وطنية - 31/08/2008
آية الله السيد محمد حسين فضل الله، أن فرنسا من خلال حكومتها الحالية، بدأت تخاطر بسمعتها الإعلامية والسياسية وبتاريخ الكثير من رموزها في مسألة احترام حقوق الإنسان وحرية التعبير وفي عناوين الحرية والعدالة والمساواة، وكل ذلك لحساب سمعة "إسرائيل".
وراى أن على فرنسا أن تقدم نموذجا في تطبيق القانون واحترام حقوق مواطنيها في التعبير والكتابة قبل أن تتحدث عن الدول الأخرى كدول خارجة على القانون، كما وصف وزير الخارجية الفرنسية روسيا.
واذ اكد ما ذهب إليه الصحافي الفرنسي "باسكال يونيغاس" قبل سنوات بأنه من غير المسموح انتقاد "إسرائيل" في فرنسا، دعا إلى إعادة قراءة الحركة الفرنسية وزيارات المسؤولين الفرنسيين إلى المنطقة ضمن هذا السياق، لأنهم يجعلون أمن "إسرائيل" على رأس أولوياتهم حتى في مقاربتهم للمسألة اللبنانية وعلاقاتهم مع الدول العربية.
وتناول آية الله فضل الله مسألة تعاطي السلطات الفرنسية مع "الأقلام الحرة" والصحافيين الفرنسيين الذين ينتقدون "إسرائيل"، وعلى رأسهم "ريشار لابيفار" وما تعرض له من عملية طرد.
وقال: أظهرت التجارب الأخيرة أن السلطات الفرنسية، ومنذ وصول ساركوزي إلى الحكم، كانت مخلصة لـ"إسرائيل" ربما أكثر من أخلاصها للقضايا والمصالح الفرنسية، إلى المستوى الذي بدأنا نشهد فيه نوعا جديدا من الملاحقة والمطاردة للاعلاميين الفرنسيين الذين يمارسون أي نوع من أنواع النقد الذي يوجه لـ"إسرائيل" في مجازرها وظلمها وقمعها للشعب الفلسطيني أو في الجدار العنصري العازل وما إلى ذلك من أمور تتصل بنقد السياسة الإسرائيلية.
ولعل من اللافت أن تبتدع فرنسا ـ ساركوزي أساليب جديدة في حركتها القمعية للصحافة تتمثل في معاقبتها لهذه الأقلام الحرة تحت عناوين مسلكية أو إدارية، كما جرى مؤخرا مع رئيس التحرير في إذاعة فرنسا الدولية "ريشار لابيفار"، لتثبت لـ"إسرائيل" أنها تفوقت على من سبقها في إزاحة رموز الإعلام الحر في بلادها بهذه الطريقة التي لا نرى مثيلاً لها إلا في الأنظمة الديكتاتورية القمعية.
لقد كنا نشعر، منذ البداية، بأن رئيسا يعتز بكونه صديقا وفيا لـ"إسرائيل"، ويعتبرها معجزة القرن العشرين، لا بد من أن يتحرك في نطاق الدعم السياسي لهذا الكيان الذي مثل معجزة شيطانية وإجرامية وإرهابية بحق في جرائمه الكبرى ضد الفلسطينيين واللبنانيين والمصريين وغيرهم، ولكننا اعتقدنا بأن فرنسا لن تتخلى عن الحد الأدنى من اللياقة واللباقة في التعاطي مع الأمور التي تتصل أولا وآخرا بمبادىء ثورتها، وعلى رأسها حرية التعبير، ولن تخاطر إلى هذا الحد في العمل على طمس شخصيتها الوطنية لحساب كيان جسد قمة الظلم في الاعتداء على حقوق الإنسان وطرد شعب كامل من أرضه وقتل الآلاف المؤلفة من أطفاله ونسائه وشيوخ بدم بارد".
ولاحظ آية الله فضل الله "أن فرنسا، من خلال حكومتها الحالية، بدأت تخاطر بسمعتها الإعلامية والسياسية وبتاريخ الكثير من رموزها في مسألة احترام حقوق الإنسان وفي عناوين الحرية والعدالة والمساواة لحساب سمعة "إسرائيل"، وهي لم تعد تلاحق الناس تحت عنوان معاداة السامية فحسب، بل قفزت إلى الواجهة في استخدام أساليب سياسية تطوق حرية التعبير مباشرة للتأكيد على الولاء الأعمى لـ"إسرائيل"، وغير آبهة بأية حركة عربية أو إسلامية مضادة، ربما لأنها تنظر إلى العالم العربي والإسلامي من زاوية ضيقة، أو أنها تعتبر أنه يعيش في حال من عدم التوازن وانعدام القوة، وبالتالي فلا حضور لقضاياه في الذاكرة السياسية الفرنسية، ولا احترام لما يقارب من سبعة ملايين عربي ومسلم يحملون الجنسية الفرنسية".
