العماد عون: هناك استعدادات داخلية لبعض القوى لملاقاة ضربة الخارج داخليا وأسود الإستقلال لا يزالون "واوية" الإحتلال
وطنية - 15/9/2007
استقبل النائب العماد ميشال عون في الرابية بعد ظهر اليوم وفدا حاشدا من زحلة تقدمه النائب سليم عون، والقى امامهم الكلمة التالية: "من المؤكد أنكم قطعتم المسافة للاستماع إلى كلمة من وحي المناسبة، ألا وهي مناسبة الانتخابات الرئاسية التي يتم التحضير لها في ظل أجواء مكفهرة ربما أنعم الله علينا التحلي بالطباع المناسبة التي تمكننا من العمل حتى في ظلّ اجواء ضاغطة، ونستطيع طمأنتكم وتحمل المسؤوليات.
مضت سنتان ونيف على عودتنا من المنفى ونحن نتعاطى في شؤون القطاع العام. فوجئنا لدى رجوعنا الى الوطن برؤية الذين كانوا بين أعوان الوصي على لبنان، قد فازوا بالانتخابات النيابية كأنهم تابعوا مسيرتهم السياسية على النمط والنهج نفسيهما.
لذلك نراهم لم يتعلّموا شيئًا من التجربة التي عانيناها لأنهم لم يمرّوا بها؛ فعندما كنا نشرَّد ونُضرَب في الشوارع ويتمّ توقيفنا في السجون، كانوا يعتلون كرسي الحكم، وظلّوا يعتلونه على رغم تغيّر الأوضاع، من هنا علمنا انهم كانوا يشكّلون جزءًا من المؤامرة التي بدأت سنة 1990؛ لذلك لا أطلق عليهم قوى 14 آذار أو 14 شباط، بل قوى 13 تشرين، لقد ظلّوا يعتمرون الطربوش الدولي نفسه، إذ علّهم لم يتمكنوا سنة 1990 من تنفيذ الخطة التي أرادوها، فأرجئت لمدة 15 سنة، ولبنان يُغمّس بالفقر وأهله يهجّرون.
قبل العام 1990 هُجّر اللبنانيون بواسطة البندقية؛ وبعد هذا التاريخ هُجّروا بواسطة الدولار، لأنّ الحياة الاقتصادية تعثّرت وأصبحت الديون تتراكم على لبنان. فإذًا، اللبنانيون هجّروا بطرق سياسية ومن ثمّ اقتصادية؛ وانا أشترط أن ليس هناك بينكم أحد ليس له أقارب هُجروا من لبنان. فالكلّ لديه عائلات وأقارب يعيشون خارج وطنهم، (وأنا هنا قصدت التحدّث عن الهجرة الحديثة التي بدأت منذ الثمانينات حتى اليوم، وتحديدًا تلك التي بدأت في التسعينات).
بتنا نسال اليوم، إلى أين المصير؟ في ظلّ هذا الحكم الذي عمل خدمًا لدى الخدّام، ولا يزال يريد الاستمرار ظنًا منه أنه أصبح سيّدًا. دعوني في هذه المناسبة اروي هذه الطرفة: في يوم من الأيام سقط ثعلب في وعاء يحتوي مادّة للطلاء، وعندما استطاع الخروج من الوعاء رأى أنه أصبح مُرَقّطًا، فظنّ نفسه نمرًا وذهب يهاجم الحيوانات الضخمة. فالتقى مرّة ثورًا يشرب من بركة مياه فهاجمه، فرمى به الثور في المياه ولدى خروجه منها وجد انّ الصباغ زال عنه، فتذكّر انه ثعلب... فهؤلاء الذين ظنّوا انفسهم أسود الإستقلال لا يزالون "واوية" الإحتلال.
لا بُدّ أنهم سيعربون غدًا عن استيائهم إلى سماعهم ما قلته، كونهم مهذبين ويتحدثون بلطف... فهم على سبيل المثال يسرقون قانون الإنتخابات ويعتبرون هذا العمل فضيلة ومهارة، بعيدًا عن عمل الثعالب. ونراهم يسرقون المقاعد النيابية ويحلّون المجلس الدستوري، معتبرين أعمالهم تدخل ضمن نطاق التهذيب. كذلك نراهم يفخرون بأنفسهم وهم يخرقون الدستور ويمتنعون عن إصدار موازنة مالية. يخرقون كل القوانين والدساتير في ظلّ خطاب يتضمّن الكلام المعسول والمهذَّب.
يتراكم 45 مليار دولار دينًا وقد يصل الى 50 مليار دولار، ولا نقول الحمد لله. هناك ثلاث مشاكل إنسانية: الأولى الموقوفون في السجون السورية، فقضيتهم متروكة لأنّ غالبية من هم في السلطة هم أنفسهم مسؤولون عن وجودهم في السجون السورية، الثانية هي المهجرون ومعاناتهم مستمرة منذ 25 سنة، وكيف يحملهم ضميرهم ترك هذه القضية والناس بعيدون عن منازلهم طوال هذه المدة، ويكافأ من هجرّهم، وبعض الناس لا يرفعون أصواتهم على رغم أنّ الجريمة لاحقة به، لأنّ طبعهم أصبح تدجينيًّا. هذه التربية التي تعلّم الخضوع لن نقبلها، لأنهم يريدونكم نعاجًا، أما الثالثة فتتعلّق باللاجئين اللبنانيين في إسرائيل سنة 2000 وحاولنا استعادتهم بمشروع قانون، والحكومة تعمل على عرقلة عودتهم في المحاكم. هذه الحكومة التي لا تعالج القضايا الإنسانية تعمد على خلق المشاكل الإضافية لأنّه لا تستطيع تقديم أي شيء إيجابي إلى الناس، أمّا على الصعيد التنموي ففي كسروان وجبيل الحالة نفسها. فمنذ مجيئي لم تتحسّن الطرق وحالتها المذرية منذ أيام الاستقلال.
