الجرائم "الاسرائيلية" في لبنان (1978) شهادات غربية
الملخص: تشير المصادر الرسمية اللبنانية الى أن الاجتياح "الاسرائيلي" للأراضي اللبنانية بعنوان "عملية الليطاني " والذي بدأ ليل 14 ـ 15 آذار 1978 استهدفت 358 بلدة وقرية في أقضية بنت جبيل، مرجعيون،حاصبيا، صور، النبطية وكانت حصيلة هذا العدوان الذي استمر 7 أيام برا وبحرا وجوا.
1ـ احتلال 1100 كيلو متر مربع من الأراضي اللبنانية.
2 ـ استشهاد 560 مواطن.
3 ـ جرح 653 مواطن.
4 ـ دمرت قوات الاحتلال بالمدفعية والطائرات والمتفجرات تدميرا كاملا عدة قرى منها:
الغندورية، العباسية، الغرية، القنطرة، دير حنا، البياضة، مزرعة النميرية، مزرعة الخريبة.
5 ـ تدمير 2500 وحدة سكنية تدميرا كاملا و 620 منزلا تدميرا جزئيا.
6 ـ تخريب البنى التحتية ولا سيما شبكات المياه والكهرباء والهاتف على مساحة العدوان.
7 ـ اتلاف المزروعات على مساحة آلاف الدونمات واحراق حوالي 150 ألف شجرة زيتون وحمضيات.
8 ـ تدمير 50 مدرسة وتخريب عشر مستشفيات ومستوصفات وتدمير أكثر من 20 مسجد وكنيسة و حسينية.
وهنا اطلالة على المجازر "الاسرائيلية" حتى اجتياح آذار 1978.
مجزرة الاوزاعي:
في اليوم الأول لاجتياح العسكري "الاسرائيلي" للأراضي اللبنانية (15 آذار 1978 ) قصفت الطائرات الحربية "الاسرائيلية" منطقة الاوزاعي ( المدخل الجنوبي لمدينة بيروت ـ العاصمة اللبنانية ) واستهدفت القصف وحدات سكنية ومؤسسات تجارية وأسفر عن:
ـ استشهاد 26 مواطن.
ـ اصابة 30 وحدة سكنية تدميرا كاملا.
ـ تدمير مطعمين.
ـ تدمير فرن وتصدع عدد من المحال التجارية.
مجزرة راشيا الفخار:
في هذه البلدة قتلت قذائف المدفعية "الاسرائيلية" 15 لبنانيا كانوا ملتجئين الى الكنيسة.
مجزرة عدلون:
في ساعة مبكرة من فجر يوم الجمعة 17 /3 / 1978 حشر 20 فردا من آل قدوح وآل الطويل في سيارتين مرسيدس هاربين من جحيم القصف "الاسرائيلي" متجهين الى بيروت.
وفي الساعة الثانية والنصف فجرا وعلى طريق الساحلي بلدة عدلون انهمر وابل من الرصاص على سيارتين وتروي مريم الناجية من المجزرة أحداث حفلة الإعدام تلك على النحو التالي:
" بالبداية رشوا على دواليب السيارة، وبعدها ضربونا بقنبلتين ( أرب ج ا).
اخوتي حسن وحسين كانوا قاعدين بصندوق السيارة، نطوا وتخبوا بالقنا. مديت ايدي على أمي فطلع رأسها. مديت ايدي الثانية على خيي احمد فطلعت ايدو متلانة دم. كانوا عم يحكو عبري. وبعدما ضربونا صاروا يضحكوا. وبها الوقت مرت سيارة ثانية فضربوها مثل حكايتنا ".
