المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


أخبار

آية الله فضل الله: الإيحاءات الإقليمية والدولية لا تزال تفرض نفسها على الحركة السياسية في الوطن


وطنية -12/9/2008

ألقى آية الله السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك في حضور فاعليات وحشد من المؤمنين. ومما جاء في خطبته: "في المشهد الأميركي، نلتقي بتصريح نائب الرئيس، ديك تشيني، في اتهامه لروسيا بالرجوع إلى أساليب الترويع التي كانت متبعة خلال الحرب الباردة، وتمرير الأسلحة إلى إيران وسوريا، وهي تعلم - على حد قوله - أن هذا السلاح سيصل إلى منظمات إرهابية من فصائل الانتفاضة كحماس والجهاد في فلسطين وحزب الله في لبنان"، معتبرا "أن صفقات السلاح الروسي تعرض فرص السلام في المنطقة للخطر".

وقال: "نحن نلاحظ أن الإدارة الأميركية تتابع ممارسة الترويع للشعوب فتقتل ـ في شكل مباشر - المدنيين الأبرياء في استهدافهم بطائراتها المتطورة وبالقصف الوحشي، وهو ما تمارسه في أفغانستان التي أحصت إحدى منظمات حقوق الإنسان عدد المدنيين الذين قتلوا في عمليات القصف الأمريكي الذي تضاعف ثلاثة أضعاف بين عامي 2006 و2007، فقد قتلت 929 مدنيا على الأقل في عام 2006 وفي عام 2007 و1633 مدنيا في عام 2007، أما في هذه السنة فقد قتلت في الأشهر السبعة الأولى أكثر من 540 مدنيا من دون احتساب ضحايا غارة "هراة" التي حصدت 90 مدنيا من النساء والأطفال والشيوخ والشباب الأبرياء، هذا إلى آلاف القتلى الذين قتلتهم في احتلالها للعراق، ما يضع أميركا في المرتبة الأولى في قائمة الإرهاب ضد الشعوب".

وتابع:"إننا نسأل نائب الرئيس الأمريكي "تشيني"، الذي خطط لحروب أميركا ضد العالم العربي والإسلامي، عن صفقات السلاح الأميركي التي أرسلتها إدارته للدولة اليهودية في عدوانها المتكرر على لبنان، من أجل تدمير بنيته التحتية، وتوفير الإمكانات للمجازر الوحشية التي ارتكبتها "إسرائيل" في قانا ومروحين وصريفا والغازية والشياح وغيرها، وفي القنابل الذكية والعنقودية التي ما زالت تقتل اللبنانيين من المزارعين والسكان المدنيين، فضلا عن مساعدة أميركا لها في تطوير سلاحها النووي الذي يمثل الترسانة الذرية الكبرى في المنطقة، وتزويدها بأكثر الأسلحة تطورا وإلحاقها بمنظومتها الصاروخية، ما يشجع مسؤوليها وجيشها على تهديد الشعب اللبناني بحروب مستقبلية قادمة ضده، كما يشجعهم على قتل المزيد من المدنيين الفلسطينيين بالقصف الوحشي من طائراتها ومدافعها الصاروخية، الأمر الذي أبعد المسألة الفلسطينية عن مسارات الحلول التي يتحدثون عنها، وأدخلها في متاهات الحصار والمآسي وحرب التجويع، وشجع "إسرائيل" على العبث بما يسمونه عملية السلام في بناء المستوطنات والجدار الفاصل ومصادرة القدس ومعها حق العودة للاجئين".

اضاف:"إن الإدارة الأميركية تمثل حركة الدولة التي تصنع الحروب، وتمنع السلام، وتحرك إستراتيجيتها لخلق التوترات الأمنية في العالم، وخصوصا العالم الإسلامي الذي تخطط للإطباق على سياسته وثروته وأمنه، من أجل السيطرة على أوضاعه لحساب إمبراطوريتها الكونية وقوة حليفتها "إسرائيل". ولعل حركتها في خلق الفوضى الأمنية في القوقاز، لتطويق روسيا سياسيا، وتهديدها بالدرع الصاروخي لإضعافها في تلك المنطقة، هي الشاهد على الإستراتيجية التي تخطط لإبقاء العالم في قبضة الفوضى التي قد تدفع الاتحاد الأوروبي معها في تعقيد علاقاته بأكثر من موقع من مواقع الصراع".

