"في المشهد الإسرائيلي، نلتقي بمعارضة "إسرائيل" المتجددة لتسليح الجيش اللبناني، لأنها تخشى انتقالها إلى حزب الله، كما صرح بذلك أحد المسؤولين الصهاينة، ولذلك فإن المؤيدين لها في الولايات المتحدة الأمريكية من أعضاء الحزبين الديمقراطي والجمهوري، والمحافظين الجدد المسيطرين على الإدارة الأمريكية، سوف يضغطون على المسؤولين الأمريكيين للامتناع عن ذلك، ولن يوافقوا على تزويد الجيش إلا بالأسلحة التي لا تمثل أي وسيلة للردع.
ولذلك، فإن المسؤولين الأمريكيين الذين يزورون لبنان، ويتحدثون عن حاجات الجيش اللبناني، أو أولئك الذين يتحدثون من واشنطن، لا يملكون الاستجابة لطلبات اللبنانيين في تلبية حاجاتهم للسلاح الذي يستطيعون من خلاله الدفاع عن الوطن ضد عدوان "إسرائيل"، لأن سياسة الإدارة الأمريكية هي تسليح هذه الدولة العدوة، وربما تشجيعها على القيام بالعدوان على لبنان مجددا، كما حدث في عدوان تموز 2006 ورفض أي مواجهة لهذا العدوان من خلال الجيش والمقاومة.
ولذلك، فإننا نتصور أن أمريكا الإدارة تريد للبنان أن يبقى ساحة مفتوحة للاعتداءات الإسرائيلية، من دون أن يكون في مقدور الجيش اللبناني مواجهة هذه الاعتداءات، فالموقف الإسرائيلي من رفض تزويد الجيش اللبناني بالسلاح المعتبر هو موقف أمريكي في العمق، لأن إدارة المحافظين الجدد لا توافق على تمكين لبنان من أن يملك أي عنصر قوة في مواجهة "إسرائيل"، وليس الحديث عن تزويده بالمروحيات أو بالذخيرة إلا من قبيل الرسائل الأميركية المتواصلة، التي تريد للجيش أن يأخذ دورا قتاليا في الداخل، ولا يكون كذلك في مواجهة العدو الإسرائيلي، ونحن نعرف أن الجيش لا يسير في هذا الخط ولا يعمل بوحي هذه الرسائل.
أما الحديث عن خشية المسؤولين اليهود من انتقال السلاح إلى المقاومة، فهي محاولة إسرائيلية وأميركية فاشلة للايقاع بين المقاومة والجيش، واعتراف ضمني بأهمية العلاقة التنسيقية بين الجيش والمقاومة، بما يمنع العدو من الامتداد في عدوانه وأطماعه.ونحن لا نزال نتابع المنهج الإسرائيلي في مراقبة كل صفقات السلاح التي تحدث بين أمريكا وبعض الدول العربية المعترفة بـ"إسرائيل" سياسيا، أو المؤيدة لها واقعيا، في فرض الشروط على حليفتها الأمريكية بأن لا تكون هذه الأسلحة قادرة، ولو في المستقبل المتغير، على الإضرار بالدولة العبرية من خلال طبيعة العناصر الداخلة في تكوينها العسكري، وربما اعترضت في بعض الحالات على مثل هذه الصفقات لأنها تخطط لتكون الأقوى في المنطقة كلها، وهذا ما جعلها تتصل بروسيا لمنعها بواسطة الاحتجاج والأساليب والدبلوماسية من بيع السلاح لسوريا حتى السلاح الدفاعي، لأن ذلك سوف يخل بتوازن القوى في المنطقة انطلاقا من هدفها المعلن بأن تكون سوريا في موقع الضعف أمامها، لتبقى في موقع القوة الضاغطة من خلال احتلالها للأرض السورية في الجولان.