تلك المجزرة "الاسرائيلية" التي نفذها الكومندوس "الاسرائيلي" أسفرت استشهاد سبعة عشر مواطنا لبنانيا هم التالية أسماءهم:
ضحايا المجزرة:
ثريا قدوح ، الأم ( 50 سنة ). علي قدوح ( 72 سنة ). خديجة قدوح (27 سنة ). سمية قدوح (11 سنة ). ندى قدوح (14 سنة ). علية قدوح ( 17 سنة ). سامية قدوح ( 6 سنوات ). محمد قدوح ( 9 سنوات ). محمود طويل زوج خديجة قدوح ( 35 سنة ). محمد طويل (9 سنوات ). علي طويل ( 7 سنوات ). بلال طويل ( 5 سنوات ). ابراهيم طويل (سنة ونصف ). محمد المكحل ( 35 سنة ). محمد دكروب. خليل دكروب. هيام دكروب.
مجزرة الخيام
انتقمت قوات الاحتلال "الاسرائيلي" على نحو فظيع من بلدة الخيام. وما ان استكملت القوات "الاسرائيلية" ضربة النار للبلدة برا وجوا وحولت منازلها الى أنقاض حتى سلمتها الى ميليشياتها التي فتكت فتكا ذريعا بالسكان.
يروي ريتشارد غروس مراسل وكالة " اليونايتدبرس " الذي زار البلدة يوم 20 /3 / 1978 المشاهد التالية:
نظفت " قوات سعد حداد " (...) اليوم الهيكل المتبقي من هذا المعقل آخذين كل ما يمكنهم استخدامه في منازلهم الجبلية المجاورة.
لم يوقفهم عن ذلك أحد، لا فرقة دفن الموتى العسكرية "الاسرائيلية" الباحثة بين الأنقاض عن صيدها، ورجال الميليشيا المجتمعين فوق ناقلات الجنود المدرعة التي تثير الضجيج وهي تمر عبر الشوارع المفروضة بالأنقاض وكأنها سيارات سباق.
كل انسان في الخيام تجاهل الحرب في يومها السادس على رغم أن دلائلها الملموسة كانت تظهر بين الفنية والأخرى من خلال القصف المدفعي لحاصبيا.
وكان صدى قذيفة مدفع من عيار 175 ملم الأميركي الصنع طويل الفوهة يتردد بين التلال، وبعد لحظات شوهد بريق انفجار برتقالي اللون في حاصبيا وشوهدت غيمة بيضاء في مكان الانفجار سرعان ما تحول لونها الى الرمادي.
وكان رجال الميليشيا وأغلبهم يرتدي بزات عمل عسكرية "اسرائيلية" الصنع، يركبون سيارات شاحنات صغيرة محطمة مغبرة في جولات ما، احداها كانت تحمل برادا، والاخرى تحمل على سطحها مائدة وكرسيا، والثالثة قطعة من سيارة بحالة جيدة.
لقد مرت الحرب بسرعة من هذه البلدة ذاهبة في اتجاه الغرب في يومها الثاني وكان عدد سكان البلدة ذات يوم 8000 نسمة من المسيحيين.
قال جورج (... ) وهو عضو في الميليشيا بقي هنا بعد أن هاجر أهله الى مدينة توليدو في ولاية أوهايو الأميركية منذ عدة سنوات، له شقيقتان في بيروت. رفض استخدام اسمه الثاني لأنه لا يريد أن يعرف أهله أنه في الميليشيا: "سيقلقون علي".
لا بد أنهم سيفعلون، فهو واحد من 700 رجل مليشيا لا يخفون رغبتهم في التعاون مع "الاسرائيليين".
سلاح هذه الميليشيا بالاضافة الى المدرعات " أ. ب. سي. أس " التي يسميها "الاسرائيليون" " زيلدا" ربما لأن شكل خصرها ذكر أحدا ما بالعمة " زيلدا " هي دبابات شيرمان الأميركية الصنع والمدرعات الفرنسية الصنع " أ. أم. أكس " وهذه المدرعات قديمة من الحرب العالمية الثانية وتبدو ذلك.
