شدد آية الله السيد محمد حسين فضل الله على ان معاناة المسيحيين والمسلمين في الشرق هي معاناة واحد ناشئة في الأساس من القوى المستكبرة والمستعمرة والمحتلة ما دفع ثمنه المسلمون والمسيحيون على حد سوا كما جرى في فلسطين والعراق. ورفض الحديث عن تهجير يتعرض له المسيحيون في الشرق مشددا على احتضانهم في أوطانهم، ومؤكدا ضرورة التعامل مع المشاكل التي قد تحدث بين مسيحي وآخر مسلم كما يحدث في مصر على سبيل المثال كمشاكل فردية يحدث الكثير منها بين المسلمين أنفسهم والمسيحيين أنفسهم داعيا الى إخراج الحوار الإسلامي - المسيحي من دائرة التوظيف السياسي الى العمق الفكري واللاهوتي.
استقبل فضل الله وفداً كنسيا ايطاليا برئاسة رئيس مركز حوار في أبرشية تورينو الايطالية الأب تينو نيغري والصحافي في التلفزيون الايطالي باولو جيرولا والزميل كميل عيد.
وجرى في خلال اللقاء حوار في العلاقات الإسلامية - المسيحية ووضع المسيحيين في الشرق في ضوء التطورات التي عصفت بالمنطقة وخصوصا في أعقاب الاحتلال الأميركي للعراق كما جرى بحث في آفاق الحوار الإسلامي - المسيحي ووسائل هذا الحوار وأساليبه، والعلاقة بين المرجعيات الإسلامية والفاتيكان.
وشدد على ان المرجعيات الإسلامية وعلماء المسلمين من السنة والشيعة بعامة لا يعتبرون ان العنف هو الأساس في العلاقة مع الآخر، ويجدون فيه أسلوبا غير إنساني وغير شرعي، الا اذا تمثّل في مسألة الدفاع عن النفس ومقاومة المحتل وبهذا نلتقي مع منطق الغرب نفسه في ان مسألة الدفاع عن النفس ورفض الاحتلال والعمل على طرده هي مسألة شرعية وإنسانية تقرّها القوانين وتؤكدها الأديان كما حدث ذلك في الغرب في خلال الحرب العالمية الثانية والموقف من الاحتلال النازي فلا يكون العنف إلا لمن يوجه إلينا العنف.
حيث لا يمكن ان نقدم اضمامة ورد لمن يراشقنا بصواريخه ويقصفنا بطائراته، ويعمل على تجريدنا من حقوقنا، ويسعى لتهجيرنا من بلادنا، وإخراجنا من أوطاننا.
ورأى ان المشاكل التي تعترض المسيحيين في لبنان لا علاقة لها بالمسيحية من الناحية الفكرية او الدينية، بل هي ناشئة من الصراع السياسي في لبنان ومن كون لبنان دولة لا وحدة للمواطنين فيها، بل هناك نظام طائفي يعمل على تقسيم اللبنانيين في كتل بشرية وتجمعات مذهبية وطائفية ليكون الحديث دائما عن حقوق هذه الطائفية او تلك، وليضيع الجميع في فوضى الخروج من الدائرة الوطنية الى الدائرة المذهبية والطائفية التي يمثل فيها المذهب سجنا او شرنقة يأبى النظام الطائفي او نظام المحاصصة ان تنفتح على مسألة المواطنة من باب الكفاءة والعطاء وأصالة الانتماء.
وشدد على احتضان المسيحيين واحترامهم في أوطانهم وبلدانهم في الشرق، مشيرا الى ان الحديث عن وجود خطة لتهجيرهم من الشرق ليس حديثا صحيحا، لان معاناة المسيحيين والمسلمين في الشرق هي معاناة واحدة، وقد انطلقت في معظم الأحيان من تدخلات القوى المستكبرة والمستعمرة، وقوات الاحتلال التي خلقت فوضى دامية في المواقع التي احتلتها - كما حدث في العراق بفعل الاحتلال الأميركي - ما دفع ثمنه المسلمون والمسيحيون على حد سواء، وكما حدث في فلسطين المحتلة ايضا والذي دفع ثمنه المسيحيون والمسلمون ايضا.
وأكد سماحته ان تصوير ما يحدث في المنطقة على انه حرب إسلامية على المسيحيين، كما تحاول بعض وسائل الإعلام الغربية تصوير ذلك، هو أمر يحمل في طياته العديد من الدلالات الخطيرة، وينطوي على مؤامرة لا تستهدف الإساءة الى صورة الإسلام في الغرب فحسب، بل تستهدف الإساءة ايضا للمسيحيين، كما تستبطن الترويج لمشاكل قادمة ضدهم، مع ان المصلحة والحقيقة تقتضيان تقديم الصورة الحقيقية للإسلام الذي اكد على الكلمة السواء في العلاقة بين المسلمين والمسيحيين، وشدد على الاعتراف بالآخر الديني والسياسي وعدم الجدال مع أهل الكتاب، الا بالتي هي أحسن.
ورأى ان مشكلة الحوار الإسلامي - المسيحي انه بقي لافتة يستخدمها البعض دون ان يعملوا على إخراج هذا الحوار من دائرة التوظيف السياسي الى فضاء الجدال العلمي والموضوعي الذي يأخذ فيه الحوار دوره العميق حتى في القضايا اللاهوتية والفكرية.
وأكد ضرورة التعامل مع المشاكل التي قد تحدث بين أفراد ينتمون الى المسيحية وآخرين ينتمون الى الإسلام في هذا البلد او ذاك، كما في مصر على سبيل المثال، بحسب طبيعتها وواقعها، كمشاكل فردية تحدث الكثير من المشاكل المثيلة لها بين المسلمين أنفسهم والمسيحيين أنفسهم.