وهذا ما يجب على الدول العربية أن تتفهمه من أجل الإعداد للاستراتيجية التي تطالب بها الشعوب لصنع القوة الرادعة، بحيث تملك الدفاع عن أوطانها ضد هذه الدولة الغاصبة أو ضد أي احتلال أمريكي طارىء، كما حدث في الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق، أو أي بلد عربي أو إسلامي آخر، كما تخطط له الإدارة الأمريكية التي تعمل من أجل توجيه العالم العربي ـ وربما الإسلامي ـ إلى المواجهة ضد إيران في الحرب الإستباقية التي تطلق تهديدها ـ مع حليفتها إسرائيل ـ ضد هذا البلد الإسلامي.
وعلى الجميع أن يعرفوا أن الدولة اليهودية التي تتحرك من أجل أن يبقى القلق على المصير في واقع الشعب الفلسطيني، ليفقد الأمل في المستقبل الذي يملك فيه تقرير مصيره في دولة فلسطينية مستقلة قادرة قابلة للحياة، بالرغم من الوعود الكثيرة التي يطلقها المجتمع الدولي، وخصوصا الواقع الأمريكي والأوروبي الذي يتعامل مع الواقع الفلسطيني على أساس الوقت الضائع، الأمر الذي جعل من خريطة الطريق مشروعا لا فاعلية له، لأن رئيس الوزراء البريطاني السابق، بلير، الذي وظف للاشراف على هذا الصراع، يصرح بأنه يعمل لمصلحة "إسرائيل" بالنيابة عن المجتمع الدولي، ولذلك لم يحقق شيئا، وكأنه يريد استذكار وعد بلفور البريطاني الذي أسس لاغتصاب اليهود لفلسطين عند انتداب بريطانيا لها.
وقد قام أحد المجاهدين الفلسطينيين من القدس في عملية نوعية، حيث اقتحم بسيارته تجمعا لجنود العدو الذين أصيب البعض منهم بجراح خطيرة، وقد جاءت هذه العملية انطلاقا من الحالة النفسية التي يعيشها الفلسطينيون في ظل المحاولات الإسرائيلية الدائمة لتهويد القدس وتهديد المسجد الأقصى بالانهيار، واضطهاد المواطنين في القدس الشرقية والتضييق عليهم في أوضاعهم السكنية والاقتصادية والتربوية والأمنية، بحيث أنه قام بعمليته هذه بروحية استشهادية، وقد سمعنا وسنسمع المزيد من الاستنكارات الدولية والعربية وربما الفلسطينية لهذه العملية، ولكنهم لم يدرسوا الخلفيات الإنسانية الوطنية الكامنة وراء هذا البطل الفلسطيني المجاهد، ولا سيما عندما تنطلق التصريحات الصهيونية الأمريكية بأن القدس "سوف تبقى عاصمة أبدية لـ"إسرائيل" ولا مكان للفلسطينيين فيها.
من جانب آخر، شهدت مدينة نيويورك الأمريكية اجتماعا دوليا ضم 120 مسؤولا من دول العالم في نطاق الجمعية العمومية للأمم المتحدة، التي تحولت إلى مسرح لا سقف له من الناحية العملية في حل المشاكل المعقدة في العالم، ولا سيما دول العالم الثالث، وقد تناوب على منبرها خطباء جاؤوا من نواحي الأرض الأربعة، فقدموا شكواهم لمن لا يسمع، أو عرضوا أنفسهم وبلادهم للبيع لمن لا يشتري.. لتكون الكلمة الضاغطة على الجميع هي كلمة الولايات المتحدة الأمريكية التي تتحدث بصفتها الكونية، باعتبارها القائدة للعالم والتي جاءت بمثابة أمر عمليات للهيمنة الأمريكية المطلقة على الكون، مع التهديد والإنذار والتلويح بالعقوبات لمن يعصي.