الرجال العشرة في فرقة الدفن "الاسرائيلية" المتنقلون في ثلاث شاحنات دخلوا القرية بحثا عن 15 جثة علموا بوجودها هنا، لا أحد بالدقة يعرف جثث من هي، ولا متى قتلوا، ومن قتلهم.
هناك امرأة مسنة ترتدي السواد، تبدو وكأنها الوحيدة من سكان الخيام، بالإضافة الى العديد من الكلاب والقطط ـ التي ما زالت أليفة ـ وتسير ببطء في مركز البلدة أو ما كان شارعها الرئيسي ذات يوم.
الحوانيت ملأى بالثقوب والثغرات التي تطل على الشارع، والمباني ملأى بآثار الطاقات والرصاص.
عندما تسأل المرأة تتحدث بالعربية أشياء لا منسجمة حول ابنتها التي على شفا الموت، لا أحد يهتم بها، فقد كانت هناك ميتات كثيرة.
هناك طفلان يلعبان في دمار ما كان غرفة ألعاب تجري فيها ألعاب أخرى اليوم. هذا المكان كان مستخدما كموقع لمدفعية الهاون.
في غرفة الألعاب هناك طاولتا " فليبرز " واقعتان على جنبيهما زجاجهما مكسور، وكراتهما في مكان ما. لو كان هناك تيار كهربائي لكانت اشارات " تيلت"، قد أنارت الضوء الأحمر في هذه الآلات الترفيهية، كانت أعلنت نهاية اللعبة.
ولكن لا ضرورة للاشارات. فالانسان ينظر فيرى فورا أن اللعبة بالنسبة لهذه القرية انتهت، وربما لسنوات مقبلة.
رواية شهود عيان
في 19 /3 / 1978 نشرت صحيفة "السفير" اللبنانية مقابلة أجرتها فاديا الشرقاوي مع عدد من الناجيات من هذه المجزرة وجاء في الصحيفة:
الناجيات القليلات من مجزرة الخيام التي ذهب ضحيتها أكثر من 100 تتراوح أعمار أغلبيتهم من الـ 70 الى الـ 85 سنة، ادلت بهذه الشهادة:
"كنا نائمين في الملجأ، الساعة الثانية عشرة منتصف ليل الثلاثاء، سمعنا هدير الطائرات المحلقة فوق البلدة، استيقظنا جميعا، وساد الصمت بانتظار ما سيحدث. غابت الطائرات فترة قصيرة وعادت لتقصف. من قوة الضرب عرفنا هول الغارة. وبقينا هكذا لا تعرف عيوننا النوم حتى السادسة صباحا والطائرات ما زالت تقصف. بعدما هدأت قليلا فخرجت انا زوجي وسلفي الى منزلنا لنرى ما حدث بالمنزل...
ولهول ما رأينا. كانت الدبابات "الاسرائيلية" تسير نحو البلدة تتقدمها قوات سعد حداد. اعداد هائلة من العناصر "الاسرائيلية" وقوات حداد. دبابات لا تعد ولا تحصى كانت تسير فوق رماد المنازل المهدمة التي لم يبق منها شيء. وعندما رأونا القوا القبض علينا. وكنا حوالي 10 أشخاص في الملجأ من أصل 75 مواطنا بقوا هناك.سألونا عن أسمائنا وطلبوا منا أن نعطيهم افادات حول مكان وجود المقاتلين ونوع الساحة التي كانوا يستعملونها وأمكنتها. ولما اكدنا أننا لا نعرف شيئا، خصوصا وأن معظمنا لا يعرف حمل السلاح تركونا وقالوا لنا: "كل واحد منكم يذهب الى منزله". ولم يكد "الاسرائيليون" يديرون ظهورهم حتى فاجأنا أربعة مسلحين من جيش سعد حداد وطلبوا من الجميع ان يعطوهم ما معهم من أموال.. أصروا على تفتيشنا حتى