/٩/،٢٠٠٨ فأكدا "إدانة هذه الجريمة النكراء وكل الجرائم الإرهابية، وبناء على طلب الجانب اللبناني تم التوافق على متابعة الموضوع وتبادل المعلومات من خلال المراجع المختصة".
ومثلما بدا أن قضية مواجهة الإرهاب هي قضية لبنانية وسورية مشتركة بل ودولية في آن معا، فإن مطلب إعادة تطبيع العلاقات اللبنانية السورية، بات مطلبا دوليا بامتياز، وجزءا من مسار تطبيق اتفاق الدوحة الذي تضمن إعادة تأكيد الإجماع اللبناني على اتفاق الطائف وبالتالي على ما تضمنه من تأكيد على أهمية قيام علاقات مميزة بينه وبين سوريا.
وتحت هذا السقف السياسي الواضح، فرض جدول الأعمال الأمني اللبناني السوري نفسه، عبر استعراض التحديات الأمنية التي تواجه البلدين أو محاولة إبراز "جدول الأعمال السيادي اللبناني" وخاصة ما يتعلق بالحدود.
وقالت مصادر رسمية لبنانية لـ"السفير" إن الوزير بارود عاد بانطباع مفاده أن الزيارة "نجحت في كسر الجليد والحواجز، كما في مقاربة الملفات الأمنية الشائكة القائمة، والتي يفترض أن تحصل لها متابعة تفصيلية لاحقا، ما يؤمن تطبيع العلاقات بشكل سليم وهادئ بعيدا عن المزايدات والحسابات وبما يؤمن مصلحة حقيقية وقد تكتم الوزير زياد بارود حول تفاصيل المحادثات مكتفيا بالقول لـ"السفير" إن جو الزيارة كان وديا وايجابيا وصريحا جدا، وحقق ما يفترض انه لمصلحة البلدين في معالجة الإشكالات الأمنية القائمة، وبكل لباقة، وهو ما يفترض أن تتم متابعته عبر لجنة لمتابعة الأمنية التي تقرر تشكيلها بعد موافقتي الحكومتين.
وقالت مصادر رسمية مواكبة لـ"السفير" إن زيارة بارود والمواضيع التي طرحت خلالها »إنما تمت بناء لروحية وسياق القمة الرئاسية اللبنانية ـ السورية في أيلول الماضي"، وأكدت "انه لا مبرر لإطلاق النار على الزيارة ولا للخوف منها، خاصة أنها تمت بقرار من مجلس الوزراء وبعد بث شريط الاعترافات لعناصر الشبكة الإرهابية، ولو كان هناك أي محظور من الزيارة لما كان مجلس الوزراء ليوافق عليها".
أضافت المصادر أن الزيارة لم تسفر عن تشكيل أي لجان أمنية بل هي شكلت لجنة متابعة لدرس كل النواحي الأمنية المشتركة وبعد موافقة مجلس الوزراء على الخطوات التي ستتقرر، وأوضحت أن لجنة المتابعة ستقترح المعالجات على المرجعيات الدستورية المختصة، كما أن متابعة المواضيع التي أثيرت ستتم عبر المراجع المختصة في البلدين، خاصة المراجع القضائية، لان ما اتفق على متابعته، بما في ذلك التحقيقات مع أفراد الشبكات الإرهابية له وجه قضائي، عدا عن المرجعيات الأخرى المتعلقة بنواحي النقل والعبور وتنقل الأفراد، ما يعني وجود مشاركة من قبل وزارات أخرى في أي عمل مشترك، وبخاصة وزارتي العدل والأشغال العامة والنقل. ولن تتم أي خطوة قبل موافقة المرجعية المختصة عليها.
وأوضحت المصادر انه لم يجرِ بحث أي أمور إجرائية تفصيلية، وان وزير الداخلية سيطلب كل المعطيات الأمنية المتعلقة بشبكات الإرهاب من خلال المرجعيات المختصة العدلية والقضائية والأمنية، وذلك في وقت قصير لأن هناك مصلحة للجانبين اللبناني والسوري في مواجهة الإرهاب وضبط الحدود والمعابر".
وأشارت المصادر إلى أن الجو السوري كان ايجابيا جدا ومتعاونا جدا ولم يتوقف عند الشكليات والمشكلات السابقة "بحيث لم يشكل وجود المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء اشرف ريفي ضمن الوفد أي حساسية بل كان وجوده طبيعيا وضروريا، ولم يكن هناك أي مطلب سوري خاص من لبنان، كما لم يكن هناك أي مطلب لبناني خاص من سوريا، بل تم التوافق على العمل من خلال مؤسسات الدولتين في كل المجالات الأمنية".
ولوحظ أن اللواء ريفي ظهر للمرة الأولى في لقاء رسمي ببزته المدنية، علما بأنه يحرص دائما على الظهور بالزي العسكري الرسمي بما في ذلك أثناء استقبال الوفود الأميركية في مقر المديرية العامة للأمن الداخلي.
وعلمت "السفير" أن مشاركة اللواء ريفي تحديدا استدعت مشاورات داخلية على أعلى المستويات، خاصة من جانب رئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي حث على وجوب أن تتمثل ضمن الوفد المرجعيتان الأمنيتان الأساسيتان، وهما قيادتا قوى الأمن الداخلي (اللواء ريفي) والأمن العام (اللواء وفيق جزيني)، وقد تجاوب قادة الموالاة وخاصة النائب سعد الحريري ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة مع رغبة رئيس الجمهورية في هذا الإطار.