اضاف:"إننا في الوقت الذي نعتبر أن هذه التصريحات تظهر حجم المأزق الإسرائيلي، وتمثل ردا على من يزعم بأن الانتفاضة لم تحقق انجازات تذكر، إلا أنه لا قيمة عملية لهذه التصريحات لأنها لا تمثل أية إستراتيجية إسرائيلية في حل المشكلة الفلسطينية، خصوصا وأن "أولمرت" لم يتحدث عن الانسحاب الكامل إلى ما وراء خطوط الرابع من حزيران، وإزالة المستوطنات والجدار العنصري، مما لا يمكن للفلسطينيين في مواقع السلطة أن يقبلوه، لأنهم لا يستطيعون إقناع الشعب بذلك، هذا إضافة إلى أن الوسط الصهيوني يعارض مثل هذه الطروحات".
وتابع:" إننا نتصور أن هذه التصريحات تسلط الضوء على صلابة الشعب الفلسطيني ومقاومته وانتفاضته، في خط المواجهة والإصرار على تحقيق أهدافه الشرعية، بما يؤدي بالعدو إلى اليأس من أية حالة للاستقرار في وجوده في فلسطين، مما يفرض على الجميع في فلسطين الاستمرار في الصمود الحركي المقاوم الفاعل، والبحث عن أساس الوحدة السياسية من خلال وحدة الموقف، لأن الخلاف المستحكم بين السلطة والمقاومة سوف يضعف الموقف السياسي والجهادي في خط التحرير".
اضاف:" ويبقى حديث السلطة الفلسطينية عن الثوابت الفلسطينية مجرد شعار لا واقعية له، لأنه يؤدي إلى إشغال الواقع الفلسطيني السياسي بخلافاته، بعيدا عن مواجهة الدفاع عن الثوابت الأساسية، ولاسيما أن المجتمع اليهودي لا يزال يؤكد أهدافه الإستراتيجية الساعية إلى منع الشعب الفلسطيني من الحصول على حقوقه الشرعية، وخصوصا مع الخداع الأميركي المتواصل للشعب الفلسطيني في قضية السلام والحديث عن الدولتين مما لم توضع له أية آلية واقعية حقيقية، حتى في مشروع خارطة الطريق من خلال اللجنة الرباعية التي لا تملك أية فاعلية، بفعل الضغط الأمريكي والرفض الصهيوني، مع المزيد من الاسترخاء العربي في مسألة الضغط الفعلي على كيان العدو والإدارة الأميركية، لأنهم يتحركون في خطوطها المتنوعة في إطار اللعبة السياسية الخاضعة لما يسمى "محور الاعتدال العربي" الذي فرضته أمريكا لتعميق الصداقة مع إسرائيل بالمستوى الذي يتحوّل فيه الموقف العربي إلى التنسيق مع الدولة اليهودية في إضاعة القضية الفلسطينية في متاهات التنازلات، وصولا لفرض حل ضعيف ومشوه لا يحقق للشعب الفلسطيني أدنى الطموحات، إضافة إلى توفير مناخات سياسية وأمنية تهديدية ضد إيران، امتثالا لإسرائيل التي ربما تفكر بالتحرك عسكري لقصف بعض المواقع النووية في إيران بالتنسيق مع أميركا، مما قد يدمر الأمن العربي إذا دخل في مفاعيل الحرب، لأنهم لا يملكون إمكانية الرفض لما تريده أميركا الإسرائيلية وإسرائيل الأميركية، في إضعافها للعالم العربي اقتصاديا وسياسيا وامنيا، كما حدث في تعاونهما مع الدول الغربية في الحرب العراقية ـ الإيرانية وفي حرب الكويت، مما أدى إلى تدمير الاقتصاد الإيراني والعربي، وإيجاد الظروف الإستراتيجية لتأسيس القواعد العسكرية الأميركية في الخليج بحجة الدفاع عنه أمام عدوان الطاغية في العراق، وأمام الخطر الإيراني المزعوم".
وقال:"اما في المشهد الأميركي، فان الكارثة الاقتصادية التي حلت بالاقتصاد الأميركي، ومنعت رئيس الإدارة الأميركية من تحقيق مشروعه الإنقاذي من خلال الصفعة القوية بإسقاط خطته البالغة 700 مليار دولار من خلال مجلس النواب، على رغم مناشدته لهم ووصفه المشروع بأنه ضروري من اجل "الحيلولة دون انتشار أزمة نظامنا المالي في اقتصادنا"، كما قال، مما اضطره لإدخال تعديلات عليه تمهيدا لإعادة عرضه، فإن ذلك يشير إلى الفساد الاقتصادي الذي تختزنه المصارف الأميركية والشركات الأميركية الاحتكارية، ويؤدي إلى التأثير على الاقتصاد العالمي على مستوى تهاوي الأسهم حتى في الأسواق الأوروبية، التي امتدت إلى الأسواق العربية، هذا إضافة إلى تفاقم الأزمة الائتمانية، مما أحدث خسارة مالية على مستوى كارثي، ولا سيما في أوساط العالم العربي الذي يضع أكثر أرصدته في المصارف الأميركية على مستوى استثمارات متحركة يلعب فيها اللاعبون في حالات التخطيط للهبوط في حركة الأسهم، وفي لعبة الاستثمارات لحساب التخطيط اليهودي المسيطر على أكثر المواقع الاقتصادية في أميركا، الأمر الذي لا بد للعرب أن يدرسوه في إيجاد السبل التي تحفظ لهم استقرارهم الاقتصادي وثرواتهم المالية".