ثياب النساء فتشوها.. وكانت حصيلة السرقة بين 30 و35 ألف ليرة. ولم يكتفوا بذلك بل طلبوا أن نسير امامهم. كنا حوالي 10 رجال و6 نساء واخذوا يضربوننا بأعقاب بنادقهم. عندها طلب مني زوجي بصوت خافت أن أهرب وتركتهم والتففت من ورائهم، وهرولت نحو الملجأ حيث وجدت امرأة وزوجها يقبعان في زاوية. طلبت منهما عدم الخروج كي لا يصابا بأذى.. وفي الليل خرجت لأستفسر الأمر. لم أجد أحدا في الشارع سوى الجثث هنا وهناك، جثث طار رأسها وأخرى مرمية على وجهها وأخرى على ظهرها، واخرى مدروزة في الحيط وأخذت أبحث بينها عن زوجي.. فوجدته. كان مقتولا وفمه "يكدش الأرض. لم أستطع البكاء ولا الصراخ خوفا على روحي اذ انني شاهدت احدى السيدات وتدعى الحاجة زينب وهي طاعنة في السن وقد اطلقت عليها النار من الخلف فركضت ثانية الى الملجأ.. حتى هناك لم أستطع البكاء. كنت أخاف أن يسمعوا أنيني ويقتلوني.
وفي الليل تجمع من بقي من أحياء وخرجوا الى "مرج الزهور" ومن هناك الى بيروت.
اسماء بعض شهداء مجزرة الخيام:
سلمان خشيش 80 سنة ـ مريم أسعد عبد الله 73 سنة ـ فاطمة علي رحال 80 سنة ـ علي رحال ( زوجها ) 80 سنة ـ عارف كريم 45 سنة ـ منى طراف زريق 70 سنة ـ علي زريق( زوجها) 70 سنة ـ مريم محمد عواضة 37 سنة ـ كامل علي ضاوي 55 سنة ـ علي قاوط 67 سنة ـ خليل علي خليل 75 سنة ـ علي عطوي 70 سنة ـ ابراهيم شمعون 80 سنة ـ زوجة ابراهيم شمعون 75 سنة ـ رقية درويش الضاوي 85 سنة ـ محمد رحال 55 سنة ـ حسين قانصو 75 سنة ـ محمد داغر 70 سنة ـ سكنة شمعون كريم 85 سنة ـزوجة يوسف شمعون 71 سنة ـ مريم يوسف خريس 72 سنة ـ محمود مرعي 73 سنة ـ محمد خليل عطوي 75 سنة زوجة محمد خليل عطوي 70 سنة ـ خزنة شير 75 سنة ـ محمد الغزاوي 78 سنة ـ أفطان سويد 67 سنة ابراهيم عطوي 73 سنة محمد عواضة 82 سنة ـ زوجة عبدو مزهر 74 سنة وعلي حمادي ـ محمد عليان.
حداثا: العين مقابل المخرز
حداثا: "انها فيتنام جديدة على بعد نصف العالم"، كذلك كان عنوان رسالة تيد نيكو مراسل وكالة "اليونايتدبرس" الاميركية من تل أبيب عن مشاهداته الشخصية في بلدة حداثا اللبنانية برفقة اثنان من المراسلين الأجانب هما ديفد هيرست، ودوغ روبرتس.
تقول الرسالة: انها فيتنام جديدة على بعد نصف عالم، فعلى مدى يوم مخيف كامل تسنى لي ولمراسلين غربيين آخرين أن نلقي بالصدفة، نظرة على ما يعنيه أن تضبط في الوسط بين قوة غزو "اسرائيلية" رهيبة وفدائيين فلسطينيين تحاول هذه القوة أن تطردهم من منطقة الحدود اللبنانية.
دخلنا حداثا التي تبعد 12 كلم عن الحدود ظهر يوم الجمعة الماضي بين هجومين "اسرائيليين". هجوم واحد فقط كان يكفي. غير أن الطائرات والدبابات ومدافع المورتر والأسلحة الصغيرة قد قامت ذلك بتحويل البلدة الزراعية الاسلامية الصغيرة الى ساحة دمار وموت.