وتابع فضل الله:"من جانب آخر، يتحدث الإعلام العسكري الأميركي عن أن وحدات أميركية متخصصة قامت بتدريب عناصر أمنية لبنانية رسمية على مكافحة الإرهاب، ونحن لا نمانع من حصول قوى الأمن اللبناني على الخبرة في مواجهة الإرهاب وظواهره المتعددة، ولكن لبنان بحاجة إلى أن يملك القوة في مواجهة الإرهاب الإسرائيلي الذي لا يزال يواصل ضغطه العدواني على اللبنانيين جوا وبرا وبحرا، وخصوصا في اختراقات الطائرات الإسرائيلية للأجواء اللبنانية، من دون أن تملك قوات اليونيفيل منعه، لأن الولايات المتحدة الأميركية لا توافق على ذلك، ولأن مجلس الأمن غير قادر على إدانة "إسرائيل" على عدم التزامها بالقرارات الدولية، بما فيها القرار 1701، لأن أمريكا بالمرصاد لأي قرار بإدانتها.. والى جانب ذلك يواصل وزير حرب العدو تهديداته للبنان، في سياق رسائل سياسية وأمنية تفوح منها رائحة التفويض الأمريكي للعدو للدخول على خط الحوار اللبناني الداخلي، وهو ما ينبغي مواجهته بكل دقة وحزم".

وقال: "إن مسألة مكافحة الإرهاب التي تتاجر بها الإدارة الأميركية ليست مسألة واقعية، بل إنها تمثل العنوان السياسي والأمني لمحاصرة كل الجماعات العربية والإسلامية الرافضة للسياسة الأميركية، للقضاء على مقاومتها، ومنعها من الأخذ بأسباب الحرية في تقرير مصيرها، وذلك من خلال المسؤولين عن حكم هذه البلدان في المنطقة الذين وظفتهم أمريكا لتحويل بلادهم إلى سجن لشعوبهم بفعل قوانين الطوارئ والمخابرات المحلية التي تسيطر عليها المخابرات الأميركية، الأمر الذي يؤدي إلى المزيد من المواجهة للوجود الأميركي. ولقد سقطت القوات الأميركية في أفغانستان والعراق وباكستان تحت تأثير المقاومة الشعبية التي تواجه الجيش الأميركي الذي بدأت قواته تخسر الآلاف من جنوده من القتلى وعشرات الآلاف من الجرحى، فضلا عن الدمار النفسي الذي يسقط جنوده في حركتهم في الحرب، فقد اقتربت نسبة الانتحار في الجيش الأميركي في هذه السنة من نسبة الانتحار لدى المدنيين للمرة الأولى منذ حرب فيتنام، فقد اعترف مسؤولون في الجيش الأميركي بأن 93 جنديا انتحروا في هذه السنة، وهو رقم يقترب من الرقم القياسي الذي سجل عام 2007 وبلغ 115، مؤكدين أن هذا الوضع لم يحصل منذ أواخر الستينات ومطلع السبعينات خلال حرب فيتنام. إننا نستوحي من هذه الإحصاءات أن الجنود الأميركيين لم يقتنعوا بهذه الحرب، وخصوصا عندما يواجهون المآسي التي يعانيها الشعب الذي يحاربونه، ولا سيما في قتل الأطفال والنساء والمدنيين الأبرياء، وتشريد الناس من بيوتهم، وتدمير بناهم التحتية، وصولا إلى منعهم من الحصول على الخدمات الحيوية الإنسانية في بلادهم، ما يجعلهم يشعرون بأنهم يمارسون الجريمة ضد الإنسانية في حربهم هذه".

