وحذر من حال التمزق العربي التي قرر معظم ممثليها الرسميين تشييد حصون من الخصام والعداوة بين بعضهم، وهو الأمر الذي يدعو إلى الخوف الحقيقي على الساحة اللبنانية من أن تعود ساحة منفتحة على النزاعات العربية، داعيا إلى الوقوف مع قضايا الأمة ولملمة الساحة العربية الداخلية، والتفكير جديا في السبل التي يمكن من خلالها أن يعود الدور العربي إلى الواجهة.
أدلى آية الله فضل الله اليوم بتصريح جاء فيه: "إن ثمة أمورا كثيرة تتغير في المنطقة، وثمة تطورات كبرى في العالم بدأت ترخي بثقلها على الوضع في المنطقة. وقد بدأ ذلك ينعكس على الوضع في لبنان بطريقة وأخرى، ولكن المشكلة أن ذلك كله يحدث من دون أن يكون هناك سقف سياسي وامني يمنع المتغيرات من أن تحمل معها تطورات درامية على المستوى الأمني تحديدا.
وقال: كنا ننتظر أن تنعكس المتغيرات العالمية، وخصوصا تلك التي أصابت الولايات المتحدة الأميركية ومشروعها الإمبراطوري في الصميم، انفراجا في العلاقات العربية ـ العربية، ولكننا رأينا، في المقابل، أن بعض المحاور الدولية تقدمت خطوة في اتجاه هذا الموقع العربي أو الإسلامي، وتراجعت الدول العربية خطوات عن ترميم علاقاتها، وبدأت مرحلة جديدة من المشاحنات، وسط رهانات متصاعدة على أن يفضي التوتر السياسي والاهتزازات الأمنية تراجعا في موقف هذه الدولة أو تلك، أو انهيارا في التزاماتها.
ولكن الذي حصل هو بروز ثغرة من الانكشاف الأمني أمام إسرائيل، وربما يراهن البعض على أن يفتح هذا الانكشاف ثغرة في الجدار السياسي ينفذ منها الوسطاء الدوليون لإقامة ما يسمى علاقات سلام بين الدول العربية وإسرائيل، من دون أن تعود العلاقات العربية ـ العربية إلى مساراتها الطبيعية، أو ربما قد يراهن الكثيرون على أن تعيد إسرائيل جسور العلاقات بين الدول العربية إلى عهودها السابقة، شريطة أن تبنى هذه الجسور على قاعدة الاعتراف العربي الحاسم والكامل بالعدو وباغتصاب فلسطين.
أضاف فضل الله: إنه لمن دواعي الأسف والأسى أن تهوي العلاقات العربية ـ العربية إلى هذا المنحدر والهاوية، في الوقت الذي يعلن المسؤولون الصهاينة، وعلى رأسهم رئيس وزراء العدو المستقيل، أن مقولة إسرائيل الكبرى سقطت تماما، وانه لو أدخل كل جيشه إلى لبنان في حرب تموز السابقة لما تغيرت الصورة عما هي عليه الآن من هزيمة إسرائيل وتراجعها، وأن الحرب الكلاسيكية قد ولت من العالم"..
إن ما يثير العجب في الصورة الحالية للواقع العربي أن مَن هم في خانة الأعداء التاريخيين للأمة يعترفون بعجزهم وضعفهم، ومن هم في خانة التآمر الاستكباري عليها منذ عقود يقرون بفشلهم وتراجعهم وانتكاسة مشروعهم، من دون أن يعني ذلك أي شيء لهذه الدولة أو تلك على مستوى حال النهوض والوقوف مع قضايا الأمة ولملمة الساحة العربية الداخلية، والتفكير جديا في السبل التي يمكن من خلالها أن يعود الدور العربي إلى الواجهة، ليتناغم مع دور إسلامي أكبر، وليرسم صورة حية لأمة هي في أمس الحاجة إلى المشاركة في قرارات العالم، وخصوصا في المرحلة التي تتداعى فيها مواقع عالمية، وتضطرب فيها العلاقات الدولية، وتهتز فيها ثقة المحاور الاستكبارية بعضها ببعض.
تابع: ولعل ما يبعث على التعجب أكثر هو تلك الرؤية المأساوية التي لا تزال تعشش في خلفيات بعض القوى السياسية العربية، التي لا ترى دورا للعرب إلا على هوامش دور الآخرين، أو أنها لا تتحرك لصوغ إستراتيجية تحمي القضايا العربية والإسلامية بقدر ما تتطلع إلى دور عربي يتوسم العودة إلى مستوى الفاعلية من خلال إسرائيل أو من خلال جبهة تضم كل التناقضات والمتضادات، وقد استمعنا قبل أيام إلى مسؤول عربي يقترح قيام جبهة سياسية في المنطقة تضم العرب وإسرائيل وإيران وتركيا.
وقال: إننا نلاحظ أن العرب، في معظم نماذجهم السياسية الرسمية، قد قرروا أن يخرجوا من دائرة الفعل إلى دوائر الانفعال بإزاء ما يجري من تطورات في العالم، وأن يتمردوا على حال التواصل في ما بينهم، ويتوافقوا على تشييد حصون من الخصام والعداوة بين بعضهم، وهو الأمر الذي يثير الخوف ليس على مستوى تراجع وضياع الدور والنفوذ وانسحاق الطموحات بإعادة إنتاج الدور العربي وسقوط الجامعة العربية سقوطاً سريعاً فحسب، بل إن ذلك يدعو إلى الخوف الحقيقي في لبنان على الساحة اللبنانية، لأن ملامح الرسائل التي لا تحمل أي نوع من أنواع المودة قد بدأت تصل عناوينها إلى لبنان، ليعود ساحة منفتحة على النزاعات العربية، وليعود الخطاب اللبناني إلى مستوياته الأولى التي يناشد فيها العرب أن يعودوا إلى مستوى العلاقات السابقة في ما بينهم، بعدما كان العرب يناشدون اللبنانيين أن يعودوا إلى رشدهم ويصوغوا وحدتهم ويحفظوا بلدهم.
وخلص إلى القول: إننا، أمام هذا الواقع، ندعو اللبنانيين إلى العمل الجاد والمسؤول لصون وحدتهم وحماية واقعهم، من خلال الحوار الجامع والشامل الذي يؤسس لمرحلة توافق حقيقية تسقط كل الرهانات الداخلية والخارجية على عودة الاهتزاز الأمني والسياسي إلى مستوياته وأوضاعه السابقة، وتقطع الطريق على كل الساعين لاختراق الساحة الداخلية باستغلال الأوضاع والظروف العربية الراهنة، ولأن عدم الإسراع في الوصول إلى حلول من خلال الحوار الداخلي سوف يفضي إلى فراغ يستغله المستغلون، وقد تصل المسألة إلى المستوى الذي تأكل فيه الخلافات العربية ـ العربية وفاق اللبنانيين وتفاهماتهم الداخلية.