وأمكن للأجهزة العسكرية والأمنية اللبنانية، خاصة في ضوء نتائج التحقيقات السورية، والتي تقاطعت في جزء منها مع التحقيقات اللبنانية، أن ترسم ما يشبه الهيكلية التنظيمية الكاملة لبنية تنظيم "فتح الاسلام" ولعدد كبير من مجموعات "القاعدة" التي تعمل في لبنان، وبالتالي، يمكن القول حسب مرجع عسكري إن هناك عملية أمنية قد بدأت ولن تتوقف قبل القضاء على بنية هذه المجموعات بكاملها.
في هذا السياق، اجتاز مخيم البداوي قطوعاً أمنياً خطيراً بعد أن استدعت اعترافات عناصر "فتح الإسلام" في سوريا تسريع تنفيذ قرار توقيف عدد من المطلوبين للأجهزة الأمنية اللبنانية في المخيم، بغض النظر عن الظروف التي فرضت قضية التوقيف الصباحي وما سبقها من إشكال عندما حاولت قوة من اللجنة الأمنية والفصائل الفلسطينية عند الساعة الثامنة من صباح أمس اعتقال الفلسطيني راشد سعيد (٣٧ عاماً) المطلوب للقوى الأمنية الفلسطينية، أثناء وجوده في متجره المعد لبيع الفحم في الحي التحتاني في المخيم، حيث حصل تبادل إطلاق رصاص مع شخصين مطلوبين أيضاً للأجهزة الأمنية اللبنانية بعد أن ظنا أنهما مستهدفان بحملة الاعتقال وأدى إلى مقتل شخص لا علاقة له بالقضية كان داخل متجره.
وقد ضربت القوة الفلسطينية طوقاً أمنياً حيث سلم كل من خالد جبر ونادر العلي نفسيهما، قبل أن يصار إلى تسليمهما لاحقاً إلى مخابرات الجيش اللبناني، من أصل أربعة أشخاص تلاحقهم مخابرات الجيش في سياق التحقيقات المتعلقة بقضية "فتح الاسلام" وشبكة جوهر والتفجيرات التي استهدفت الجيش اللبناني في طرابلس، وكانوا يستمهلون لإنجاز الإجراءات القانونية خصوصاً لجهة تكليف محامين.
وكان الملاحظ أن مخيمي البارد والبداوي انشغلا في التمحيص بالصور التي بثها التلفزيون السوري للأشخاص المتهمين بتورطهم في تفجير دمشق في ٢٧ أيلول الماضي وبالانتماء إلى تنظيم "فتح الإسلام"، وفي الأسماء التي وردت في الاعترافات التي أدلى بها البعض، لمعرفة ما إذا كان بعض هؤلاء قد حضر سابقا إلى مخيمي البارد والبداوي، أو انتظم ضمن مجموعات "فتح الإسلام".
ولم يفض البحث إلى شيء واضح، خصوصا أن ثمة قناعة راسخة بأن هذا التنظيم الذي يأتمر بأوامر قيادة واحدة في لبنان وسوريا على رأسها حاليا، عبد الرحمن محمد عوض الملقب بـ"أبي محمد" ويقيم في مخيم عين الحلوة، "بات قادرا وبسهولة فائقة وبتقنية متقدمة جدا، على تبديل أسماء قادة مجموعاته وكوادره وحتى عناصره، ومنحهم الجنسية والأسماء التي يختارونها، وقد جاءت صور بطاقات الهوية وجوازات السفر الخاصة ببلدان عربية مختلفة والتي عرضت مع كميات كبيرة من الأسلحة لتثبت ذلك، فضلا عن المعلومات التي وردت خلال التقرير بأن الشخص الذي نفذ عملية التفجير ويدعى "أبو عائشة" هو سعودي الجنسية، لكنه دخل إلى سوريا بواسطة بطاقة خاصة باللاجئين الفلسطينيين كالتي تصدر عن وزارة الداخلية اللبنانية، وهو كان قد أقام فترة طويلة في البارد وشارك في المعارك ضد الجيش وتمكن من مغادرة المخيم مع مجموعة شاكر العبسي".
