أضاف: "منذ ثمانية عشر عاما ولبنان يعيش مسارا انحداريا في مختلف قطاعات الحياة العامة. ومن الصعب أن نسجل نقاطا ايجابية للحكومات المتعاقبة. وما يبدو لنا أحيانا أنه انجازات، لا يتعدى كونه بضعة مشاريع باهظة الكلفة، شكلت مصدر إثراء غير مشروع لأصحابها، فما زلنا نعيش مفتقرين الى الماء والكهرباء والدواء، والى النقاوة في الهواء الذي تلوثه مكبات النفايات. وكذلك الى الأمن والطمأنينة على مختلف الأراضي اللبنانية. ومع هذه القلة المتزايدة في تأمين حاجاتنا الحياتية، تكثر ديوننا ويزداد جوعنا ويتبخر أمننا مع حملات الوافدين الينا من كل حدب وصوب، وكأننا دخلنا في عصر غزوات جديد".
وتابع: "في أواخر نيسان من العام 2005 ظن اللبنانيون بأن السيادة قد عادت الى لبنان في ظل الانتفاضة الشعبية التي تلت اغتيال الرئيس الحريري، وأن عهد الوصاية قد انتهى بانسحاب القوات السورية من لبنان. غير أن الواقع بدا مختلفا، فاتفاق الطائف كان قد وضع لبنان في ظل كوندومنيوم سوري - سعودي تحت رعاية اميركية. وما حدث في العام 2005 لم يكن سوى انسحاب البعد الأمني من المعادلة وبقاء التبعية السياسية للملكة العربية السعودية والادارة الاميركية، فكان الخلل الكبير الذي قوض استقرار لبنان مجددا. وكان التفاهم الرباعي الذي تفجر مطلع العام 2006 بسبب نقض الوعود التي أعطيت لحزب الله خلال الانتخابات، والتي تقضي بالمحافظة على سلاحه ودعمه في عدم تنفيذ القرار 1559".
وأردف: "وبالرغم من تأكيد الحكومة في بيانها الوزاري على "الحق الوطني للشعب اللبناني في تحرير أرضه والدفاع عن كرامته في مواجهة الاعتداءات والتهديدات والأطماع الاسرائيلية والعمل على استكمال تحرير الأرض اللبنانية ..."، حاولت قوى 14 شباط استمالتنا لتشكيل جبهة ضد حزب الله لعزله ومن ثم مواجهته. لكننا، وتقديرا منا لخطورة هذا الموقف، وما يمكن أن يترتب عليه من حالة صدامية مشابهة لما حدث مع حزب الكتائب في العام 1975، رفضنا الانضمام لهذه الجبهة واقترحنا تصور حل يحفظ حقوق لبنان والمقاومة، ويشكل مخرجا مشرفا لجميع الأفرقاء. وفي ضوء قبول هذا الحل أو رفضه من قبل حزب الله يتخذ الموقف المناسب. وقد تكشف لنا بعد هذا العرض بأن ما كان مرسوما لدى قوى الغالبية يختلف تماما عما قدمناه، بل يتناقض معه، فافترقنا".
وتابع بالقول: "ولما كانت جميع الأطراف المعنية، المحلية والدولية، تفتقر الى إطار لتطبيق القرار 1559، ما سيؤدي الى وضع لبنان في مواجهة مع المجتمع الدولي - وقد عبرنا عن ذلك مرارا وتكرارا منذ صدور هذا القرار، وإدراكا منا لخطورة الموقف، وبالرغم من الانذارات المتكررة التي وجهت الينا من أهم المراجع الخارجية، والتي تحذرنا من التلاقي مع حزب الله، قررنا السير بمشروع التفاهم... التفاهم الذي أعلناه في 6 شباط من العام 2006، والذي رفضه فريق البريستول مع القوى الخارجية التي دعمت، في ما بعد، حرب تموز".
ورأى أنه "بالرغم من المواقف المعادية لهذا التفاهم من بعض الداخل ومن الواقع الدولي، فإنه أعاد الثقة بين شرائح كبرى من اللبنانيين، فزادت طمأنينتهم، وسقطت الحواجز النفسية الموروثة والمتراكمة منذ عقود مليئة بالأحداث الدامية، وترسخ التسامح بين مكونات المجتمع اللبناني".
