تعديلات الحدود اللبنانية: الفاعل اوروبي والاهداف “اسرائيلية”
الملخص: تقع القرى الجنوبية السبع في اقصى الجنوب اللبناني، وتمتد من الجنوب الشرقي عند بلدة ابل القمح الى طيربيخا في الجنوب الغربي من الحدود الادارية الرسمية للبنان اليوم. وهي بذلك تتجاوز القرى الحدودية للوطن، بعد ان كانت جزءا منه حتى الربع الاول من هذا القرن، ويهم القول ان الانقطاع عن الوطن لم يكن كاملا، لان اراضي القرى السبع تتداخل مع القرى العاملية الجنوبية، فكأنها بذلك قد ابت الا ان تظل على صلة مع الوطن، فان ذلك ـ جغرافيا ـ على الارض واكثر من ذلك على الصعيد الوطني.
من هذه النقطة بالذات ظل ابناء هذه القرى ـ وما زالوا ـ يرفعون الصوت دائما باليقظة والحذر من اطماع العدو الصهيوني، الذي دنس الارض، وبذلك كان من الطبيعي ان يباركوا كل عمل ضد العدو الذي كانوا ضحيته الاولى ـ على المستوى اللبناني ـ.
بديهي بالقول اذا ان عامل الجوار الجغرافي قد انعكس تاريخا واحدا. ومن هذه الزاوية، سنتطرق الى الحديث عن سلسلة اتفاقات تعديل الحدود، "وتخريج" البعض منها في قالب "حسن الجوار" بين الانتدابين الفرنسي والانكليزي، خدمة لمصالحهما في آن، وتذرعا بحماية حقوق المواطنين في آن آخر. لكن ذلك كله كان يصب في مخطط الصهيونية التوسعي، لا بل لا نغالي بالقول انها هي ـ الصهيونية ـ كانت تحرك ذلك من خلف الكواليس الديبلوماسية، وهذا ما سنراه:
ـ في تعريف الصهيونية لحدود فلسطين:
ينفرد كل كتاب للصهيونية عن فلسطين بتعريفه الخاص للحدود، والسبب في ذلك يرجع الى الاتجاهات المتعددة، ووجهات النظر الخاصة، لدى المؤلفين، اذ يتوصل هؤلاء الى نتائج متباينة، تختلف باختلاف الهدف الذي يرمون اليه من وراء كتبهم، سواء كان دينيا ام علميا ام سياسيا، او تختلف باختلاف الاسس التي يعتمدون عليها، سواء كانت نصوص التوراة، ام المعطيات والمعلومات المستمدة من التقاليد او التاريخ والجغرافية.
وبالمقابل، لم يكن وعد بلفور، بالنسبة للزعماء والمثقفين العرب، سوى ذلك الدليل الجديد على نوايا الصهيونية بعد تحالفها مع بريطانيا، لكن الشريف حسين، آثر القبول بالتأكيدات البريطانية لاعتقاده ـ بان الاستيطان اليهودي في فلسطين "لن يتعارض مع استقلال العرب في تلك البلاد". وتبلغ المأساة ذروتها بتوصية للعرب مفادها: "ان كتبهم ـ أي العرب ـ وتقاليدهم توصيهم بواجبات الضيافة والتسامح". كما حضهم على الترحيب باليهود اخوانا، والتعاون معهم في سبيل المصلحة المشتركة(1).
الابعاد العلمية والاستراتيجية في واقع تعديل الحدود:
يعود الفضل في الاقبال المنقطع النظير لاكتشاف جغرافية فلسطين وجمع المعلومات المتعلقة باهلها ومناخها وتاريخها ـ بصورة مباشرة ام غير مباشرة ـ على نشاط صندوق اكتشاف فلسطين. وقد استفاد هذا الصندوق من العلاقة الوثيقة بين مطامع السياسة البريطانية والكسب الذي جناه الصهاينة من جراء ذلك التوارد العجيب بين نواياهم ومطامع بريطانيا، فالذين قاموا بالتنقيب والاكتشافات كانوا من العسكريين ومن سلاح الهندسة بالذات، وتأكيدا على صحة ما ذهبنا اليه، العمل الذي قام به الكابتن نيوكمب (New Comb) استكمالا لعمل بدأه كوندر كتشنر (Conder Kitchner) عام 1913، وانضم اليه ـ فيما بعد ـ لورانس للتأكد من موقع قادس برنيع التي اعتبروها عين قدس(2)، بعد اخذ شتى الاعتبارات الاستراتيجية والمائية.
