ألقى آية الله السيد محمد حسين فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات السياسية والاجتماعية والدينية، وحشد كبير من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:"في جديد الكيان الصهيوني إعادة إحياء ما سمي مبادرة السلام العربية التي قال عنها شارون يوما بأنها لا تساوي الحبر الذي كتب فيها. ويتحدث المسؤولون الصهاينة في هذه الأيام عن "مصلحة مشتركة" مع دول محور الاعتدال العربي تدفعهم إلى طرح التفاوض مع دول المنطقة ككل، وليس على المسار السوري والفلسطيني فحسب، وتمكنهم من مواجهة "إيران" و"حماس" وحزب الله، تحت عنوان الصفقة الشاملة مع عناصر عربية معتدلة، كما يتحدث وزير حرب العدو".
اضاف:" ومن الواضح أن العدو الذي خسر الكثير من رصيده، وانكسرت هيبته أمام المقاومة التي هزمته في حرب تموز الفائتة، والذي لا يزال يستشعر القلق والضعف أمام استمرار السجال الأمني مع فصائل الانتفاضة، بدأ يفكر في الالتفاف على الوضع القائم، والعودة إلى خيار إشغال العرب بالعرب وبالمسلمين، وخصوصا أن المتغيرات الدولية لا يبدو أنها تسير في مصلحته، ولذلك فهو يحضر الأجواء لمراوغات جديدة قد تستهوي العديد من العرب الذين يرفضون محاورة أشقائهم وإخوانهم، ولكنهم يجدون متعة في الجلوس مع الإسرائيليين على طاولة واحدة، وقد لا يمانع هؤلاء من الحوار إذا سلك أشقاؤهم وإخوانهم طريق الوحدة العربية من طريق مصافحة الصهاينة".
وتابع: "إلى جانب عروض السلام الملغوم تقدم إسرائيل عروض العنف الدامي، في غزوات المستوطنين على المزارعين الفلسطينيين الذين يقطفون الزيتون، حيث تحول موسم الزيتون إلى موسم مصادمات مع هؤلاء المعتدين الذين يشتبك جيش العدو معهم شكليا بعدما يوفر لهم الغطاء الكامل لعدوانهم، ثم يعتقل المزارعين الفلسطينيين، ويفسح في المجال ـ في موقع آخر ـ لهؤلاء المستوطنين المتوحشين من اقتحام المسجد الأقصى وارتكاب الأعمال الفاحشة وشرب الخمر في باحاته، في استفزاز خبيث لمشاعر المسلمين، إلى جانب بعض الجرائم التي ترتكب في حق العرب المقدسيين، حيث يتم العثور على جثث عربية مذبوحة، وحيث يتوالى الحديث عن هجمات جديدة يتحضر لها المستوطنون الصهاينة ضد الفلسطينيين في عكا، مع توالي عمليات الحفر تحت المسجد الأقصى بما يهدد أساسه أو يعرضه للانهيار".
واشار الى ان "السؤال الذي يفرض نفسه على المسلمين في العالم، ولا سيما على منظمة المؤتمر الإسلامي، ولجنة القدس، والجامعة العربية: لماذا يصرون على موقف الخانع الذليل أمام ما يحدث للفلسطينيين وللمجسد الأقصى، فيما يملأ اليهود العالم ضجيجا إذا تعرض أحد حتى لمقابرهم؟".
اضاف:" إننا نقول للمسلمين: لا تخونوا الله ورسوله وتخونوا أماناتكم في القدس المدينة، والقدس القضية.. ونقول للفلسطينيين: إن التمزق الوطني الذي يتمثل في خلافاتكم السياسية، وانشغالكم عن المقاومة التحريرية، وتوجيه الرصاص إلى صدور بعضكم بعضا بدلا من توجيهه إلى صدور المحتلين، هو الذي أدى إلى هذا الضعف الداخلي الذي يسيطر على مواقعكم، ويعطل فرص الوحدة الوطنية، في عملية التنازع على السلطة، ونخشى أن تسقط القضية الفلسطينية فلسطينيا قبل أن تسقط أميركيا وإسرائيليا، إننا ندعوكم إلى المبادرة إلى الوحدة الجامعة التي تنفتح على القضية المقدسة التي حملكم الله مسؤوليتها، على أساس الشعار الحاسم "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة".
وتابع: "وفي موازاة ذلك نؤكد أنه على السلطات المصرية أن تقوم بمسؤولياتها في تسهيل مرور المواد الغذائية والصحية وموارد الطاقة اللازمة للفلسطينيين في غزة، بدلا من تشديد إجراءات المراقبة، في الوقت الذي يسقط المزيد من الضحايا الفلسطينيين بفعل الحصار الخانق الذي يفرضه العدو... إننا نريد لمصر أن تقف وقفة العنفوان الإسلامي والنخوة العربية، وأن تؤكد ما قاله رئيسها يوما بأنها " لن تسمح بتجويع الفلسطينيين"، وأن تقوم بمبادرات عملية في فتح معابر غزة ولو اقتضى الأمر فتحها يوما في الأسبوع، بما يسد حاجة الفلسطينيين الضرورية".