وأضاف أن التفاهم "أعاد أيضا التوزان السياسي والشعبي الذي كان العامل الأول في احتواء التفجيرات الأمنية ومنع تحويلها الى حروب أهلية، وقد شكلت فقراته العشر منطلقا للحوار اللبناني - اللبناني، الذي أدى الى انجاز قانون الانتخاب، وإقرار تصور للتعامل مع السلاح الفلسطيني، وللعلاقات مع سوريا بما فيها قضية معالجة قضية المفقودين والموقوفين، وصولا الى اعتماد مبدأ الاستراتيجية الدفاعية عن لبنان".
وتابع في هذا الإطار: "وفي ما يتعلق بحرب تموز، فقد كان لهذا التفاهم الدور الأبرز في إعداد وتحضير الرأي العام اللبناني بصورة عامة، والمسيحي بصورة خاصة، لقبول ودعم المواقف الوطنية، متخطيا السياسات التقليدية القائمة على التناقضات الموروثة منذ قرون، ونقل الصراع في لبنان من صراع طائفي الى صراع سياسي، وتأسيس فكرة الدولة القائمة على الخيارات الوطنية والسياسية، لا على الانتماء المذهبي. وقد خطونا الخطوة الأولى باتجاه الدولة المدنية التي تقوم على مفهوم المواطنة".
وقال: "كم كان يؤخذ علينا نضالنا ضد الوجود السوري في لبنان، وكم كنا نتهم بالعدائية لسوريا بالرغم من تأكيدنا مرارا وتكرارا، وفي أحلك الظروف، أننا نريد أن نبني معها أفضل العلاقات، ولكن بعد خروجها من لبنان، وضمن إطار احترام سيادة البلدين. وها نحن اليوم في وضع بات يؤخذ علينا شرف المحافظة على الالتزام بالكلمة - الموقف، واحترام الصدقية في التعاطي مع القضايا المصيرية التي تحتم علينا علاقات طيبة مع الدول الشقيقة والصديقة. حتى اننا أصبحنا نتهم بالتبعية لسوريا، وكأن احترام علاقات حسن الجوار والشرائع الدولية أصبح مذلة في لبنان، وأصبحت قواعد التعاطي مع الآخرين تلزمنا الخروج عن المعايير الأخلاقية والقانونية بدل الالتزام بها".
أضاف: "وما لبثت الأحداث أن انتقلت من السجال حول العلاقات مع سوريا الى حرب ضارية شنتها اسرائيل على لبنان في تموز من العام 2006، وقد تركت هذه الحرب آثارها وتسببت بانقسامات سياسية حادة في مجلس الوزراء. هذا بالاضافة الى الخسائر التي تعرض لها لبنان بسبب العدوان الاسرائيلي على بنيته والمصانع والمنازل، وما ألحقه بنا أيضا من خسائر جسيمة في الأرواح وتدمير هائل في الممتلكات العامة والخاصة، وإدراكا منا بضرورة ضبط الخطاب السياسي على مستوى مسؤول، ووضع التعويض عن الخسائر في سلم أولويات عادل، دعونا الى قيام حكومة وحدة وطنية تعالج هذه المواضيع بمسؤولية، تجمع بين مختلف الأفرقاء اللبنانيين. لكن، وللأسف، جوبهنا برفض قاطع، وبخطاب بعيد كل البعد عن روح المسؤولية، وسط جهل تام لمفاعيل الأزمة التي تكونت أثناء الحرب. وصار الكلام اللامسؤول الذي أدلى به نواب القوى الحاكمة يدل على مدى هذا الجهل في إدراك تطور الوضع نحو الأسوأ. وبنتيجة عدم التقدير، تصاعدت الأزمة واستقال الوزراء الشيعة من الحكومة، فضلا عن وزير البيئة، ففقدت ميثاقيتها وأصبحت مخالفة للدستور ... فكانت المظاهرات الضخمة والاعتصام التاريخي اللذان لم يعرف لهما لبنان مثيلا".
