مزارع شبعا والنيات "الاسرائيلية"
الكاتب: مروان غصوب ضاهر
المصدر: صحيفة النهار 6-8-1999
الملخص:عندما رفع رئيس الوزراء "الاسرائيلي" ايهود باراك قبيل الانتخابات شعار الانسحاب من لبنان خلال سنة، واكد ذلك بعد انتخابه، على رغم تراجعه لاحقا بتصريحات يحاول خلالها الايحاء بانه ليس مستعدا لسحب جيشه باي ثمن،
أحسسنا بالفخر والقوة والاعتزاز بصمودنا ومقاومتنا، وبقدرتنا على اقناعهم مجتمعا واحزابا وقيادات سياسية وعسكرية، وباللغة التي يفهمونها، لغة القوة والمقاومة، بان المطلوب هو خروجهم من كل ارضنا العربية المحتلة التي خططوا يوما للبقاء فيها الى الابد. بل وحسب زعمائهم احتلال المزيد من الارض لفرض امر واقع جديد وعمق استراتيجي اكبر واحزمة امنية تمتص الصدمات الاولى، وها هو لبنان اليوم، الصغير عدة وعددا ومساحة وموارد، بمقاومة باسلة عنيدة بالحق، ومستندة الى عمق وطني وقومي، اسلامي ومسيحي، ركيزته الاولى الشقيقة سوريا، اثبت "لاسرائيل" بانها لن تستطيع البقاء.
طبعا لم تنته المعركة بعد، "فباراك" رئيس اركان الجيش "الاسرائيلي" السابق ورئيس الوزراء الحالي، ذكر من واشنطن بان الانسحاب في سيناء لم يكن الى حدود 1967 وان مصر لم تعد الى غزة بل الى حدود الانتداب.
اظهار النيات الحسنة لباراك، كما يحاول هو نفسه، وكذلك الديبلوماسية الاميركية واصدقاؤها، وحتى بعض المتلهفين العرب لاي سلام لن يغير من واقع التجربة شيئا، فالتصريحات شيء والحل العادل والشامل شيء اخر.
اقول هذا كله، وفي ذهني قرية تدعى شبعا، يعرف عنها الكثيرون، الكثير، ويهمني كما يهمنا جميعا معرفة الواقع والوقائع التي احاطت بها حتى اليوم. شبعا، قرية تقع على الحدود الجنوبية الشرقية للبنان، على سفوح جبل الشيخ، ملتصقة بفلسطين من جهة وبسوريا من الجهة الاخرى. عبارة عن موقع شهد الثورات العربية منذ كانت، وشاركت فيها وبصنعها بابنائها وأموالها وارضها وبيوتها وعلى حساب امنها ورفاهها (ليس منة، ولكنه واقع الحال). شبعا، من احمد مريود ومرشد ضاهر واحمد الخطيب وفياض ماضي وصالح دله ومحمد ضاهر ومصطفى حمدان وحسن ابو حسين هاشم وقاسم محمد غادر وفارس حنا الشقرا واسعد شاهين وابو راشد الزهيري. هذا المزيج من الابطال والرجال قاوم، كل في حقبته، واشرك كل منهم في الحركات والثورات العربية ضد الاستعمار التركي والفرنسي والانكليزي والصهيوني. شبعا وعلى رأسها هذا المزيج من المؤمنين باصولهم والصادقين بتوجهاتهم القومية، ايدت الحكومة العربية في دمشق (العهد الفيصلي) وكذلك ساهمت في الثورات الفلسطينية في الثلاثينات. شبعا المبادرة والقيادية لم ترتح يوما ولم تترك النضال ولم تحظ حتى باستراحة محارب.