من هنا يكمن واقع تعديل الحدود من خلال الاتفاقيات المتتالية المتمثلة بسياسة القضم والهضم ويمكن ان نفهم بالتالي ان ابعاد احتلال "اسرائيل" للمواقع التي تتحكم بالمنطقة الجنوبية كان له اهداف استراتيجية على الصعيدين الاقتصادي والعسكري، تمثلت بتلك النقاط التي يحتلها الفرنسيون والبريطانيون على حدود لبنان مع فلسطين، وقد جرى توزيعها واقتسامها فيما بينهم عند رسم الحدود.
وفي اواخر القرن التاسع عشر، وبدءا من العام 1892، تم شراء اراض واسعة في سهل الخيام والمطلة والمنارة، وكان رائد ذلك البارون روتشليد اما الان فان ضم "اسرائيل" اراض جنوبية فانه يهدف الى تحقيق امرين:
أ ـ الاستيلاء على المزيد من الارض والمياه.
ب ـ الحصول على المناطق الاستراتيجية ـ امنيا ـ
فاذا اخذنا مثلا، الاراضي التي ضمتها "اسرائيل" في العديسة، نجدها مهمة من حيث الموقع الاستراتيجي، فهي تشرف على كريات شمونة، التي تعتبر مدينة هامة بالنسبة الى شبكة المستعمرات المحيطة بها. ذلك ان هذه المدينة تؤمن الخدمات الاجتماعية والصحية والاقتصادية للمستعمرات.
وكانت "اسرائيل" قد اقامت سابقا ـ على مرتفعات عديسة ـ بعد اقتطاع 1800 دونم من اراضي القرية ـ مستعمرة مسكفعام هدفا باستكمال خط مستقيم لحدودها وتوفير كمية، من المياه، خصوصا اذا ما اخذنا بعين الاعتبار، ان "اسرائيل" تطالب منذ مدة بعيدة بمئتي مليون متر مكعب من مياه الليطاني لانها تعاني نقصا في مواردها المائية، نقص اخذ في التزايد بعد ازدياد نسبة الملوحة في مياه خزانات بحيرة طبريا. لذلك تسعى "اسرائيل" الى تعويض ذلك، بالماء العذب الذي يوفره نهر الليطاني مستفيدة في كل ذلك من الازمة اللبنانية.
الحدود السياسية الحديثة، والاتفاقات الدولية:
اتفاقية سايكس بيكو:
ان قراءة سريعة في التاريخ الحديث، توضح بان منطقتنا لم تشهد حدودا سياسية بالمعنى الدولي، الا بعد معاهدة لينينغراد السرية بين فرنسا وبريطانيا، وروسيا في شهر آذار من عام 1916. وبموجب هذه الاتفاقية، خضعت فلسطين الى نظام دولي، وحددت منطقة النفوذ الفرنسي من اسكندرونة شمالا الى صور جنوبا ـ على امل التوصل الى تحديد فعلي وعملي للحدود فيما بعد.
وعد بلفور:
استحصلت الصهيونية على وعد بلفور، في تشرين الثاني من عام 1917. وبعد صدور هذا الوعد، اخذت الصهيونية تفصح عن الحدود العملية التي تطمح اليها، وقد جاء ذلك في رسالة الى مؤتمر السلام في باريس المنعقد عام 1919 معتبرة ان حدود فلسطين تتبع الخطوط العامة الموضوعة كما يلي: "تبدأ من الشمال عند نقطة البحر الابيض المتوسط بالقرب من صيدا، وتتبع منابع المياه من سفوح سلسلة جبال لبنان حتى جسر القرعون".
الاطماع الصهيونية في الصحافة الدولية
في اعقاب ذلك، رعت الحركة الصهيونية العالمية، حملة اعلامية في الصحافة الانكليزية تهدف الى تعديل حدود سايكس ـ بيكو، وتوسيع حدود فلسطين شمالا. فقد نشرت جريدة التايمز مقالة لمراسلها في الشرق الاوسط حول حدود فلسطين، عربت منها جريدة البشير ما يلي: "ويجب ان تتضمن فلسطين جانبا من نهر الليطاني (القاسمية) وذلك في المضيق الواقع بين سلسلة جبال لبنان وسلسلة جبل حرمون، واذا شئنا ان نعين الحد الشمالي تعيينا عادلا وجب علينا، بصفة كوننا الدولة المنتدبة لها، ان لا نكتفي بجعل فلسطين اليهودية فقيرة تجاهد. . . لنيل الحياة، بل ان نجعلها قادرة على ان تعيش مستقلة ولها ذاتية خاصة. وهذا يقضي علينا بان نجعل الحد الشمالي حدا عسكريا، هو الامر الذي لم يتم لفلسطين في تاريخها المحفوظ في التوراة. واذا امعنا النظر في المسألة من جميع الوجوه تبين لنا ان نهر الليطاني يجب ان يكون الحد الجنوبي لما نجلو عنه من بلاد سورية".