وتابع مخاطبا الحضور: "وتذكرون كيف رفض رئيس الحكومةالاستقالة، مفضلا حماية الشريط الشائك والبقاء في السرايا على تعديل حكومته او استقالتها. وطالت الأزمة وتجاوزت السنة ونصف السنة وتعطلت انتخابات الرئاسة. وكل هذا في سبيل الاستئثار بالسلطة وعدم اشراك الاخرين فيها. وهكذا أطاحت القوى الحاكمة بجميع المواثيق الدستورية والتقاليد السياسية للديموقراطية التوافقية المعتمدة في لبنان. واستمرت استفزازات السلطة للمعارضة بتحرشات في أماكن مختلفة من الاراضي اللبنانية بغية استدراجها الى صدامات مسلحة، لكن المعارضة برهنت عن طول اناة وحكمة، مفضلة استيعاب الاحداث والخسائر محافظة على الديموقراطية بدل الدخول في معادلة قوة تحسم الموقف من خلالها لمصلحتها".
وأردف قائلا: "وخلال هذه المدة عززت القوى الحاكمة قوتها السياسية بميليشيات مسلحة ظنا بأنها قادرة على خلق معادلة قوة لمصلحتها، مشيعة بين أزلامها ومحبذيها ان الدعم سيأتيها من الخارج وما عليها الا ان تصمد لمدة قصيرة في أي نزاع مسلح قد يطرأ. وما ان ظنت ان ساعدها قد اشتد حتى اتخذت قرارات استفزازية بحق المقاومة, فكان السابع من ايار وما تلاه".
وتابع استعراضه للأحداث: "ثم كان مؤتمر الدوحة الذي عدنا فيه الى مطلبنا الاول بعد نهاية حرب تموز، أي الى ضرورة تشكيل حكومة الوحدة الوطنية, واقرار قانون جديد للانتخابات, واجراء انتخابات رئاسية. ولو كانت القوى الحاكمة قد اقتنعت منذ البدية بمكونات الحل, لكنا وفرنا على أنفسنا وعلى الوطن سنتين من المتاعب والخسائر المادية والمعنوية والارواح البريئة. واهم من ذلك اننا كنا وفرنا على مجتمعنا هذا الفرز المذهبي الذي لم يعرف له لبنان من قبل مثيلا, حتى في أحلك أيام تاريخنا. وكل ذلك بفضل حفنة من الطارئين على السياسةالوطنية والجاهلين للتاريخ, الذين دأبوا على تحويل الوطن الى شركة والمواطنين الى زبائن".
أضاف: "وبعد مؤتمر الدوحة دخل لبنان مرحلة جديدة, وتألفت حكومة ائتلافية شارك فيها التيار الوطني الحر وتكتل التغيير والاصلاح. واذا كان حجم مشاركة المعارضة في الحكومة لا يمكنها من اصلاح ما يجب اصلاحه, فانه يوفر لها امكانية منع حصول شطط في بعض المواضيع الاساسية التي تحتاج لاقرارها الى ثلثي مجلس الوزراء كما ينص الدستور. أما ما يقدمه التيار اليوم من خلال مشاركته في الحكم، فهو أسلوب شفاف وفعال, يأخذ على عاتقه المشاكل العامة ويضع لها الحلول المناسبة محترما المعايير الاخلاقية والقانونية, فعمله في هذه المرحلة يبقى محصورا في نطاق الوزارات التي يشغلها، حيث يبذل ممثلوه في الحكومة جهدا متواصلا يعطي عملهم فارقا نوعيا بدأت تظهر تباشيره للرأي العام".
وقال: "ان تجربتنا في الحكومة أعطتنا فكرة واضحة عن المستنقع التي تعيش فيه الادارة, فهي مشلولة الارادة والمبادرة, وتعيش حالات انتظار وركود وكأنها مصابة بكسل مزمن لأن السلطة التنفيذية المسؤولة عن تحريكها ودفعها تسير بها على نمط مصالحها الخاصة وليس على نمط حاجات المجتمع. وتجربتنا مع مجلس النواب أعطتنا اليقين بأنه لا اصلاح ممكناً من دون أكثرية واعية لمسؤولياتها, تحترم الدستور وتنقي القوانين من الثغرات التي تفسح المجال للفساد والافساد، كما تحاسب الحكومة على تجاوزاتها للقوانين المرعية الاجراء, فما نلمسه كل يوم هو ذلك التواطؤ القائم بين الحكومة والاكثرية التي تغطي مخالفاتها".