واوضح "أما في المشهد الأميركي، فلا يزال الأميركيون، في المواقع السياسية في مجلسي النواب والشيوخ والرأي العام الأميركي، مشغولين بالانتخابات الرئاسية بين مرشح ديموقراطي ومرشح جمهوري قد يختلفان في تفاصيل السياسة الداخلية، ولكنهما يتفقان في تأييد إسرائيل بدرجات متفاوتة، في انتظار للصوت اليهودي والمال الصهيوني الذي يدعم الانتخابات، من دون أن يكون للصوت العربي والإسلامي الأميركي أية قوة ضاغطة فاعلة في اختيار الرئيس، وفي تبنيه للقضايا العربية والإسلامية أو في تخفيفه من الضغط على الحقوق الفلسطينية".
اضاف:" ومن اللافت، في كل انتخابات رئاسية أميركية، أن العرب في أنظمتهم يراقبون نتائجها، ويتابعون تصريحات هذا أو ذاك، ويتحركون مع الآمال الكاذبة التي قد يصنعها هذا الحزب أو ذاك الحزب كذبا وتضليلا، لأنهم اعتادوا على المواقع العربية أن تكتفي بالتصريحات التي تتطاير في الهواء في حركة الواقع المستقبلي، بينما تضغط إسرائيل للحصول على المواقف والمساعدات المالية والعسكرية والدعم السياسي المطلق، ما يوحي بالسذاجة السياسية العربية وبالتخطيط الصهيوني الدقيق لمصالح اليهود الذي يمثلون وحدة قومية في العالم، بينما يمثل العرب مزقا متناثرة في بلدانه، ومن جهة أخرى، فإن المشهد الأميركي يواجه الأزمة الاقتصادية الكارثية التي زحفت إلى أكثر من بلد عربي وأوروبي وآسيوي، حيث أصبحت تبحث عن أي حل واقعي ليوقف الانحدار الاقتصادي والانهيار المالي والاهتزاز المصرفي، حتى أن أوروبا بدأت تعيش القلق المدمر الذي قد يجتاح اقتصادها، ما حدا بها إلى السعي للتكامل مع أميركا للوصول إلى نتائج إيجابية تخفف من تأثير الأزمة، وتبقى دول العالم الثالث، التي تعتمد على أمركة اقتصادها في اعتماده على الدولار، تعاني النتائج السلبية في الجوع والحرمان وفقدان الفرص الكفيلة بحل مشاكلها الصعبة المعقدة".
وتطرق الى الوضع في لبنان وقال:"اما في لبنان، الذي قيل إنه استطاع تجاوز الأزمة الاقتصادية العالمية، فعليه أن يواجه تأثيراتها في الركود والجمود الاقتصادي، ولذلك فإن المطلوب هو إيجاد حال من الاستقرار السياسي الذي هو الشرط الأساس للاستقرار الاقتصادي، وقد تحدث بعض خبراء الاقتصاد أن الرأسمالية قد تكون أفضل نظام اقتصادي، غير أن أحدا لم يقل أنها ستخلق استقرارا اقتصاديا واجتماعيا، بدليل وقوع أكثر من مئة أزمة في الأسواق الاقتصادية خلال الثلاثين عاما الأخيرة، وهو ما يوحي إلينا بالبحث عن الأمراض الخبيثة التي تكمن في داخل هذا النظام الذي لا يخضع لأية منظومة أخلاقية في حركته الاجتياحية للفقراء لحساب الأغنياء، في نطاق نظام العولمة الاقتصادية الاحتكارية".
وتابع:" من جانب آخر، فإننا نرى أن الدولة لا تزال تراوح مكانها على مستوى حل الأزمات المعيشية الداخلية، في المشاريع الحيوية التي تمثل حاجة الناس الضرورية، بعد طول الغياب عن معالجة الواقع المرضي في الأوضاع العامة وسيطرة الإهمال على حركة الدولة.. هذا إضافة إلى الجدل العقيم الذي لا يزال يدور في تسجيل النقاط السلبية على صفحات الصحف وأجهزة الفضائيات، وتنفيس الأحقاد التاريخية، وإثارة التاريخ على الصعيد المحلي في المشاكل التي عاشها المواطنون في الماضي والحاضر، وتأصيل الشخصية المذهبية والدينية والحزبية على حساب الشخصية الوطنية التي من المفترض أن تحول اللبناني من طائفي أو مذهبي الى مواطن في قضاياه الحيوية الأصيلة، الأمر الذي يجعل من المصالحات حالة في السطح لا واقعا في العمق، مما يخشى على البلد أن يسقط تحت تأثير أي عاصفة خارجية فيما يخطط له الآخرون من حماية وتطوير مصالحهم الاقتصادية والأمنية والسياسية على حسابنا وحساب شعوبنا".
وختم:"إن المنطقة تهتز بكل تحديات الأزمات الدولية وصراعاتها الإستراتيجية، فهل يملك اللبنانيون أن يحققوا لوطنهم شيئا من الاستقرار الذي يفكرون فيه ماذا يريدون لا ما يريده الآخرون؟".