واضاف: "إننا نستمع إلى وزير الخارجية الفرنسي وهو يتحدث عن روسيا كدولة خارجة على القانون الدولي، ونتساءل: لماذا لا يحرص المسؤولون الفرنسيون على تطبيق القانون الفرنسي إذا كانوا عاجزين عن إلزام الدول الأخرى باحترام القانون الدولي، وخصوصا أن الجميع يتحدث عن الدور الذي قامت به زوجته، والتي سماها هو لهذا المنصب، في طرد الإعلامي "لابيفار"، ولماذا لا تقدم السلطات الفرنسية نموذجا في تطبيق القانون من خلال احترامها لمواطنيها ولحقوقهم في التعبير والكتابة، أو أن هذه اللافتة المسماة حرية التعبير لا تستخدم إلا عندما يهاجم الإسلام ويتم العمل على تشويه صورته عبر الإعلام الغربي، وعندما يطالب المسلمون بمعاقبة من يقوم بذلك يُقال لهم: إن قوانيننا لا تسمح بذلك".
وتابع: "إن السلطات الفرنسية الحالية تؤكد من خلال تصرفاتها حيال الأقلام الإعلامية الحرة في بلادها ما قاله الباحث الفرنسي "باسكال يونيفاس" قبل سنوات بأنه من غير المسموح أن يتم انتقاد "إسرائيل" في فرنسا، وهو الأمر الذي يطرح علامة استفهام كبيرة حول حقيقة الدور الفرنسي في المنطقة، حيث يبدو أن الإدارة الفرنسية الحالية بدأت تتلمس لنفسها دورا من خلال الدائرة الإسرائيلية، ما يستدعي إعادة قراءة سياسية وعملية لهذه الحركة الفرنسية ولزيارات المسؤولين الفرنسيين إلى المنطقة، والذين يجعلون أمن "إسرائيل" في رأس أولوياتهم، حتى في مقاربتهم للمسألة اللبنانية ولعلاقاتهم مع الدول العربية وعلى رأسها سوريا".
إننا في الوقت الذي نشعر أن الإدارة الفرنسية قد بدأت تنحدر ـ في مسألة حرية التعبير ـ إلى المستويات الموجودة في كثير من دول العالم الثالث، لا بل إلى ما هو أدنى من ذلك في بعض الحالات، نأسف لهذا السقوط الفرنسي أشد الأسف، وندعو للتعامل معه بما يستحق، ولكن في إطار الردود العلمية الموضوعية في الحركة السياسية والإعلامية وعدم الإساءة، أو التطرف في ذلك، وعدم السير في الخط نفسه الذي سلكته وتسلكه السلطات الفرنسية في قمعها للإعلام وحرية التعبير، لأن المطلوب من العرب والمسلمين أن يؤكدوا لشعوب العالم أنهم الأكثر إصرارا على احترام هذه الحرية من خلال قواعدهم الشرعية وتراثهم الفكري والحضاري".
ودعا حركات الممانعة، والطلائع المثقفة والواعية في بلداننا، ومنظمات حقوق الإنسان، وكل المنظمات المعنية بالدفاع عن الصحافيين والإعلاميين إلى تبني قضية رئيس تحرير إذاعة فرنسا الدولية الذي طرد من عمله وزملائه الذين تعرضوا إلى ما تعرض إليه دونما ذنب إلا لقولهم كلمة الحق وعلى رأسهم صاحب كتاب "حائط شارون" "آلان مينارغ"، ونقول للعرب والمسلمين: لقد كان تاريخكم هو تاريخ الوقوف مع المظلوم ضد الظالم، فعليكم أن تؤكدوا ذلك في الوقوف مع هؤلاء الذين أخذوا على عاتقهم أن يقفوا مع قضاياكم كونها تمثل قضايا الحق والعدل، وإن أي خذلان لهم يمثل خطيئة كبرى تمس قضاياكم وقضايا الحرية والعدالة قبل أن تمسهم شخصيا أو تنال من سمعتهم ومكانتهم".