كما تحدث الرئيس الأمريكي عن إيران وسوريا باعتبارهما "داعمين للارهاب"، ما يفرض على المجتمع الدولي إقرار العقوبات عليهما، إضافة إلى كوريا الشمالية وإلى حركات المقاومة التحريرية في فلسطين ولبنان، وليخرج الجميع من هذا الاحتفال الدولي من دون أية نتائج واقعية، لأن مهمته لا تخرج عن الدور الإعلامي الذي قد يوحي بدعم بعض القضايا الحيوية في الدول المستضعفة من خلال التأييد الكلامي في أصوات الأكثرية.
أما مجلس الأمن الدولي، الذي تحول إلى مشكلة للشعوب التي تبحث قضاياها فيه، لأن القرارات الصادرة عنه تمثل الهيمنة الدولية التي تقودها أمريكا مع بعض حلفائها الأوروبيين، بحيث تعاقب هذه القرارات من يعارض أمريكا وتمنع الإدانة عمن يلتزم بسياستها، وهذا ما نلاحظه في تبرير مجلس الأمن لجرائم الحرب الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، واحتلال أمريكا للعراق الذي لم يستطع هذا المجلس أن يمنعها، ما أدى إلى تدمير دولته بالقوة العسكرية، وتمزيق وحدة شعبه، ليعيده مذاهب وشيعا وأعراقا وعناصر متقاتلة، لا سيما أن أكثر دول الاتحاد الأوروبي تخضع، في أكثر سياساتها في العالمين العربي والإسلامي، للسياسة الأمريكية من خلال حاجاتها الأمنية والاقتصادية، الأمر الذي يجعلها شريكة لأمريكا في مجازر حلف شمال الأطلسي، وفي الفوضى الأمنية في أفغانستان وباكستان، بحيث لم يعد هناك أي استقرار في هاتين الدولتين لأن الخطة هي بقاء السيطرة الأمريكية على هذا الموقع الاستراتيجي في المنطقة من أجل تأكيد نفوذها فيها".
إن المشكلة هي أن الأمم المتحدة تحولت إلى مجرد مؤسسة فاشلة لا يسمح لها بإدارة العالم، فأميركا تخطط لإدارته بمفردها ولكنها لا تمانع في استخدام المنظمة الدولية لخدمة المصالح الأمريكية.
أما في لبنان، فقد استمعنا إلى بعض الكلمات التي تثير مسألة الاعتذار من اللبنانيين بطريقة غائمة أو غامضة، ونحن نرحب بأي اعتذار صريح يصدر عن أي مسؤول سياسي لبناني كانت له تجاربه المريرة التي تركت بصماتها السلبية على البلد كله، ولكننا نريد لهذا الاعتذار أن يتحول إلى حركة عملية تفيد اللبنانيين جميعا في مستقبل البلد وأجياله، عندما يصل إلى مستوى الاستقالة من العمل السياسي، كما نشهد ذلك في البلدان التي يحترم فيها المسؤولون شعوبهم، لأننا نتصور أن استقالة من هذا النوع قد تمهد السبيل لاستقالات أخرى لأمراء الحرب، الأمر الذي قد يفسح في المجال لقيادات لبنانية شابة، ولدماء جديدة طاهرة لم ترتكب الإثم السياسي من بواباته الواسعة، أن تقود دفة السفينة اللبنانية إلى شاطئ الأمان".
وأخيرا، إننا في هذه الأيام نطل على مرحلة جديدة تقترب فيها المواقع السياسية من حركة مصالحات وتفاهمات جديدة، ونحن نرحب ترحيبا كبيرا بأية مصالحة حقيقية على المستوى الوطني بعامة، وعلى المستوى الإسلامي بخاصة، ونضع كل إمكاناتنا لتحقيق الوفاق على الساحة الإسلامية بما يخدم الوحدة الإسلامية في الداخل والخارج، ويؤسس للوفاق الحقيقي الذي يتطلع إليه الجميع للخروج من دائرة الخطاب التخويني والتقسيمي والمذهبي، إلى فضاء الخطاب الوطني والإسلامي الجامع والشامل والموحد".