آية الله فضل الله: المرحلة المنتظرة هي من أصعب المراحل...المسؤولية تقع على عاتق الرسميين لاجتناب الغام قاتلة
وطنية - 7/11/2008
ألقى آية الله السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات السياسية والاجتماعية والدينية، وحشد كبير من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
"في فلسطين المحتلة، نلتقي بمزيد من الفتاوى العنصرية لمرجعيات الإفتاء اليهودي التي تجيز لليهود الاعتداء على منازل الفلسطينيين، والاستيلاء عليها، وسرقة محاصيلهم، وتسميم آبار المياه الفلسطينية، وقتل الدواب، إلى جانب فتاوى أخرى تبيح لجيش الاحتلال إطلاق النار في شكل مباشر على التجمعات السكانية الفلسطينية،وقد عمل المستوطنون الصهاينة بهذه الفتاوى، فقطعوا أشجارالزيتون،وجرفوا مزارع الفلسطينيين، واعتدوا على العمال الفلسطينيين في بساتينهم وحقولهم، وخصوصا في الخليل، وعاثوا فسادا وقتلا وتدميرا في أماكن عديدة من الضفة الغربية ولا يزالون، مستفيدين من الفرصة التي يؤديها لهم جيش الاحتلال بمنع الفلسطينيين من الرد على العدوان بمثله، أو حتى الدفاع عن النفس، وتذرعِ المسؤولين الصهاينة بأنه ليس في مقدورهم حراسة بساتين الزيتون. وإلى جانب ذلك ينطلق جيش الاحتلال وطائراته ودباباته في عملية وحشية جديدة في قطاع غزة المحاصر، ليرتكب مجزرة جديدة على مرأى ومسمع من العالم الراضي أو الصامت".
اضاف:"ونحن، أمام هذا الواقع العدواني والوحشي، نسأل الأمم المتحدة وأمينها العام: ماذا صنعتم للشعب الفلسطيني؟ وهل أن واجباتكم ومسؤولياتكم تقتصر على إدانة أية عملية يقوم بها هذا الشاب الفلسطيني أو ذاك كرد فعل على جرائم الصهاينة؟ ونسأل دول الاتحاد الأوروبي خصوصا والدول الغربية بعامة، والتي تثير الحديث دائما عن التطرف الإسلامي: لماذا لا تتحدثون عن التطرف اليهودي وعن هذه الفتاوى العنصرية التي لا نعرف مثيلا لها في العالم كله؟،أما العالم العربي الذي لم يرف له جفن، ولم تنطلق منه مواقف ذات وزن تدين الهجوم الأميركي على العمال السوريين في الـ "بوكمال" السورية، فلن نطلب منه ولا من جامعته العربية شيئا، لأنه عالم خاضع على مستوى الأنظمة، ومقهور على مستوى الشعوب. ولكننا نقول للفلسطينيين الذين ابتلوا بعدو غاشم وبأنظمة عربية متخاذلة: إن عليكم أن تعدوا العدة لمواجهة حملات الإرهاب الإسرائيلية بأنفسكم، وأن تقلعوا أشواك الاحتلال بأظافركم، لأنه لا جدوى من التعويل على عالم عربي ماتت فيه النخوة، وعالم إسلامي تضاءلت فيه الهمم، وأعانكم الله على هذه الآلام في عالم لا ضمير له، ولا محرك لوجدانه إلا مصالحه وأطماعه".
وتابع:" وفي المشهد الأميركي، نلتقي بالانتخابات الرئاسية الأميركية، في صورة رئيس جديد يطل على العالم بعد ثمان سنوات من حكم إدارة دموية طاغية، أجازت لنفسها استباحة العالم العربي والإسلامي بحروبها الاستباقية، واستباحة العالم كله بقراراتها الفوقية، فدمرت الاقتصاد الأميركي وعبثت باقتصاد العالم.إننا في الوقت الذي نعرف أن الإدارات الأميركية لا تختلف كثيرا بعضها عن بعض، وخصوصا في الذهنية الإمبراطورية التي تحاول التحكم بالعالم أمنيا وسياسيا واقتصاديا، إلا أننا نعرف أن الولايات المتحدة الأميركية اليوم تختلف كثيرا عنها بالأمس، وخصوصا في بنيتها الاقتصادية والسياسية، وفي المآزق التي تعيشها وخصوصا في أفغانستان والعراق،
ولذلك فنحن نوجه النصيحة للادارة القادمة بان تتوازن في مواقعها لان اعباء الملفات التي تركها جورج بوش الابن ونائبه ديك تشيني هي أعباء ثقيلة تنوء بها أكبر الإدارات، فليس من الحكمة بمكان أن تصنع الإدارة الجديدة عداوات جديدة لها في طول العالم العربي والإسلامي وعرضه، أو أن تجعل إسرائيل في قائمة أولوياتها، لأننا نعرف أن الهموم الأميركية باتت كبيرة جدا، الأمر الذي يفرض على القادمين الجدد وحاملي لواء التغيير أن يتواضعوا قليلا، لأن قواعد اللعبة تغيرت عالميا وفي المنطقة".
