شكلت زيارة نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان الى طرابلس حدثاً سياسياً ودينياً هاماً، من حيث طبيعتها وحيثياتها، واللقاءات التي حفلت بها، والاستقبال المميز الذي حظي به الشيخ قبلان الذي حرص على أن تكون زيارته تعبيراً عن الوحدة الإسلامية اللبنانية، فاصطحب معه رئيس المحاكم الشرعية الجعفرية الشيخ حسن عواد، مفتي الزهراني الشيخ محمد غالب عسيلي، مفتي صور الشيخ حسن عبد الله، مفتي جبيل الشيخ عبد الأمير شمس الدين، المدير العام للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى نزيه جمول، وعدداً من القضاة والمشايخ، كما حضر رئيس المجلس الإسلامي العلوي الشيخ أسد عاصي، ونائبه محمد عصفور.
في المقابل كان في الاستقبال الى جانب مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار، نائب رئيس المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى الوزير السابق عمر مسقاوي، الوزير السابق الدكتور سامي منقارة، النائب قاسم عبد العزيز، رئيس جبهة العمل الإسلامي الداعية فتحي يكن، الأمين العام لحركة التوحيد الإسلامي الشيخ بلال شعبان، أمين الفتوى في طرابلس الشيخ محمد طارق الإمام، رئيس المحاكم الشرعية السنية العليا السابق الشيخ ناصر الصالح، رئيس جمعية دعوة العدل والإحسان الدكتور حسن الشهال، شيخ القراء في القلمون زياد الحاج، أعضاء المجلس الشرعي، ومجلس الأوقاف، ومشايخ من المنتدى الإسلامي للدعوة والحوار، وملتقى الثقافة والحوار، وعدد كبير من المشايخ والعلماء وأئمة المساجد وشخصيات اجتماعية وهيئات أهلية.
لدى وصول الشيخ قبلان الى مدخل مسجد الصديق الذي اتخذت في محيطه تدابير أمنية مشددة، قدمت موسيقى الكشاف التشريفات، ثم انتقل الجميع الى صالون المسجد، حيث استقبل الشيخ قبلان المشايخ والمشاركين، ثم أدى الجميع صلاة الظهر، وقد دعا المفتي الشعار الشيخ قبلان لأن يؤم المصلين، لكن الشيخ قبلان قال: إن أهل الدار هم الأولى بالإمامة، مقدماً المفتي الشعار الذي أمّ المصلين.
بعد ذلك انتقل الجميع الى صالون المسجد وتلا شيخ قراء القلمون زياد الحاج آيات من القرآن الكريم، ثم تحدث المفتي الشعار فأكد أنه "يوم مشهود في تاريخ طرابلس، منوهاً بمواقف الشيخ قبلان التي حفظت الوطن وأهله، مؤكدا أن طرابلس كانت وستبقى عصية على الفتن والفرقة والتمزق وسيبقى علماؤها صخرة بوجه كل من يريد الشر بالوطن.
وقال الشعار: لقد ألبست طرابلس ثوباً غير ثوبها، وتعرضت لحملة افتراءات تقول إنها تؤوي الإرهاب والإرهابيين، ونحن نقول إنه بإمكان العالم بأكمله أن يزور المدينة ويبحث في شوارعها وأزقتها، ولن يجد فيها إلا القيم الأخلاقية والدينية وبأنها مدينة العلماء، وقد يحدث ما يعكر الصفو لكنه سحابة عابرة لا قيمة له، وطرابلس كانت وما زالت صلبة وهي اختارت الدولة محضناً لها وتفاخر بانتمائها الوطني، كما ان طرابلس التي استقبلت رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة والشاب الشيخ سعد الحريري تستقبل اليوم من جديد أحد قادة الفكر الإسلامي المستنير الذي حمل هموم الوطن وقدم كل إمكاناته من أجل أمن هذه المدينة لتعيش بأمن واستقرار.
ثم تحدث الشيخ قبلان فوصف طرابلس بأنها "ثغر من ثغور الإسلام التي نعتز بها ونفتخر بزيارتها، كيف لا وهي التي صمدت وتصدت لكل الغزوات في التاريخ من العهد القديم الى يومنا هذا، مشددا على أن طرابلس لا يمكن أن تؤوي يوماً الإرهاب والإرهابيين. فهي مدينة عبد الحميد كرامي ورشيد كرامي، وهي لطالما جمعت كل العلماء سنّة وشيعة ورجال الدين المسيحيين، ونحن اليوم لسنا غرباء عن هذه المدينة، ونحن جئنا اليوم لنعزز الصلة بيننا وبين علماء المدينة ولنبارك ونحيي جهود المفتي الشعار الذي لطالما كان سباقا لكل فضيلة، ولنقوي الثقة في ما بيننا ولنبارك للمفتي منصبه الكريم.
وأسف قبلان لما يحدث من تهجير للمسيحيين على أرض الرافدين في العراق، معتبراً أن هذه المؤامرة حيكت على يد العدو الصهيوني الذي سبق له أن هجر الشعب الفلسطيني من أرضه ووطنه.
وقال قبلان: ننطلق في وحدتنا من وحدة الجيش اللبناني ودعمه، ونرى انه إذا سلمت طرابلس سلم الجنوب، واذا تضررت طرابلس تضرر الجنوب، لأن طرابلس هي الامتداد الطبيعي للمد الإسلامي والعربي والوطني، فالبلد بلدنا، والأرض أرضنا، والتراب ترابنا، ونحن وإياكم يا أهل طرابلس الفيحاء والشمال سواء، معتدلون ولسنا جميعا من دعاة التطرف والانحراف. نريد الاعتدال والاستقامة، لان لبنان لا يستقيم إلا بالحوار والتفاهم والمشاركة والانفتاح بعضنا على بعض.