وبعد انطلاقة العمل الفدائي العام 1968 من شبعا، وملاحقة الصهاينة في الحولة والجولان وفي العمق الفلسطيني مرارا، كانت الطائرات "الاسرائيلية" تقوم بغارات شبه يومية على البلدة التي كانت هدفا لقصف مدفعي يومي وسقط شهداء وجرحى ودمرت بيوت، وقد اتسعت هذه العمليات لتشمل بعد ذلك كل قرى العرقوب، وتبعا لذلك كله قامت "اسرائيل" بعمل مشابه تماما لما قامت به من غزو واحتلال في عامي 1978 و 1982، ولكن بطريقة مبتكرة، من دون حرب ولا ضجة اعلامية، استولت بالسرقة واللصوصية على ارض تزيد بها مساحتها ومواردها.
تبلغ مساحة شبعها نحو 270 كليومترا مربعا، اي ما يوازي اكثر من 2 في المئة من مساحة لبنان، بقي منها اليوم اقل من 60 كلم2، كيف؟
ابتدأت "اسرائيل" بعد العام 1968بقضم الارض، بسرقتها وتغيير معالمها، تحت جنح الظلام تارة وبالهدم والتهجير طورا، حيث طرد سكان مزارع شبعا والبالغ عددها اربع عشرة مزرعة، تبلغ مساحتها اكثر من 200 كلم2، وتمثل حوالي 80 بالمئة من مساحة شبعا وكان يسكنها اكثر من 1200 عائلة تم تشريدهم وتدمير منازلهم وسيجت هذه المزارع بالاسلاك الشائكة.
من مزارع شبعا، ينبع بعض روافد نهر الاردن (ينابيع: بانياس، اللدان والوزاني)، وتحتوي ارضها على مخزون مائي هائل، كما تشترك في ملكية هذه المزارع كل عائلات شبعا وكذلك الاوقاف الاسلامية والمسيحية، والغالبية تحتفظ بصكوك تثبت ملكيتها تلك الاراضي. وقد استغلت "اسرائيل" هذه المزارع، كما فعلت بعد احتلالها لكل ارض عربية، بدءا من نفط سيناء ومنتجعات البحر الاحمر السياحية واذكر منها طابا تحديدا وما قامت به في اراضي فلسطين، وصولا الى انشاء مستوطنات ليهود الفالاشا ومنتجعات سياسية في مزارع شبعا. لا بد من التذكير، بان الون صرح بين العامين 1968 و 1969 بان "اسرائيل" لا تعترف بخطوط الهدنة لعام 1949 وان "خطوط الهدنة لعام 1949 ليست خطوطا يمكن الدفاع عنها ولا يمكن العودة اليها". ومائير صرحت في اوائل السبعينات: "لا بد من ادخال تعديلات على الحدود، نريد تغييرا في حدودنا، كل حدودنا، من اجل امن بلادنا".
امن ما يسمونه بلادهم كيف يحصلون عليه، وحدود ما يدعون انه بلادهم، كيف يمكنهم ان يرسموها، وهم يتمخترون بعد ذلك كل يوم على ارضنا، ومعاولهم وجرافاتهم تمعن هتكا في ما نملك، ومخططاتهم الزراعية والسياحية تنشأ ومستوطناتهم تتمدد في مزارعنا، وابارهم الارتوازية تخترق عمق ارابنا الجوفية، ومضخاتهم تمتص الروح وتسحب الحياة من ينابيعنا لضخها في عروق مشاريعهم؟
لا نتساءل اليوم ماذا يريدون، فنحن نعرف، بل نسأل ماذا سنفعل؟
ان مزارع شبعا هي جزء محتل من أرضنا، صحيح انها تمثل 2 بالمئة من مساحة لبنان، ولكنها ككل حبة تراب عربية محتلة تمثل مساحة مئة في المئة من كرامتنا وما قيمته مئة في المئة من حقنا. ان مزارع شبعا استغلت من جانب المحتل واستثمرت، ولا بد من التعويض على اصحابها عن الفترة التي استغلت بها واعادتها كاملة اليهم وهي دون شك ستبقى ملكا لأهلها ولن تقبل اقل من اعادتها الينا.
مزارع شبعا مثل الجنوب والجولان، امانة في عنق اصحاب الأمانة.