عيروت نقيباً لمحامي الشمال: هي نقابة المقاومة في وجه العدو الإسرائيلي الذي لا يزال يحتل جزءاً من أرضنا العزيزة
جريدة الأخبار - 3/11/2008
عبد الكافي الصمد
تجاوز فوز أنطوان عيروت بمنصب نقيب المحامين في طرابلس والشمال في الانتخابات التي جرت أمس، ومعه فهد المقدم، بالعضوية، إطار المعركة النقابية البحتة، وأخذ الاستحقاق طابعاً سياسياً واضح المعالم، بعدما نزلت القوى السياسية على اختلافها بكل ثقلها لدعم مرشح من اثنين بقيا يتسابقان حتى نهاية الشوط، بعد انسحاب ستة مرشحين آخرين كانوا قد أبدوا رغبتهم في الوصول إلى مركز "أم النقابات الشمالية".
وإذا كان واضحاً منذ البداية أنّ عيروت حظي بدعم قوى المعارضة (الرئيس عمر كرامي، الوزير السابق سليمان فرنجية إذ يعتبر عيروت ضمن تيار المردة، التيار الوطني الحر، الحزب السوري القومي الاجتماعي، جبهة العمل الإسلامي، كتل ناخبة موالية للنواب السابقين جهاد الصمد، وجيه البعريني وجبران طوق ومكاتب بعض النقباء السابقين وغيرهم)، فإنّ المرشح المقابل طوني تاجر لقي دعماً مباشراً من تيار المستقبل والرئيس نجيب ميقاتي الذي تخلّى عن قربه من المعارضة في هذه المعركة، والجماعة الإسلامية والقوى المسيحية في 14 آذار (القوات اللبنانية، نايلة معوض، بطرس حرب ونقباء سابقين وآخرين)، مما جعل المعركة تحتدم بعد توضّح حدّة الاصطفاف السياسي، فتأمّن النصاب منذ الجلسة الأولى بعدما عملت الماكينات الانتخابية التابعة للقوى المعنية بأقصى قوتها، وهو ما تبدّى من خلال اقتراع 875 محامياً من أصل 965 يحق لهم الاقتراع، من بين 1104 محامين منتسبين إلى النقابة.
غير أن الساعات الأخيرة التي سبقت الانتخابات حفلت بكثير من التطورات، إذ إن تبنّي النائب سمير الجسر (وهو نقيب سابق للمحامين) والنقيب السابق رشيد درباس للمرشح تاجر وعدنان شلق للعضوية، وسير مسيحيي 14 آذار في ركب المستقبل بعد لقاء النائب سعد الحريري مع سمير جعجع وميشال معوض في قريطم، لم تسهما في احتواء الاعتراضات التي علت في قواعدهم الانتخابية في النقابة. إذ احتجّ مناصرو المستقبل على إبعاد المقدم عن العضوية لأساب اعتبروها شخصية، فصبّوا أصواتهم له، مما جعله يحصد 486 صوتاً مقابل عدنان شلق الذي نال 327 صوتاً، فيما امتنع مؤيّدو القوى المسيحية في 14 آذار عن المشاركة في الانتخابات، ومن شارك منهم بعد ضغوط واتصالات من مراجع سياسية عليا، أيّدوا عيروت، بسبب ما اعتبروه "استئثار المستقبل بتسمية النقيب المسيحي (يفرض العرف والمداورة في النقابة أن يكون مسيحياً هذه المرة)، فيما لا رأي مطلقاً لهم في تزكية النقيب المسلم".
لكن المفاجأة لم تكن هنا، لأنّ تفوّق عيروت على تاجر بفارق 103 أصوات، بعد حصول الأول على 474 صوتاً والثاني على 371 صوتاً، كان صدمة لم تكن في الحسبان، وخصوصاً بعد دخول ميقاتي على الخط تأييداً لمرشح المستقبل، مما جعل المراقبين داخل 14 آذار يرون أنّ كفة تاجر باتت مرجحة، وأن الأصوات التي سيخسرها المستقبل وحلفاؤه سيعوّضها تحالفهم مع ميقاتي، إلا أنّ حساب حقلهم لم يطابق حساب البيدر، بعدما تبيّن أن القوة الناخبة المقرّبة من الوزير محمد الصفدي التي بقي موقفها غامضاً حتى الساعات الأخيرة، تتجه بوصلتها ناحية دعم عيروت، لأسباب تتعلق بخصوصيات وحساسيات طرابلسية حول القدرة على جمع المستقبل مع ميقاتي والصفدي في معركة انتخابية واحدة، حتى لو كانت الانتخابات نقابة المحامين، مما أدى في نهاية الأمر إلى نتائج ستكون محور دراسة واهتمام من مختلف القوى، وخصوصاً أنها معركة اعتبرها الجميع بروفة أولى للانتخابات النيابية المقبلة.
وكان قد وصل إلى طرابلس، مساء الخميس، رئيس قطاع المهن الحرة في تيار المستقبل، سمير ضومط، يرافقه رئيس قطاع المحامين جميل قمبريز، في محاولة لحشد التأييد لتاجر، وإقناع سائر المرشحين بالانسحاب له، مما أحدث ردة فعل محلّية بسبب تدخّل مسؤولين نقابيين في بيروت في انتخابات نقابية شمالية، وهو ما غمز منه عيروت بعد انتخابه، عندما أشار في كلمته إلى أن نقابة طرابلس "عصيّة على التطويع والمصادرة والتسلّط والتفرّد، وأن المحامين فيها أحرار".
وفي غضون ذلك، قال النائب الجسر لـ"الأخبار" إن "انتخابات النقابة استحقاق ديموقراطي، والغالبية من فئة المستقلين الذين حتى لو كانوا في مناخ سياسي معيّن، تظل خياراتهم نقابية".
أما عيروت، فشدد في كلمة له بعد تلقّيه تهنئة النقيب المنتهية ولايته، عبد الرزاق دبليز، على أن "حق الاختلاف واحترامه تقليد للنقابة"، قائلاً إنها "أثبتت أنها نقابة العروبة والالتزام بالقضايا الوطنية، نقابة المقاومة في وجه العدو الإسرائيلي الذي لا يزال يحتل جزءاً من أرضنا العزيزة".