يتضح ما تقدم بان الجنوب اللبناني بكامله وكذلك البقاع الغربي يدخلان في دائرة المطامع "الاسرائيلية". وهكذا فان الحركة الصهيونية بدأت قبل قيام "اسرائيل" بالافصاح عن نواياها بتحقيق مطامعها بمياه نهر الليطاني على وجه الخصوص، وهذا ما تفصح عنه بعض البنود المقتطعة من رسالة بعث بها حاييم وايزمان الى لويد جورج رئيس الوزراء البريطاني في 29 كانون الاول من عام 1919، يوضح فيها افكاره حول الحدود الشمالية لفلسطين اليهودية، وهو في ذلك، وعلى حد تعبيره "نحن نلخص ادناه اسس متطلباتنا في ما يختص بحدود فلسطين الشمالية" يقول:
1ـ فلسطين ليس ذلك البلد الذي يتمتع بالكثير من الموارد الطبيعية، وستصبح ثرية وصالحة للسكن، اذا ما استخدمت مواردها الطبيعية بالطريقة المثلى والحكيمة.
2ـ فلسطين معاقة بصورة خطيرة، لانها محرومة من الوقود، ليس هناك فحم حجري وهناك القليل من الخشب واحتمال فقط لوجود النفط.
3ـ الثراء المستقبلي لـ"اسرائيل" سيستمد بصورة رئيسية من تربتها ومناخها، وهما ملائمان لزراعة الاشجار المثمرة وغيرها من المحاصيل القيمة، لكن هذه المحاصيل تتطلب المزيد من المياه عما يتوفر من الترسب الطبيعي. والعائق الثاني لدى فلسطين بالتالي هو عدم كفاية الامطار المتساقطة.
4ـ للتعويض عن هذين النقصين، وفرت للارض الفلسطينية ما يلي:
أ ـ مياه الاردن للري.
ب ـ مساقط الاردن لتوليد الطاقة الكهربائية.
ج ـ المياه الجوفية التي يمكن الاستفادة منها فقط بالايجابية القصوى عن طريق الوسائل التي تنتجها الفقرة (ب).
د ـ مياه الليطاني للري المباشر، او تحويلها الى الاردن لزيادة فعالية البندين (أ) و (ب).
هـ ـ منشآت للتخزين في وادي الليطاني.
5 ـ البنود أ ـ ب ـ ج ـ مطلوبة كلها معا لاهداف الري والطاقة.
6ـ فيما البندان (د) و (هـ) ليسا ضروريين في الوقت الراهن، فان استخدامها للري والطاقة وقت الضرورة يجب ان يكون مضمونا، اذا لم يتم ضمان المستقبل الاقتصادي لفلسطين.
7ـ البنود (ج) و(هـ) عديمة النفع للاراضي الواقعة شمالي الحدود المطروحة، ويمكن استخدامها بصورة نافعة ومجدية فقط في الاراضي التي تقع جنوبي الحدود.
8 ـ لهذه الاسباب، نعتبر انه من الضروري ان تشمل الحدود الشمالية لفلسطين وادي الليطاني، لمسافة تمتد 25 كلم فوق الالتواء، والمنحدرين الغربي والجنوبي لجبل حرمون، بهدف ضمان السيطرة على منابع مياه الاردن، وللتمكن من اعادة تشجير المنطقة.
وبالنظر الى الفقرة 8، نرى ان وايزمان قد لخص بـ لويد جورج فكرة الحدود الشمالية واطماع "اسرائيل" التاريخية في مياه الليطاني ومنابع مياه الاردن، من هنا يمكن ان نفهم مخاوف العامليين التي عبر عنها مراسل البشير من عين ابل، على اثر ما ترامى اليهم من اخبار الحدود، فيقول: "هاج هائجهم وخافوا ان يصير الحاقهم بالحكومة الصهيونية الامر الذي يكدر عموم سكان قضاء صور على اختلاف طوائفهم، ولا سيما انه لا يوجد في قضاء صور يهودي واحد، وان الاهالي اجمالا ابانوا عن رغبتهم في الانضمام الى لبنان الكبير، وتقدم منهم استدعاءات عديدة موقعة بامضاءاتهم واختامهم، يبينون فيها رغائبهم ويلتمسون تحقيقها، ولا نظن المؤتمر (الصلح) الا مجيبا الى طلبنا"(3).