ويقول المتابعون لملف التنظيم ممن كانوا على تماس مباشر معهم في مخيم نهر البارد، أن أحدا ممن راجعوا الوقائع التي جرى بثها، أمس الأول، لم يتعرف على أي من المتهمين المتورطين، باستثناء "أبو عائشة" وإبنة شاكر العبسي (وفاء) التي تم التعرف عليها من الاسم والصوت فقط، وليس من صورتها، كونها كانت منقبة ولم تكن تظهر على أي من المشايخ أو الأشخاص الذين قاموا بمساعدتها خلال وجودها في مسجد دار الأرقم في صيدا.
ويؤكد هؤلاء أن وفاء العبسي هربت مع أولادها الثلاثة من مسجد دار الأرقم في صيدا قبل نحو أربعة أشهر إلى جهة مجهولة، وانقطعت أخبارها بشكل نهائي، ويبدو خلال هذه الفترة أنها تزوجت من ياسر العناد (أحد المتهمين الرئيسيين بالتخطيط لتفجير دمشق) وهو غير معروف في المخيمين، وهي كانت أجرت بعد هروبها بأسبوعين اتصالا بـ"رابطة علماء فلسطين" وأبدت فيه استعدادها لتسليم نفسها للأمن العام اللبناني شرط ترحيلها مع أولادها إلى أي بلد تستطيع العيش فيه بأمان، فكان الرد بعدم ضمان ذلك بعد أن أقدمت على الهروب من المسجد، وبقيت الأمور على حالها إلى أن أشيع عن توقيفها قبل فترة وجيزة على الحدود اللبنانية ـ السورية خلال محاولتها الدخول إلى سوريا بطريقة غير شرعية.
أما في ما يتعلق بالأسماء الأخرى، فيشير المتابعون لملف تنظيم فتح الإسلام إلى أن التجارب السابقة لا سيما خلال مراحل الاتصال بهذا التنظيم ومفاوضته خلال المعركة مع الجيش اللبناني، تظهر أنه كان يتم تبديل الأسماء وتغييرها بحسب الظروف، ويقول هؤلاء إن "أبو مدين" (الرجل الثاني في تنظيم فتح الإسلام) كان لديه ثلاثة أسماء أخرى وهي: "أبو معاذ"، "أبو لؤي"، و"أبو أسامة"، كما أن "أبو يزن" (المسؤول الإداري والمالي في التنظيم) في طرابلس كان يعرف بـ"أبي عمر" في نهر البارد، كذلك فإن عددا كبيرا من كوادر التنظيم كان لها ضمن كل مجموعة اسم مختلف وذلك نظرا للسرية التي كان جميع أعضاء التنظيم يتعاملون فيها حتى بين بعضهم البعض، ويضيف هؤلاء أن المفاوض الأساسي خلال المعركة مع الجيش اللبناني والذي كان يدعى شاهين شاهين، كان يعرف بـ"أبي سلمى" و"أبي أسامة" و"شاهين الشامي".
أما بالنسبة لـ"أبي رتاج" السعودي الذي ورد اسمه في الاعترافات بأنه العقل المدبر في التنظيم، فيؤكد المتابعون أن مواصفاته تنطبق بشكل او بآخر على المدعو "أبي طلحة السعودي" الذي كان يعتبر أحد المراجع الدينية الاساسية في التنظيم، وهو (بحسب المعلومات) كان من ضمن المجموعة الهاربة من المخيم.
ويشير المتابعون الى أن "أبي هاجر" الذي ورد اسمه في الاعترافات على أساس أنه مهندس التفخيخ، هو المدعو عبد الغني جوهر المتهم الأساسي في التفجيرين اللذين استهدفا الجيش اللبناني في شارع المصارف وفي البحصاص طرابلس في ١٣ آب و٢٩ أيلول الماضيين، والفار الى جهة مجهولة والذي تبين أيضا أنه دخل سوريا قبل انفجار القزاز الأخير وعاد بعده مباشرة الى طرابلس.
الحريري
وظل الكشف عن الشبكة من قبل الجانب السوري يتفاعل، خاصة لجهة التوقيت والمضمون، وقد وضعه عدد من قياديي "تيار المستقبل" في خانة "المسرحية التي تولى إعدادها الأمن السوري"، فيما اعتبر النائب سعد الحريري في تصريح أدلى به بعد لقائه رئيس الحكومة الروسية فلاديمير بوتين أن "هذه الاتهامات كاذبة" و"الكلام مردود لمن ذكره". قائلا: "لا أريد الرد عليه وأنا في روسيا، احتراما لهذا البلد. ولكن عندما أعود إلى لبنان، سيكون الرد واضحاً وصريحاً".