ولقد سرنا وسط جدران مهدمة وسقوف منهارة وهياكل متناثرة لبعض السيارات وطرق مزقتها القنابل وجثث نصادفها من وقت الى آخر لحيوان أو لانسان.
كان هناك حمار مطروحا ميتا وقطعة صغيرة تحاول ان تجد طريقا لها حول الجثة. وكانت خمس جثث مضغوطة تحت بيت منهار، ونساء متشحات بالسواد يسترقن النظر من وراء أبواب خشبية، ثم حين رأين اننا لم نكن مسلحين خرجن والدموع في عيونهم وهن يطلقن صرخات الاحتجاج.
سيدة في السبعين من عمرها أدخلتنا الى منزلها ثم انزوت وهي تبكي فوق بقرتها الحلوب الميتة التي كانت مصدر قوتها.
وقال رجل مسن ماتت اخته تحت أنقاض منزلها في ضواحي البلدة "لو أن أحدا منهم هنا فربما كان ذلك أسهل علينا ولكن لماذا نحن ؟".
واشار الى شرفة ملطخة بالدم في الناحية المقابلة وقال: "كانت تقف هناك فتاة صغيرة وسقطت قذيفة ولم يتسن لها أن تعرف ماذا حدث".
ومع ديفد هيرست مراسل صحيفة " الغارديان " اللندنية ودوغ روبرتس مراسل اذاعة ـ صوت أميركا ـ التي تتخذ من أثينا مقرا لها، وجورج سمرجيان مصور وكالة ـ اليونايتدبرس ـ انزويت في نهاية مكان للاغتسال. لم نقل شيئا ونحن نستمع الى صيحات أطفال القرية الذين يحيطون بنا.
كانت هناك فترة هدوء استمرت دقيقة كانت الدبابات أثناءها تقترب أكثر فأكثر. القرويون الذين كانوا يصيحون انسحبوا الى وسط البلدة فانضموا الى أبقارهم وحميرهم وماعزهم وقطعانهم داخل البيوت الصغيرة المبنية من أسمنت وقرميد.
بعدئذ، ومن بعيد، جاء أزيز الطائرات.
ولم يكن أمامنا خيار، فتسللنا الى خارج المدرسة واندفعنا الى الطريق لنلقي نظرة على ما يجري، وكان من حظنا أننا خرجنا فقد اكتشفنا في ما بعد أن قذيفة دبابة "اسرائيلية" أصابت القبو في الحائط القائم مباشرة بعد الغرفة التي كنا نختبئ فيها.
لقد رآنا "الاسرائيليون" ندخل المدرسة.. "اثنا عشر إرهابيا دون بزات" كما أخبرونا في ما بعد. ولا بد أنهم رأونا ونحن نغادر أيضا، أحد ضباط الدبابات قال انه كان متأكدا بانه قضي على "ثلاثة ارهابيين" بقذيفة واحدة.
اندفعنا من المدرسة الى حقل تبغ غير مزروع. في أول الصف كنت أنا فتسلقت حائطا ونزلت في حقل ثان. وما أن هبطت حتى هبطت في الوقت نفسه قذيفة مورتر على مسافة قصيرة مني. واهتزت الأرض. فانبطحت على وجهي خائفا.
أما هيرست وروبرتس فوجدا حديقة عارية صغيرة محشورة بين جدارين لبيت مهجور ومحمية من الجنبين الآخرين بحاجز قرميدي ارتفاعه قدم واحد.
فتسلقت الحائط من جديد واجتمعنا معا الثلاثة محشورين لمدة خمس ساعات من نيران البنادق الرشاشة ومدافع المورتر.
وشقت الدبابات طريقها الى داخل البلدة وعرت الى مرتفع محاد لمكاننا. ثم أصابت القذائف المنزل الذي في محاذاة منزلنا فانهار حائط.