ورغم اطلاعه على تقرير لجنة كينغ كراين الامريكية، وما تضمنه من فقرات مسهبة عن اهداف الصهيونية القريبة والبعيدة في فلسطين. وفضلا عن معارضة تلك الاهداف حق تقرير المصير الذي كان ينادي به، فان ويلسون كتب الى لويد جورج يقول:
"ان تحقيق مطالب الفرنسيين المستندة الى معاهدة سايكس ـ بيكو السرية، ضربة قاضية على الوطن القومي اليهودي لانها تتنافى وطبيعة ارضه، وتهمل حاجاته الاقتصادية،ان نجاح الصهيونية يتوقف على توسيع حدود فلسطين في الشمال والشرق لتشمل نهر الليطاني ومنابع المياه في حرمون، أي سهلي حوران والجولان. ان لم يكن وعد بلفور الذي وافقت عليه فرنسا وسائر الدول الحليفة قصاصة ورق، فجيب ان تتخذ التدابير اللازمة لتحقيقه(4).
ولكن كليمنصو رئيس الوزراء الفرنسية، رفض تلك المطالب من ويلسون ولويد جورج واصر على ابقاء حدود فلسطين كما رسمتها معاهدة نوار 1916، مع تعديل طفيف قضى بضم بحيرة طبرية الى الخريطة الفلسطينية بحيث صارت حدود فلسطين في الشمال تمتد من رأس الناقورة الى شمال ببحيرة طبريا(5). الا ان بريطانيا ظلت متحفظة ازاء هذا التعديل، لانه لا يتماشى والاطماع الصهيونية.
مؤتمر سان ريمو (نيسان 1920):
اذا كانت المناورات الانكليزية ـ الصهيونية قد فشلت في تحقيق اهدافها في مباحثات ايلول 1919 بفعل جمود كليمنصو، فانها نجحت مع خلفه ملليران في تسجيل اهدافها اثناء انعقاد مؤتمر سان ريمو في نيسان 1920، اذ نجحت اولا في تحويل فلسطين من الاشراف الدولي الى الانتداب الانكليزي، كما نجحت ثانيا في حمل ميللران على تقبل صيغة حدود تاريخية لفلسطين "من دان الى بئر السبع" كتنازل اخير، وبالمقابل فان لويد جورج لن يصر على المطالب الصهيونية الاكثر توسعا(6).
بهذه الصيغة الجديدة اصبحت منطقة الحولة والجليل الاعلى الزراعيتين ومعظم موارد مياه نهر الاردن تابعة للنفوذ البريطاني لتكون عاملا مساعدا في تأسيس المستعمرات الصهيونية الزراعية، وهذا بدوره يدع الكيان للدولة اليهودية المزمع قيامها(7).
اتفاق 29 تموز 1920:
وفقا لاتفاق سان ريمو، عين المندوبون الفرنسيون والانكليز لبدء المباحثات حول تفاصيل الحدود اللبنانية الفلسطينية، وفي 29 تموز 1920 كان الاتفاق المبدئي بين (برتلو) الممثل الفرنسي وافاتستار الممثل الانكليزي حول الحدود الفاصلة بين الانتدابين.
ويهم القول ان الاتفاق المبدئي هذا قد كرس منطقة الحولة، ذات السهول الخصبة والمياه الوافرة وهي المعروفة "بجورة الذهب" لدى سكان المنطقة ـ منطقة تابعة لفلسطين. وجدير بالذكر ان خريطة تابعة لوثائق صك الانتداب البريطاني على فلسطين موقعه من لويد جورج وكليمنصو، تضع منطقة الحولة ضمن حدود الانتداب البريطاني، أي ضمن حدود فلسطين كما سبقت الاشارة ـ ليتبين فيما بعد ـ ان الايادي الصهيونية قد دست هذه الخريطة بين بعض الوثائق المعروضة على كليمنصو حيث وقعها عن الجانب الفرنسي، دون ان ينتبه الى الخديعة الصهيونية.