أضاف: "وهنا علينا ان نميز بين ما هو خاضع لنا في ممارسة الحكم وبين ما هو خاضع لارادة الحكومة ككل, وما نتوخاه اليوم من مشاركتنا هو نموذج سليم في الاداء أكثر مما هو اصلاح في بنية الدولة التي نخرها الفساد على المستويات كافة, ليطال رأس الحكومة الذي يجيد الهروب من الإجابة على الأسئلة المحددة بأسلوبه الشعري، يغطيه تواطؤ مزمن مع أكثرية المجلس. ومن هذه الحقيقة التي نعيشها كل يوم، تكونت لدينا قناعات بأن لا مجال للإصلاح إلا من خلال مجلس نواب قادر على تكوين سلطة تحترم المواثيق والدستور والقوانين، وعلى محاسبتها على تجاوزاتها وأخطائها".
وتابع: "من المفروض في الأنظمة البرلمانية الديموقراطية ان تنبثق السلطة التنفيذية من مجلس نواب منتخب وفقا لقانون يسمح بالتمثيل الصحيح للشعب. لكن، في لبنان، وخلال العقدين الماضيين كان مجلس النواب ينبثق من السلطة التنفيذية من خلال قانون انتخابات يسمح بتزوير الإرادة الشعبية عبر تحديد دوائر انتخابية تسمح بالتلاعب بأرجحيات أصوات الطوائف".
واستطرد بالقول: "من هذا المنطلق، كان صراعنا مع القوى الحاكمة لاستصدار قانون جديد للانتخابات يسمح، ولو جزئيا، بتحسين الوضع التمثيلي للشعب اللبناني، ويعطيه أملا بالتغيير. وهذا ما يتيح لنا في الإنتخابات القادمة فرصة انتخاب أكثرية مؤيدة للاصلاح، لأننا من غير ذلك، عبثا نحاول محاربة الفساد المتجذر في بنية الدولة، والذي أصبح مستساغا لدى شريحة كبرى من اللبنانيين. وقد بدأ هؤلاء اليوم بإفساد العملية الإنتخابية من خلال "جودهم" المقنع بمساعدة المحتاجين".
وقال: "لقد سرقوا حقوقنا فجعلونا فقراء معوزين، و"تحننوا" علينا بنزر يسير من مالنا فحولونا متسولين بعد أن كنا أصحاب حقوق، وهكذا صار السارق محسنا وصاحب الحق متسولا، وصح قول الشاعر: "جوعان يأكل من زادي ويمسكني حتى يقال عظيم القدر مقصود".
أضاف: "فلنتذكر، منذ ستة عشر عاما من بدأ بتحميل الخزينة ديونا أصبحت اليوم خمسين مليارا وما زالت تتصاعد؟ من زاد البطالة وأفقر الناس فباعوا أرزاقهم وهاجروا؟ من قصر في ضبط الأمن فزادت الجريمة؟ من تدخل في استقلالية القضاء ولطح سمعته؟ من دمر القطاع الزراعي وهجر المزارعين؟ من أهمل الصناعة الوطنية لإلحاقها بالزراعة؟ ان اللائحة تطول لتشمل جميع قطاعات الانتاج ولا من يسأل ولا من يجيب ولا من يحاسب".
ورأى "ان مفهوم الدولة قد انهار بضوابطه الاخلاقية والقانونية والانسانية، ولا يمكن أن يتم إصلاح جزئي في بنيتها المهترئة، ولذلك يجب أن تكون نظرتنا الى الاصلاح شاملة تغطي القطاعات كافة. أما كيف سيكون الاصلاح ومتى؟ فلنا معكم اليه عودة مفصلة، ولكنه بالتأكيد يمر بالانتخابات النيابية".
وختم بالقول: "وأخيرا، نجد من أول واجباتنا أن نذكر المجتمع اللبناني عامة والمسيحي خاصة، أنه معرض لأكبر محاولة إغراء في تاريخه، فالبترودولار متوافر بكثرة، والحاجة أكثر، والتحدي كبير وكذلك المسؤولية. ومن أهم ما جاء في الانجيل ألا نسقط في الاغراء ونعبد ربين: الله والمال. فشراء الضمير سلم المسيح للصلب مرة، ولكنه غلب الموت وقام، فلا تدعوا ضمائركم تصلب لبنان، ففي هذه المرة لن تكون قيامة".