وأوضح: "أما في لبنان، فلا يزال الخطاب المتوتر الذي يثيره بعض السياسيين ضد خصومهم يسيطر على الذهنية العامة، من خلال الجدل الذي يسجل فيه كل فريق نقطة سلبية على الآخر بالطريقة التي تتشنج فيها التفسيرات، ويحرف فيها الكلام، ما يزيد الموقف توترا لحسابات داخلية أو خارجية، أو لتعقيد العلاقات مع هذه الدولة الشقيقة أو تلك بما يؤدي إلى تعطيل التقارب وإبعاد التفاهم في القضايا التي تربط البلد بمحيطه، ما قد يشير إلى أن الإيحاءات الخارجية الإقليمية والدولية لا تزال تفرض نفسها على الحركة السياسية في الوطن.إننا، أمام هذا الواقع، ندعو الجميع إلى اللقاء حول المصالحات التي حدثت في الشمال، وتأكيد العمل من أجل درء الفتنة، وصنع السلام، وإعادة التواصل بين المواطنين، والإفساح في المجال للتعاون من أجل بناء الوطن على أسس سليمة، وانفتاح المواطن على مواطنه بعيدا من التعقيدات المذهبية والطائفية والزنازين السياسية الشخصانية، واعتماد الخطاب الوحدوي الوطني، والأخذ بأسباب الوحدة الإسلامية، ورفض الترويج للفتنة العمياء والخلافات العقيمة، والغيبوبة في كهوف التراكمات التاريخية، وإبعاد الحاضر والمستقبل عن الاهتمامات الكبرى والقضايا المصيرية".

وأكد ضرورة توسعة حركة الحوار بين الأفرقاء على مستوى الزعامات السياسية والقواعد الشعبية، ليكون لبنان وطن الحوار الذي يلتقي فيه الشمال بالجنوب، والجبل بالعاصمة، في الوقت الذي تبدأ الدولة في عملية التنمية على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية، وذلك من خلال اتخاذ الحكومة لقرارات اقتصادية أكثر شجاعة فيما يتصل بأمور العمال والموظفين، وترتيب أوضاع الطبقات الفقيرة التي أصبحت تمثل أكثرية الشعب اللبناني بعدما كادت الطبقة المتوسطة أن تختفي بفعل الغلاء الفاحش ومشاكل الواقع الاقتصادي، وذلك من ضمن الإمكانات المتاحة التي يمكن تطويرها وتنميتها بالمزيد من الاتصالات بالدول العربية والأجنبية التي تتحدث دائما عن اهتمامها بلبنان ومساعدتها له.وفي هذا الجو، إننا نطالب بإعادة تفعيل قانون "من أين لك هذا"، لمحاسبة الذي أثروا من مال الدولة، وصادروا أملاكها البرية والبحرية، لتثبت هذه الحكومة المسماة حكومة الوحدة الوطنية بأنها للوطن كله لا لأصحاب النفوذ الذين يهدرون المال العام لحساب جماعاتهم، ويعطون الرشاوى لمصلحة انتخاباتهم".

وختم فضل الله: "إن الشعب اللبناني يطالب بحكومة الوطن لا بحكومة أو دولة الأشخاص الذين ما زالوا ينقلون البلد من مشكلة إلى مشكلة، بعيدا من أي حل واقعي لأوضاعه المعقدة، لأن الكثيرين منهم أصبحوا هم المشكلة وليس الحل، لأنهم أدمنوا الشخصانية والطائفية والمذهبية ولم يدمنوا الوطنية التي تتسع للجميع.وأخيرا، إننا نريد للبنانيين أن يحرصوا على حماية أمنهم السياسي إلى جانب أمنهم الاجتماعي والاقتصادي، وألا يسقطوا أمام أية محاولة تعمل لنقل البلد من مناخ المصالحات إلى تعزيز واقع الانقسامات، وأن يواجهوا جرائم الاغتيال، كتلك التي حدثت في الجبل قبل يومين، بالمزيد من التماسك والإصرار على التضامن، ورفض العودة إلى أجواء الفتنة التي يعمل لها العدو، من خلال سعيه لاختراق الساحة الداخلية بجرائم الاغتيال المتنقلة التي سبق وحذرت منها، ومن أن العدو يعد العدة لكي تكون المرحلة المقبلة مرحلة اغتيالات وتصفيات لا تطاول فئة بعينها، ولا تستهدف فريقا فحسب، بل أمن البلد والمقاومة والشعب."

12-أيلول-2008

تعليقات الزوار

استبيان