اضاف:"وفي هذه المناسبة، نتوجه إلى العراقيين الذين يتعرضون إلى سيل من التهديدات الأميركية في هذه الأيام، لدفعهم إلى التوقيع على الاتفاقية الأمنية مع الاحتلال كيفما اتفق، لنقول لهم إن عليهم أن يصروا على الموقف الحاسم الرافض لأي انتقاص لسيادتهم، والمصر على عدم الإفساح في المجال أمام إقامة أية قواعد عسكرية للاحتلال، بما فيها تلك التي وافقت عليها كردستان التي تتحرك كدولة كردية مستقلة بعيدا من الموقع الاتحادي للدولة العراقية. كما نتوجه إلى العرب والمسلمين، لندعوهم إلى الخروج من دائرة الرهان على أية إدارة أميركية جديدة، لأن هذه الإدارات لا تتطلع إلى المنطقة إلا من نافذتي النفط وإسرائيل، ولذلك فسيبقى العالم العربي والإسلامي بالنسبة إليهم البقرة الحلوب التي تدر نفطها لحسابهم، وتخضع أوضاعها الحيوية لمتطلبات اقتصادهم، وسيواصل هؤلاء الضغط على العالم العربي والإسلامي تحت عنوان الحرب على الإرهاب ما لم يهب العرب والمسلمون هبة الرجل الواحد لانتزاع حقوقهم، وطرد المحتل الغاصب من أراضيهم".
وتطرق الى الوضع في لبنان وقال:"اما في لبنان، فنحن نلتقي بالطلعات العدوانية للطيران الحربي الصهيوني في كل يوم، وبالانتهاكات البرية للعدو من دون أن يحرك هذا العدوان ساكنا في الأمم المتحدة، ولا في تقارير أمينها العام ومندوبيه الذين لا يثيرون الحديث عن انتهاكات العدو المستمرة للقرار 1701، ولا شغل لهم إلا إثارة الحديث عن القرار 1559، في الوقت الذي تأخذ إسرائيل كل حريتها في الاعتداء على سوريا ولبنان، وتنتهك كل القرارات الدولية في جرائمها المتواصلة، من دون أن يحاسبها أحد".
اضاف:"ومن جهة أخرى، فإن الأطماع الإسرائيلية بالمياه اللبنانية وسرقتها لبعض امتداداتها، لا تزال تمثل خطرا على مصادر المياه في لبنان. ولعل أخطر الأمور هو تعطيل مشروع الليطاني الذي جمدته السياسات اللبنانية المعقدة والخاضعة للخطط الدولية، ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية، حتى تتمكن إسرائيل من القول إنها في حاجة لمياهه التي تذهب هدرا إلى البحر، من دون أن ينتفع بها أحد".
ودعا الحكومة اللبنانية إلى "القيام بدراسة واسعة شاملة من أجل القيام بتنفيذ هذا المشروع للشرب والري وتطوير الزراعة للمناطق اللبنانية المحرومة الظامئة، ولا سيما منطقة الجنوب، لأن مسؤوليتها أن تحافظ على الثروة المائية والزراعية والنقدية والاقتصادية التي قد تؤدي إلى توفير ثروة إنمائية في الجانب الاقتصادي قد تكفل للوطن الوصول إلى بعض الموارد التي تساهم في التخلص من المديونية التي كادت أن تدمِّر البلد، لأنها تأكل الإنتاج الوطني بفوائدها الساحقة. إن الحكومة التي لا تقوم بالتخطيط لمشاريعها الإنتاجية، هي حكومة لا ترتفع إلى مستوى المسؤولية عن الدولة والشعب والوطن كله".
وتابع:" وفي الشأن الداخلي اللبناني، يلتقي اللبنانيون، الخاضعون لأكثر من خلفية إقليمية أو دولية أو عقدة طائفية أو حزبية أو مذهبية أو شخصانية، مجددا على طاولة الحوار، بما ينفِّس فيه الكثيرون عن تعقيداتهم الخاصة، وبما يطل على نتائج المعركة الانتخابية القادمة التي قد يسعى أكثر من محور دولي وإقليمي عبرها للتقليل من خسائره، أو لاستدراك مفاعيل ما يحصل في المنطقة والعالم، فيما تسعى محاور أخرى لاستثمار ذلك في حركتها السياسية وغير السياسية تجاه لبنان، في ظل حديث لا ينقطع عن المال السياسي الذي بدأ يزحف إلى الجيوب اللبنانية الخاوية أو غير الخاوية قبل أن يأتي ربيع الانتخابات".
وختم:"إننا نحذر من الآن من ذهاب الأصوات اللبنانية إلى صناديق الاقتراع الإقليمية أو الدولية، ونقول للبنانيين إن المرحلة التي تنتظرهم هي من أصعب المراحل وأعقدها، لأننا نعتقد أن الزلزال الاقتصادي والسياسي الذي يضرب العالم في هذه الأيام ستكون له تردداته في المنطقة وفي لبنان، ولذلك فإن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق من هم في موقع المسؤولية الرسمية قبل غيرهم، لكي يتحلوا بالكثير من الحكمة والمرونة والإخلاص ـ الذي بات عملة نادرة عندنا ـ لاجتناب ما يزرعه الكثيرون من ألغام قاتلة، وللبدء بمسيرة البناء بعدما أكلت مسيرة الهدم الأخضر واليابس، فلم يبق إلا القليل.