في مقابل 50 مليار دولار دينًا، 4,5 مليار إعمارًا حقيقيًّا، نسأل أين هو عمل الحكومة بالنسبة إلى لبنان عمومًا وأبناء زحلة والبقاع خصوصًا؟ كلّ المناطق في لبنان محرومة، وهدفهم فقط 2 كلم2 وسط العاصمة لأنّهم يستملكونها، وما يزعجهم في الإعتصام القائم هو أنّه يقع في وسط العاصمة، ولو كان في وسط بعبدا أو جونية او طرابلس أو صيدا أو صور لما انزعجوا، كلّ المناطق اللبنانية تستحق الإهتمام ولها حق العمران، بيروت عاصمتنا ونريدها جميلة ونفتخر بها لكن جمالها لا يكون على بشاعة الأمكنة الأخرى.
هذه الحكومة لم تعالج أيضًا القضايا المعلقة سياسيًا كقانون الإنتخابات خصوصًا أنهم وعدوا في بيانهم الوزاري بنيتهم في الشروع في قانون انتخابات جديد، هذا الفشل الذريع على المستوى الإنمائي يواكبه فشل على المستوى الوطني. لبنان لم يعش هذا الإنقسام الحاد في السياسة ويحرّض من الخارج ليكون هذا الإنقسام، مع كلّ طلّة شمس نسمع ونقرأ دعمًا لحكومة السنيورة، فنسأل هذا الدعم الذي يأتي ضدّ من؟ هل ضدّ المحتلّ أم ضدّ قسم من شعبها؟ في المقابل هناك استعدادات داخلية لبعض القوى السياسية لملاقاة ضربة الخارج داخليًا، نتمنّى لهم الإنتكاسة من الداخل ومن الخارج. أمعقول أن تقبل هذه الوقاحة، أن ينتظر البعض اعتداءً على شعبه لتتسنى له السيطرة؟ أيريدون الحكم؟ الحكم شراكة، يرفضون لأن البعض يريد استعمار الناس في لبنان. أليست هذه حالة البعض في لبنان، كمناطق جبل لبنان، وأموال المناطق المهجرةّ تذهب في اتجاه المهجِّر لا المهجَّر. لن نرضى بدفع المال لأناس يبتزون جيرانهم وهم معتدون طوال 25 سنة، هذا الإستعمار المحلي مرفوض، وإن عاد البعض منهم فبأي روحية عائدون؟ عليهم الطاعة. لن نقبل بهذه المفاهيم، هناك حاكم ومحكوم وذهنية التسلّط ستكون وخيمة على ممارسيها، عليهم الإقرار بغلطهم والاّ نالوا العقاب في الآخرة كما في الدنيا، لأنّنا لا يمكننا التنبؤ.
هذه السلطة التي تعيش بالقرصنة وفرض الخوات لن تستمّر، وهذه السياسات التي التي تعيد إلينا أناسًا من متاحف الشمع لن نقبلها. أما في موضوع رئاسة الجمهورية فيريدون رئيسًا لا يؤذي ذبابة ولا نملة بل يريدون ان يأكله الذباب والنمل، لأنهم يريدون أن يكونوا زعماء على دويلاتهم. الوطن في حاجة الى رجال لا يتخطون الدستور والقوانين، والرجل القوي قوي باحتكامه إلى القوانين، لا بتخطيها، عندما نرى زعماءنا يخضعون أنفسهم لقانون السير، سنشعر جميعًا بقيام دولة.
تعبنا كثيرًا لخلق تفاهم بين اللبنانيين لتكونوا مرتاحين في ما بينكم، وأعتقد أن زحلة ومحيطها متفاهمان للعيش في هذه الطمأنينة. كثيرون هم المنزعجون وهؤلاء لا يعيشون إلا على الشغب ولولا الشغب لا وجود لهم، لأنهم لا يتمكنون من إنتاج عمل إيجابي أو تقديم الصالح للمجتمع. آمل أن يكون عدد الهامشيين في المجتمع قليلاً وأن يكون أصحاب الإرادة الخيّرة أكثرية، وآمل أن تكون تربية الشباب الطالع صالحة من دون أن تحصل إغراءات لأن من ليس لديه تجربة تغويه بعض الأفكار المتطرفة. انتبهوا إلى الأطفال والشباب لئلا يجرّوا إلى أفكار غير صالحة لا للبنان ولا لغيره.
المجتمع العالمي اليوم يتطور نحو المجتمع التعددي الذي يضم كل الحضارات والثقافات والأديان، لا الذي يذهب في اتجاه التقسيم. ومن يدافع اليوم عن مجتمعات أحادية يقوم بآخر انتفاضة قبل الموت، لأن المجتمع العالمي بات قريبًا بعضه من بعض بواسطة الاتصالات والطيران والإنترنت والتلفزيون والتلفون. لا مجتمع أحاديًّا بعد اليوم، والمجتمعات المتطرفة ستخضع للتعددية، فلا تتراجعوا لأن مجتمعنا نموذج في التعددية والعالم لحقنا في تعدديتنا فهل نعود إلى الوراء ونتحدث عن التقسيم؟ بالعكس، نحن في التيار الوطني معروفون بشرعتنا الإنسانية التي تجمع كل الناس وتعترف لكل فرد بحق الاختلاف وأعتقد أن هذه رسالتكم الأساسية ضمن المجتمع اللبناني".