وفوق رؤوسنا كانت طائرات الفانتوم تطلق أزيزها. وكان في امكان قنبلة واحدة قريبة أن تنهينا جميعا. ولحسن الحظ فان الطائرات ألقت بمعظم حمولتها عبر الوادي في مدينة تبنين وكانت الانفجارات تسمع كسحاب ضخم يمزق السماء.
همس كل منا الى الآخر، اننا سنموت بالتأكيد.
في منتصف الهجوم انطلقت أصوات أسلحة صغيرة ومرت القذائف فوق رؤوسنا بأزيزها الرنان.
عند هبوط الظلام، عرفنا أن علينا أن نتحرك. فانحدرنا الى الطريق وأسناننا تصطك من الخوف والبرد. ومشينا ببطء وبدا كل منا وراء رأسه كاشارة الى الاستسلام لاية جهة في المنطقة. وقلنا بصوت عال باللغة الانكليزية: "نحن أميركيون. نحن صحافيون".
لا أحد ـ وربما لحسن الحظ في الظلام والدمار ـ كان قريبا ليسمع.
اتخذنا على مهل طريقا لنا الى داخل البلدة وقرعنا بعض الأبواب التي تبدو من سقوفها أضواء قناديل الكاز وهي تشع من الداخل. ففتح لنا مزارع تبغ خائف شاحب الوجه. وبدأت النساء تنتحب راجية ايانا ألا نطلق النار.
المزارع، محمد فاضل، أصغى فيما هيرست كان يوضع حقيقة وضعنا بطلاقة باللغة العربية. فطمأن محمد أقاربه واجلسنا في البيت المؤلف من غرفة واحدة بين حمار وبقرة وعنزة.
كانت أصوات انفجار قذائف تسقط من حين الى آخر لا تزال تسمع في الجوار، فسألت وانا أرتجف: "هل سيضربوننا مرة اخرى"، وصلت ليقول محمد: لا. ولكنه أضاف "الله وحده يعرف.. أننا في أيديهم ثم حين رأى أن ذلك لم يكن كافيا ضمني الى صدره وقال "أرجوك لا تقلق أننا بخير. أننا معا".
وقدم محمد لنا المأوى والطعام.
أثناء القصف، دخل محمد وقال ان القصف يجيء من جهة الخطوط "الاسرائيلية" وأنه ليس متأكدا اين هم "الاسرائيليون" الآن أو ما كان المقاتلون قد عادوا.
وطوال الليل كانت الطائرات "الاسرائيلية" تحوم فوقنا. والقصف المدفعي يسقط قربنا. احدى القذائف دمرت منزلا على طرف البلدة. وأبلغنا "الاسرائيليون" الذين فعلوا ذلك في ما بعد ان السبب هو أن "امرأة أخبرتنا أن الارهابيين اختبأوا هناك في الليلة الماضية".
وعند الفجر استمعنا الى نشرة أخبار اذاعة لندن عن الشرق آملين أن يؤتي على ذكرنا.. ولم يكن هناك أي ذكر.
ثم تحركنا الى الخارج ونحن غير متأكدين ما اذا كنا نسير باتجاه المواقع الفلسطينية على بعد أميال قليلة الى الغرب أم أننا سنتعرض للقتل فبل أن نتصل "بالاسرائيليين". ولكن تم اتخاذ القرار بالنيابة عنا، "فالاسرائيليون" الذين كانوا يجلسون فوق دباباتهم ونصف مجنزراتهم كانوا يروننا بوضوح.
وهكذا كررنا مسيرة الاستسلام التي قمنا بها في الليلة الماضية وخرجنا وأيدينا فوق رؤوسنا عبر البلدة متجهين نحو المواقع "الاسرائيلية".
لقد تحدث "الاسرائيليون" بلهجة الصلبيين. الجنود كانوا شبانا وبعضهم ولد في أميركا.
