ألقى آية الله السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته:
"يعيش كيان العدو في حال من الاضطراب السياسي بعد المأزق الذي وضعته فيه المقاومة في لبنان وفلسطين، وبفعل ظروفه المعقدة داخليا وخفوت نجم ما يسمونه بالقيادات التاريخية، ومن خلال التعقيدات السياسية والأمنية والانتخابية التي تضرب هذا الكيان.ومع ذلك، فإن العدو يطلق يد مستوطنيه للهجوم على ممتلكات الفلسطينيين في الخليل، وإلقاء الحجارة على منازلهم وسياراتهم وتدنيس مقابرهم، ليأخذ العنف الإرهابي الصهيوني ضد الفلسطينيين طابعين: الإرهاب الذي تمارسه الحكومة وإرهاب المستوطنين".
اضاف:" ولقد أصبح جليا للفلسطينيين أن العدو كلما شعر بخطورة أوضاعه الداخلية وتفكك علاقاته السياسية التي ستقوده إلى انتخابات جديدة بعد فشل سياسته بتأليف حكومة جديدة، حاول الهروب إلى الأمام أكثر بتصعيد ممارساته الإرهابية ضد الفلسطينيين وإعطاء جرعات جديدة للمتطرفين، لقطع الطرق على أية مكاسب سياسية أو أمنية يمكن للفلسطينيين أن يحصلوا عليها من خلال حال الإرباك التي يعيشها العدو في الداخل".
وتابع:"وهذا ما ينبغي للفلسطينيين أن يدركوه، ليعرفوا كيف يتعاملوا معه من خلال الأخذ بأسباب الوحدة الوطنية، وعدم الانزلاق خلف المطامع السلطوية والكمائن السياسية التي ينصبها الاحتلال تحت عنوان التفاوض وتهيئة الأجواء للسلام، لأن العدو لن يقدم شيئا يذكر للفلسطينيين عندما يكون ضعيفا وسيعمل على تدمير واقعهم أكثر عندما يستعيد قوته الداخلية. ولذلك فليس أمام الشعب الفلسطيني من خيار إلا الإصرار على المقاومة والوحدة الداخلية، وهو ما يجب التمسك به في جولات الحوار القادمة التي نريدها أن تؤسس لإستراتيجية فلسطينية داخلية تواجه المراوغة الإسرائيلية في مسألة المبادرة العربية التي استعادها الصهاينة للعب مجددا بأعصاب العرب الذين يتوق البعض منهم لسماع كلمات العدو، ولا ينفتح على قضايا أمته، ولا يحدثك إلا بالويل والثبور وعظائم الأمور عندما يطرح خيار المقاومة، لأنه قرر أن يهرول خلف عنوان الاعتدال الذي مثل الطعم الأميركي للعرب، وخصوصا في السنوات الأخيرة".
اضاف:" وفي ظل هذا الإصرار لدى كثير من العرب على مجاراة الحركة الأميركية حتى مع الضعف الذي تعيشه إدارة المحافظين الجدد في أسابيعها الأخيرة، يتسلل الإرهاب الأميركي من العراق إلى سوريا ليرتكب مجزرة جديدة ضد المدنيين والعمال والفقراء، وليبعث برسائل سياسية وأمنية تهويلية إلى أكثر من موقع عربي وإسلامي، في أسلوب تعود عليه الجيش الأميركي المحتل، حيث استهدف المدنيين الأبرياء في أعراسهم وتجمعاتهم القروية ومنازلهم الأمنية في أفغانستان وباكستان، وحيث توزعت مجازره في ريف الفقراء وأحزمة البؤس التي تضمهم في القرى والمدن العراقية من دون تمييز في هوية هؤلاء بين مذهب أو عرق ما داموا جميعا مسلمين وما داموا مسالمين، وطالما أنهم يختزنون الرفض القوي للاحتلال ومشاريعه".