وأضاف: نحن لم ندنس بيروت، كنا دائما مع بيروت، بيروت الوطن، بيروت العاصمة، بيروت أمنا، وأنا منذ العام ١٩٤٨ أعيش في بيروت، كنت في الطريق الجديدة ورأس النبع والبسطا التحتا وخندق الغميق والبسطا الفوقا وبرج ابي حيدر، لم نكن غرباء عن بيروت، ولكن هناك ظروفاً حكمت على بعض الناس أن يتصرفوا بما لا يليق بالإنسان ولا بالمواطن الحر، لذلك نريد أن نكون دائما يدا واحدة، نفتح قلوبنا لبعضنا، نتحاور ونتشاور ونتواصل، ونصحح أخطاء بعضنا، نحن لا نريد أن نعادي أحدا، لان عندنا عدواً قاهراً هو إسرائيل يتحدى الجميع، وعلينا أن نكون يدا واحدة من الشمال الى الجنوب والبقاع وجبل لبنان، لنحفظ لبنان، لا لنحفظ فئة في لبنان بل كل الشعب اللبناني من العريضة الى الناقورة، هذه أرضنا وعلينا أن نحميها بوحدتنا وبدعمنا للجيش اللبناني والقوى الأمنية الداخلية، وبتعاوننا ومشاورتنا وموقفنا الموحد، وطرابلس، هذه المدينة العريقة، اذا لم نتوحد معها، فعلى البلاد السلام.
وختم قبلان: جئنا لنسلم عليكم، ونستمد منكم القوة والإباء والوفاء والعهد، يدنا بيدكم الى آخر الدنيا لنحمي لبنان ونحمي إنسان لبنان بطوائفه وتعدده وتنوعه، فطرابلس أمنا وبلدنا وسيدة بلادنا، وسنحفظها ونحفظ لبنان بحبنا لطرابلس، ولا نريد أن نكون حجر عثرة في وجه الإصلاح، الإصلاح هدفنا الوحيد، وعندما حصل اتفاق انتخب رئيس للجمهورية وشكلت حكومة وطنية فيها قوى أساسية، وحصلت مصالحات نطالب بالمزيد منها ومن الحوارات، وان يتفق المسيحيون ويتصالحوا، وأن يكون المسلمون يدا واحدة وقلبا واحدا جنبا الى جنب ليبقى لبنان كبيرا وعظيما، لبنان الوحدة والحق والخير.
بعد ذلك، أقام المفتي الشعار مأدبة غداء على شرف المفتي قبلان في مطعم الشاطئ الفضي في ميناء طرابلس، بحضور الدكتور عبد الإله ميقاتي ممثلا الرئيس نجيب ميقاتي، أحمد الصفدي ممثلا الوزير محمد الصفدي، المنسق العام لتيار المستقبل في الشمال عبد الغني كبارة ممثلا رئيس كتلة "المستقبل" النائب سعد الحريري، والنواب: مصطفى علوش، بدر ونوس وقاسم عبد العزيز، راعي أبرشية طرابلس المارونية المطران جورج بو جودة، ممثل متروبوليت طرابلس والكورة وتوابعهما للروم الأرثوذوكس المطران الياس قربان الاب يوحنا بطش، محافظ الشمال ناصيف قالوش، وحشد من الشخصيات والفاعليات الطرابلسية.
وألقيت كلمات للشيخ حسام سباط، مشيداً بدور المفتي الشعار وأدائه داعيا الى فتح صفحة جديدة. ثم المفتي الشعار والشيخ قبلان. بعد ذلك انتقل الضيف والمشاركون الى منزل المفتي الشعار حيث عقد لقاء موسع.
عند كرامي
ثم زار الشيخ قبلان والوفد المرافق والمفتي الشعار الرئيس عمر كرامي في منزله بطرابلس، حيث عقد لقاء موسع شارك فيه الدكتور خلدون الشريف، وتحدث الرئيس كرامي إثره فقال: من المعروف أن لبنان تعرض لأزمة كبيرة نتيجة مخطط خبيث من أجل خلق فتنة سنية شيعية، ومع الأسف فقد نجح هذا المخطط الى حد معين، كما تعرضت طرابلس خاصةً الى فتنة مماثلة بين السنة والإخوة العلويين، ولكن بوعي قياداتنا الدينية والسياسية استطعنا جميعا أن نفضح هذا المخطط وأن نوقف هذه الفتنة. من هنا فإن زيارة سماحة الإمام الى طرابلس مع إخوانه الكرام حدث تاريخي لن ينسى لأنه يؤكد أن وحدة المسلمين في لبنان لا يمكن أن يمسها أحد مهما تطاول المتآمرون، وإننا إذ نرحب بسماحته في طرابلس وفي هذا البيت بالذات، إنما نرحب بالقيم الأخلاقية والدينية التي يتمتع بها، وزيارته هذه إثبات للجميع بأن مناعة هذا الوطن لا يمكن لأي قوة على الارض أن تتمكن من تفتيتها.
ثم تحدث الشيخ قبلان فاعتبر أن بيت الرئيس كرامي هو بيت الامة وملاذها وملجأها وركنها الوثيق، مشيدا بعائلة كرامي ومستذكرا الزعيم عبد الحميد كرامي، والرئيس الشهيد رشيد كرامي، مؤكدا أنهم جميعا يمثلون قيمة وطنية كبرى، مشيرا الى أن لبنان سيبقى بخير ما دام فيه أمثال الرئيس كرامي، مشددا على أهمية التعاون والحوار والانفتاح من أجل حماية لبنان وصونه.
ثم تحدث المفتي الشعار فأشار الى أهمية هذا اللقاء، مجددا الترحيب بالشيخ قبلان في مدينته طرابلس.