واكد سماحته "إن هناك أكثر من وسيلة لإيجاد نوع من الإستراتيجية الثابتة لبناء اقتصاد عربي قوي يستطيع أن يفعل الكثير في اقتصاد العالم بدلا من أن يكون منفعلا به، ومن اللافت أن بعض المسؤولين العرب يبادرون إلى التبرع بتقديم عشرات المليارات لإنقاذ الاقتصاد الأميركي بدلا من حل المشاكل المعقدة في الواقع الاقتصادي الكارثي لشعوب العالم العربي، ولا سيما في البدء بتصنيع الموارد العربية والتخطيط لسياسة الإنتاج بدلاً من سياسة الاستهلاك التي تأكل ثرواتنا في حركة أسواق العولمة، وفي استغلال حاجاتنا لصنع المزيد من الأزمات المالية في العالم العربي".
وتطرق السيد فضل الله الى الوضع في لبنان وقال:"اما لبنان، فقد عاش الاهتزاز الأمني من جديد في الاعتداء على الحافلة التي تقل عناصر من الجيش اللبناني، في ظروف خفية معقدة وخلفيات غامضة تختلف التحليلات والتفسيرات لها، بين رابط لها بالعبث بالمصالحات السياسية ورابط لها بالمنظمات المتطرفة أو بعلاقتها بمسألة مخيم نهر البارد، مما يدل على أن هناك خشية من امتداد هذا الاهتزاز إلى مناطق أخرى، لا سيما في جريمة الاعتداء على الجيش الذي يمثل قوة الردع للاختلال الأمني في البلد".
اضاف:" ومن الطريف أن أميركا التي تشدد على دعم مؤسسات الدولة وأجهزتها الأمنية، وتنادي بضرورة إخضاع الأسلحة في لبنان لسيطرة الجيش، لم تقم بأي مبادرة لتسليح الجيش اللبناني والقوى الأمنية الأخرى بالسلاح المتطور الذي يستطيع من خلاله أن يواجه قوى العدوان الداخلي والخارجي، لان إسرائيل لا توافق على ذلك كما صرح مسؤول أمريكي ب"أننا لا يمكن أن نقدم للجيش اللبناني أي سلاح متطور لان إسرائيل حليفتنا". وهذا ما نلاحظه في الدول الأوروبية الأخرى التي لا تسمح بتطوير القدرات العسكرية اللبنانية كأية دولة قادرة على الدفاع عن نفسها ضد العدوان، ولعل المشكلة في الخلل اللبناني أن الشعب أصبح مسلحا بالسلاح الفردي، وأن الأحزاب والمنظمات تملك السلاح الثقيل، وأن سوق الأسلحة يلاقي رواجا دائما في مستوياته السياسية والتجارية، ولا سيما أن أكثر من محور عربي أو دولي يتعامل بهذه الطريقة، الأمر الذي يخشى فيه الجميع أن تتحرك الاهتزازات الأمنية من منطقة إلى أخرى، وخصوصا في ظل التعقيدات السياسية والانتخابية القادمة، وتداخل الحسابات الإقليمية والدولية والعربية على الساحة اللبنانية".
واشار الى انه "في هذا الجو، نلاحظ أن المنطقة العربية تهتز بفعل الأوضاع الأمنية التفجيرية، كما حدث في سوريا وفي العراق والصومال، ولا بد لنا من مراقبة هذه الأوضاع بدقة ووعي، لأن النار عندما تندلع في أي موقع في المنطقة فإن شراراتها تصل إلى لبنان الذي تشتعل فيه النيران القادمة بفعل الخلافات العربية والاختراقات الأمنية المتعددة. لذلك، علينا أن نتحرك في خطوط المسؤولية الواعية بالعيون المفتوحة، والعقل المنفتح على الآفاق الواسعة، والخطوات المتحركة نحو الوحدة الوطنية والسلام الأهلي والتعايش في خط المواطنة".
اضاف:" لقد سمعنا كلاما عاقلا وحكيما من مرجعيات وقيادات إسلامية على أبواب عيد الفطر السعيد، بعض هذا الكلام صدر عن مفتي المملكة العربية السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الذي رفض فيه طريقة السجال الدائرة حاليا بين السنة والشيعة، داعيا علماء المسلمين إلى الاحتكام للكتاب والسنة، والى أن يكون جهدهم متجها إلى إصلاح الأخطاء لا إلى بيان الأخطاء من كل جانب، والبعض الآخر من هذا الكلام سمعناه من شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي، الذي دعا إلى نبذ الخلافات السنية ـ الشيعية، مؤكدا أن ذلك هو الوسيلة الوحيدة لإضعاف أعداء الأمة الإسلامية، قائلا: "إننا امة إسلامية واحدة، سنية أو شيعية، كلنا ندين بدين واحد ولا يوجد أي خلافات جوهرية بيننا، وأن قوة المسلمين هي في توحدهم بجميع مذاهبهم حتى تستعيد الأمة الإسلامية مكانتها المستحقة بين الأمم".
وختم:" إننا نرحب بهذا الكلام المسؤول العاقل والحكيم، وندعو علماء المسلمين ومراجعهم إلى تحمل مسؤولياتهم في توحيد الصفوف ورصها، بالدعوة إلى كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة، ونبذ الخلافات، والاعتصام بحبل الله المتين، وخصوصا في هذه المراحل الصعبة التي يتعرض فيها الإسلام لأبشع حملات التشويه، ويتعرض فيها المسلمون لكل ألوان الظلم والوحشية والإرهاب".