واستطرد قائلا::اننا في الوقت الذي ندين هذا الإرهاب الأميركي المتنقل والذي يمثل الصورة الأبشع والأخطر لجيش يستخدم آخر تقنياته الحربية ضد العمال والفلاحين والمزارعين، ثم يضع ذلك في خانة الحرب على الإرهاب، وهو الذي يمثل المصداق للارهاب الجبان بأوضح مشاهده وأبرز معاييره، نريد للحكومة العراقية أن تتحرك بسرعة لمنع الاحتلال الأميركي من أن يأخذ حريته في تهديد أمن العراق وأمن البلدان العربية والإسلامية المجاورة، كما نريد لبقية الدول العربية والإسلامية أن تتحمل مسؤولياتها الإسلامية والوطنية والعربية في استنكار هذه الجريمة الوحشية المتعمدة وفي تحذير الجيش الأميركي المحتل من أن جرائمه هذه ستعود وبالاً عليه، لتبرز صورة الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة على وضوحها بحيث لا يتساءل الأميركيون بعد كل هذه الجرائم: لماذا نكرههم؟ لأننا نقول لهم: علام نحبكم؟".
وقال:" اننا في الوقت الذي نستغرب صمت الكثير من البلدان العربية والإسلامية حيال هذه الجريمة بكل مقاييسها الإنسانية والسياسية، وبما تمثله من اعتداء صارخ على سيادة دولة عربية، نريد للعرب أن يلتفتوا إلى أن أميركا ستعمل لتوريطهم أكثر في مشروعها الإرهابي الجهنمي في المنطقة، لأنها تريدهم أن يكونوا شركاء لها في إذكاء نيران الفتنة في المنطقة بين الأكثريات والأقليات وبين السنة والشيعة، كما تريد أن تعطيهم دورا جديدا في مسألة تهجير الأقليات لحساب مشاريع تفتيتية أو مشروع خاص لبعض المجموعات بما قد يلتقي مع المشروع الصهيوني، وهذا ما لمسنا بعض خيوطه في عمليات التهجير والتطهر العرقي والديني التي حدثت في العراق أخيرا".
وحذر العرب "قبل غيرهم من الاسترسال في هذا الصمت المميت الذي يوحي بالموافقة على كل جرائم الحرب الأميركية، لأن النيران تتقرب من مواقعهم وعروشهم، ونقول لهم: اتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة".
وتطرق الى الوضع في لبنان وقال:" إن الأجواء التصالحية بين المواقع السياسية اللبنانية تطل على شيء من الانفراج الشعبي الذي كان اللاعبون الطائفيون والمذهبيون يعملون لا على استبعاده وتعقيد العلاقات داخل الصف الوطني أو الإسلامي من خلال إثارة الهواجس والحساسيات والتركيز على بعض الأحداث بطريقة انفعالية غرائزية وتضخيم بعض الوقائع لحسابات سياسية تتصل بمحاور إقليمية أو دولية لا تريد الخير للبنان، بل تتطلع إليه كساحة من ساحات مخابراتها وعبثها، وكموقع لمشاريعها الأمنية والسياسية.وإننا نتطلع إلى هذه المصالحات من زاوية المصارحات التي تدفع الجميع للتفكير مليا والتخطيط عمليا لما يعود بالخير على البلد، ولاسيما في المراحل القادمة، لأننا أمام استحقاقات داخلية تنفتح على صورة لبنان وموقعه ومستقبله، واستحقاقات خارجية تتمحور حول التحديات التي قد تطل على المنطقة في ظل المتغيرات القادمة على غير صعيد".
اضاف:"نريد للحكومة اللبنانية أن تكون حكومة الوحدة الوطنية لا حكومة الأشخاص المرتبطين بالخارج أو حكومة المحاور التي تتنازع داخل جلسات مجلس الوزراء، وأن تعمل على استقلال الساحة اللبنانية، وأن تسعى بكل طاقتها لتوفير الخدمات المعيشية والصحية والبيئية والاجتماعية الأساسية للبنانيين وخصوصا على أبواب فضل الشتاء، وفي ظل حاجة الناس في أكثريتهم الصامتة للدفء أمام متغيرات الطبيعة وللدفء في علاقاتهم السياسية أيضا.وإننا نتطلع إلى لبنان الدولة القوية العادلة، لا إلى المزرعة التي يحيط بها الجائعون للمواقع الاستغلالية، والطامحون للحصول على الامتيازات الطائفية والحزبية والمذهبية".
وختم:" إن المرحلة بحاجة لكثير من الوعي والصدق والإخلاص، وقليل من الكلام والاستعراض، فهل يتحرك الواعون الصادقون المخلصون لإنقاذ البلد، أم يندفع الانفعاليون والعابثون والاستعراضيون نحو جولات جديدة من عنف الكلام وعنف السياسة وعبث الموقف والحركة".