ديفد هرست يكتب عن معركة حداثا (قال لنا أهل القرية: اذا متنا فسنموت معا ).
نشرت صحيفة " الغارديان " البريطانية في عددها الذي وصل الى بيروت يوم 21 الجاري رسالة من مراسلها في بيروت دايفيد هرست الذي أسرته القوات "الاسرائيلية" في قرية حداثا الجنوبية. وقد كتب الرسالة من قبرص بعد الافراج عنه:
"لقد ظننا أننا قتلناكم بالتأكيد"، هكذا قال لنا الضابط "الاسرائيلي". وكنا نعرف جيدا، طوال الوقت الذي استمرت فيه محنتنا، أننا كنا محظوظين لأننا ما زلنا أحياء. ولكننا قبل أن نقاتل "عدونا" لم نكتشف الى أي مدى كنا محظوظين.
فأن يشتبه فينا خطأ أننا من الفدائيين في أكبر وأعنف حملة تخوضها "اسرائيل" ضدهم، وأن نبقى على قيد الحياة بعد هذا الخطأ، هو انجاز يرجع الى العناية الالهية أكثر مما يرجع الى براعتنا في المراوغة.
ذلك ما حدث لثلاثة من المراسلين، نيد تيمكو مراسل اليونايتدبرس ودوغلاس روبرتسمان من اذاعة صوت أميركا وأنا.
كنا قد غادرنا بيروت في الخامسة صباحا في زيارة جبهة، حدث هذا في قرية حداثا، التي تبعد 12 كيلومترا الى الشمال من الحدود "الاسرائيلية".
وحداثا قرية مسلمة شيعية، وكانت في وقت من الاوقات تضم ألفي مسكن، ومأساتها أنها تقع في الورطة التقليدية التي يقع فيها المحايدون في "حروب الآخرين"، ويشاركها في هذه المأساة عشرات من البلدات والقرى التي تقع على التلال المكشوفة من جنوب لبنان.
عندما دخلنا القرية في الساعة 12.30 كانت تبدو أرضا مهجورة مخيفة. وكان طابور "اسرائيلي" مدرع قد دخل القرية من اليوم السابق، وانسحب منها في الصباح. وظننا في بداية الأمر أن حداثا خالية من سكانها أيضا. ولكن شخصا وحيدا اقترب منا ثم لحق به آخر من عدد آخر من الرجال الذين يلفهم الحزن مثله والنساء الباكيات والأطفال الجزعين، وسحبونا من أيدينا لنلف في أرجاء القرية وأصروا على أن نرى كل الأدلة على سوء طالعهم.
أصر مرشدونا قبل أن نغادر القرية على أن نتفقد حطام الشيء الذي كان المفخر الخاصة للقرية: مدرستها الجديدة، وكانت قد بنيت وكلفتهم ما يعادل 100 ألف جنيه استرليني، وأصر بعضهم عند بنائها ـ وكان بعيد النظر ـ على بناء طابق تحت الأرض ليكون ملجأ، قالوا تعالوا لتروا، وكنا في طريقنا الى أسفل نحو قارب نجاتنا حينما انفجرت أولى قذائف الدبابات.
جاءنا نحو عشرون منها، وتصدع المبنى كله على نحو مثير للغثيان، ركضنا ورافقونا الى أعمق جزء تحت الأرض ـ المرحاض. وفي الغرفة المجاورة كانت امرأة تحتضن طفلها المذعور وهي تتمتم بالصلوات لله والحسن والحسين.
وبدا القرويون يتمتمون عن غارة جوية متوقعة، تفرقوا هم الى منازلهم وبقينا نحن، وبمجرد أن غادروا استؤنفت نيران الدبابات. ثم بعد صمت طويل زحفنا الى الخارج على أمل اكتشاف ما يجري. وعندما شوهدنا وتعرضنا لنيران كثيفة من مدافع الهاون لجأنا الى جدار من الباطون بدا لنا ـ وقد مدت العناية الالهية يدها مرة أخرى ـ أنه يمكن أن يحتمل أي شيء الا اصابة قريبة جدا.
