استراتيجية الدفاع بند وحيد
الملف الرئيسي على طاولة الحوار واحد عنوانه الاستراتيجية الدفاعية للبنان، ويقتصر جدول أعمال الجلسة الافتتاحية على كلمة أعدّها الرئيس سليمان، وستكون بمثابة ورقة عمل ينطلق منها المتحاورون، وارتكزت في بنودها وطروحاتها على خطاب القسم والبيان الوزاري لحكومة العهد الجديد، وقد يضاف بند آخر يتعلّق بتوسيع إطار المشاركين ليشمل قوى فاعلة وأحزاباً وتيارات سياسية أساسية ومعتبرة، ولو كانت غير ممثلة في المجلس النيابي، ومن المقرر أن تنبثق عن لجان متخصصة تتولى مناقشة عناوين الاستراتيجية الدفاعية.
عنوان واحد ورؤى متناقضة
أجمع الكل على ضرورة الاستفادة من هذه الفرصة الاستثنائية للتلاقي والعمل للتوافق على النقطة الأهم، إلا أنه سبق انعقاد الجلسة تصريحات عكست مواقف الأطراف المعنية التي انقسمت إلى فريقين متعارضين، يملك كل واحد منهما رؤيته الخاصة في التعاطي مع قضايا البلد الداخلية والخارجية، ففريق 14 شباط وقوى الموالاة دأبت على تعديل عنوان الحوار من الاستراتيجية الدفاعية إلى بحث سلاح حزب الله وحصر امتلاك السلاح وقرار السلم والحرب بيد الدولة اللبنانية، وفي هذا الطرح ما فيه من تحوير وتشويه للوقائع وانقلاب على الثوابت التي تم الاتفاق عليها في جلسات الحوار التي جرت في مجلس النواب في تموز 2006 وتوقفت من جرّاء الحرب الإسرائيلية الثانية على لبنان. أما الفريق الآخر الذي يمثله حزب الله وقوى المعارضة فلا يزال يؤكد على ضرورة توفير عناصر امتلاك القرار الوطني الحر، الذي يبدأ من تكريس نهج المصالحة الداخلية والتوحّد خلف خيار الدولة الذي يكفل حماية الوطن والمواطن من أي تهديد داخلي أو خارجي.
قواعد أساسية للحوار
حددت قيادة حزب الله وقوى المعارضة منطلقاتها الأساسية للذهاب إلى طاولة الحوار، وهي لم تتغير منذ أن طرح الأمين العام سماحة السيد حسن نصر الله بند الاستراتيجية الدفاعية على طاولة حوار "ساحة النجمة"، وترتكز هذه المنطلقات إلى ثلاثة قواعد أساسية:
أولاً: أن يكون المجتمعون متفقين أن لديهم عدواً واحداً هو "إسرائيل". وتطلب هذه القاعدة جواباً على سؤال رئيسي عن ماهية استراتيجية الدفاع، حيث لا بد في البداية من تحديد العدو من الصديق، وأي عدو تجب مواجهته، فلا تأتي استراتيجية تحمي لبنان من الاشقاء بدل أن تحميه من العدوان والتهديد المستمر للعدو. كما أن عنوان هذه الاستراتيجية هي دفاعية، والدفاع عن النفس والأرض والحقوق حق لا يحتاج الى قرار، ومن هنا فإن المطالبات بتحديد الجهة صاحبة القرار في السلم والحرب، ولا سيما في ظل الظروف الحالية وفقدان القدرات العسكرية والأمنية الفاعلة في الدفاع عن لبنان، هي مطالبات في غير محلّها وتناقض الواقع، دون أن ننسى أنه ما زال هناك أرض لبنانية ترزح تحت نير الاحتلال الإسرائيلي تنتظر تحريرها.
الدولة القادرة والعادلة
ثانياً: أن يكون المجتعون مقتنعين ببناء الدولة القادرة العادلة المتوازنة القوية النظيفة التي تضع حدّاً لكل أنواع الفساد والانحراف، وتعمل للتساوي بين المواطنين وتهتمّ بالبناء الاجتماعي الاقتصادي من موقع الاقتدار والمساواة بين المواطنين. وتتصل هذه القاعدة أيضاً بالنواحي الأخرى المتعلقة بالخطاب الاعلامي واعتماد المناهج التربوية والتعليمية ترتكز على أسس واضحة، وتؤسس لثقافة وطنية عامة وشاملة في البلد، وتأخذ في عين الاعتبار تنشئة الأجيال على عقيدة الانتماء الوطني وعدم الارتهان إلى الخارج وكل ذلك بهدف ترسيخ مفهوم الاستقلال والسيادة.
الدولة تحتضن المقاومة
ثالثاً: أن يكون الهدف توفير المقوّمات اللازمة لتحرير الأرض وتأمين الدفاع عن لبنان من خلال الاستراتيجية الدفاعية، وذلك استناداً إلى معادلة واحدة اسمها "الدولة تحتضن المقاومة"، فـ"لا توجد معادلة اسمها الدولة في مقابل المقاومة أو المقاومة مقابل الدولة كما لا يوجد معادلة اسمها الدولة والمقاومة"، وفق ما أكّده نائب الأمين العام لحزب الله سماحة السيخ نعيم قاسم. وهذا الأمر له مفاعيل وانعكاسات ميدانية وعملانية على الأرض لا تنفصل عن منظومة الدفاع العامة، وتتصل بعمل أجهزة المخابرات والامن، للحيلولة دون انكشاف الوضع الامني في لبنان كما كان سائداً في السنوات الثلاثة الماضية، فلا تتحوّل الأولوية عند بعض أجهزة قوى الامن من مواجهة تحركات العدو الاسرائيلي الى مواجهة المعارضة ومن يقف ويتحالف معها.
الحوار خيار لا بد منه
بات الحوار الداخلي في الظروف التي يعيشها لبنان حاجة ملحة، والمشاركون فيه مطالبون بإنجاحه من خلال الدخول في نقاش جدي وبكل موضوعية للتوصل إلى قواسم مشتركة وجامعة، ولا خيار آخر غير الحوار للجوء إليه، خصوصاً بعد أن سقطت كل المراهنات التي وضعتها قوى الموالاة على الخارج، وبعد أن أكّدت أحداث 7 أيار صوابية التوجّه الذي تعتمده المقاومة وقوى المعارضة، وأظهرت حكمة عالية لقياداتها في ضرب عناصر الفتنة الداخلية وإجهاض مفاعيلها، وأسّست لمسار تصالحي عام في البلد يسهم في تعزيز الاستقرار والسلم الأهلي وتحصين الوحدة الوطنية في مواجهة الاخطار وفي طليعتها الخطر الإسرائيلي، ولكن يبقى الأمل مرهوناً بالعمل ونوايا البعض ممن لا يزال ذهنه عالقاً بحلم الفيدرالية وحكم الكانتونات، ولا يملك أن يصوغ قراره دون مباركة السفارات.