كان من الطبيعي والحال كذلك ان تثور حفيظة سكان الحولة، فبعث اهاليها ببرقية الى الجنرال غورو يعبرون فيها عن احتجاجهم لهذا الاجراء طالبين فيها ما يأتي:
"بما ان علاقات الحولة بكاملها وتجارتها بالاخص مع جديد مرجعيون ومع القنطرة، نرفض رفضا باتا بان تكون تابعة لحكم اليهود، بناءا على ذلك نطالب بالحاح ان نكون تابعين الى المنطقة الفرنساوية وتحت حكم الدولة العلية، فرنسا العظيمة، فضلا عن ذلك نسترحم بان تكون الحولة مديرية تابعة لقضاء مرجعيون".
واقع الحدود بعد اعلان دولة لبنان الكبير
في اتفاق 29 تموز الاول حول الحدود اللبنانية الفلسطينية، لم يكن نهائيا، حيث ان قرار الجنرال غورو رقم 368 الصادر في اول ايلول والقاضي بتشكيل دولة لبنان الكبير، ابقى الحدود الجنوبية لهذه الدولة مفتوحة(8).
ولا شك بان ذك قد اثار شهية الصهيونية، وهي لم تنقطع عن المطالبة بزحزحة الحدود شمالا باتجاه نهر الليطاني. وفي الواقع فقد تبنت جريدة التايمز وجهة النظر الصهيونية حتى استحالت في اغلب الاحيان بوقا لها، فهي من ناحية تهاجم سياسة الفرنسيين المتشددة بشان مفاوضات الحدود ومن ناحية اخرى تبرر سياسة الحكومة البريطانية الرسمية للرأي العام البريطاني، وهي في كل الحالات تتبنى على حد ما اشرنا طروحات الصهيونية "بغلافها الاقتصادي" حول المطالبة بمياه الليطاني فتدعي ان "العامل في مسألته اقتصادي وليس سياسي "فهو" لا ينفع سوى بلاد الجليل. وتخلص الى حل وسط يطال المياه دون الارض والسكان، فتقول "وليس المطلوب توسيع فلسطين حتى تشمل النهر، وانما الغرض الانتفاع من مائه بخزنه"(9).
هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى، فان بريطانيا هي الاخرى ـ كانت تهدف دائما، الى ضم جبل عامل الى فلسطين وهي في ذلك كانت تراهن دائما على عنصر اساسي وهو عامل الزمن.
ردود الفعل العاملية والموقف الفرنسي ازاء الخطر الصهيوني البريطاني:
ازاء المناورات الانكليزية الصهيونية تحرك اللبنانيون على اكثر من صعيد ـ رسميا وشعبيا ـ للحفاظ على ما وراء نهر الليطاني من جبل عامل منطقة لبنانية وكانت اللجنة الادارية في لبنان الكبير، اول من رفع الاحتجاج بالاجماع على الادعاءات البريطانية بشان الحدود مع فلسطين حتى الليطاني، وفي 4 كانون الاول 1920، بعثت اللجنة الى الجنرال غورور بالبرقية التالية:
"الادعاءات المبينة لحدود فلسطين عبر الشمال، حتى ضفة الليطاني، فاجأت مواطنينا واثارت سخطهم. هذا النهر من منبعه الى مصبه، لا يعد سوى اراض لبنانية، مياهه لا غنى عنها للحياة الزراعية للبلاد. باسم سكان لبنان الكبير نحتج ضد كل تنازل عن شمالي خط سايكس ـ بيكو. نعتمد على الحكومة الفرنسية للدفاع عنا ولمنع هذه العاقبة لهذا الجور الصارخ".
وبالاضافة لدور اللجنة الادارية، فقد كان للصحافة اللبنانية دورا بارزا في هذا المجال.
الهوامش:
1 ـ مقال منشور في صحيفة "القبلة" مكة المكرمة، العدد 182، 23 آذار 1918.
2 ـ Samuel, Hillel Isaacs. The Tree Boundaries of the Holyland. Chicago, 1917.
4ـ عادل اسماعيل، السياسية الدولية في الشرق العربي من 1789 ـ 1958، ج 5، بيروت 1970، ص 38.
5 ـ عبدالفتاح ابوعلبة، بحث اعد خصيصا للمؤتمر الدولي لتاريخ بلاد الشام (19-24 نيسان 1980) الجامعة الاردنية عمان 1980، ص 17، نقلا عن محمد بسام ص 191.
6ـ نقلا عن محمد بسام، المصدر السابق ص 192 AAE.Vol 30,F193.
7ـ نفس المصدر السابق، ص 192.
8 ـ محمد بسام، مصدر سابق، ص 194.
9ـ رويتر، راجع لسان الحال، تشرين الثاني 1920، نقلا عن محمد بسام، مصدر سباق ص 194.