ظلت قذائف الهاون تأتي على فترات، وأخذت الطائرات تئز.باستمرار فوق رؤوسنا الا الغارات الجوية التي كنا نخشاها كانت تقصد تبنين التي تقع مباشرة عبر الوادي نحو الشمال، ومع ذلك فانه ما أن انتهى خوفنا من ضرب واحد من ضروب الموت، حتى حل محله غيره.
فجأة انطلقت نيران الأسلحة الصغيرة من جميع الاتجاهات وكان صوت المدافع الرشاشة وطلقات نيرانهم على أي ضوء وان كان صادرا عن وجود باستطاعتنا الا أن نعترض ـ الأمر الذي أثار دهشتنا كثيرا ـ ان الفلسطينيين قد تسللوا بشكل ما الى القرية، وأننا سنقع قبل مضي وقت طويل في الورطة الأشد حينما يتمكن جانب أو آخر من اتخاذ مواقعه في المنزل الذي لجأنا خلفه. ولكن كل شيء تلاشى بطريق غامض تماما كما بدأ.
مع حلول الليل قررنا أن أفضل سبيل هو أن نستشير القرويين الذين كنا نعرف أنهم بالتأكيد يعانون من نفس الانفعالات التي نعاني منها.
طرقنا باب أحد المنازل عندما رأينا التماع ضوء خافت من مصباح للزيت يبدو من نوافذه المظلمة، وقال أحد مرافقينا ان "الاسرائيليين" يمكن أن يطلقوا نيرانهم على أي ضوء وان كان صادر عن وجود ثقاب. استقبلنا ربما بأحر ترحيب في حياتنا، ذلك النوع من الترحيب الذي يستطيع الفقراء وحدهم أن يعطوه. وكان أحر ما فيه أننا كنا غرباء جئنا نشاركهم لليلة واحدة على الأقل محنتهم.
وفي المكان شبه المظلم تجمعنا في الغرفة، الأبقار والماعز من ناحية والبشر راقدون على الناحية الأخرى، وكان رجل عجوز جرح خلال اطلاق نيران القنص بعد الظهر يرقد صامتا في أحد الأركان، وكانت الأسرة قد غامرت بالخروج ذلك الصباح لتحفر قبرا سطحيا لابنه البالغ من العمر 17 عاما الذي قتل في قذف القنابل في اليوم السابق.
امرأة عجوز قالت "انكم أبناؤنا"، أعزاء علينا كعيوننا. اذا متنا نموت معا".
قالتها وعانقتنا: وما كان لديهم من طعام قدموه في طبقين كبيرين. ثم اصحبنا محمد فاضل الى منزله حيث حاولنا أن ننام. وكانت الطائرات والقذائف العارضة تمر فوق رؤوسنا وسط بالات من محصول تبغه الذي لم يبعه.
عند الفجر سمعنا صوت محركات تقترب وعندما انجلى الضوء تكشف عن طابور من الدبابات وحاملات الجنود المدرعة إلى تل أبيب، كان الجنود "الاسرائيليون" يقفون هناك وكان يبدو عليهم الارتياح بشكل واضح والشيء الذي قاله لنا القرويون انه يمكن أن يكون عملية محفوفة بالخطر ـ وهو أن نعرف أنفسنا للجنود "الاسرائيليون" ـ ثبت أنه كان شيئا يسيرا للغاية.
عندئذ فقط علمنا الى أي حد كنا محظوظين. ان الكابتن عوزي دايان وهو ضابط مظلات وقريب لوزير الخارجية، عندما سمع حكايتنا أجاب: "لا أحب أن أقول لكم هذا ولكن كنت أنا الذي أصدرت الأمر بقصف المدرسة".
وأشار الى دبابة من طراز سنتوريون وقال "هذه الدبابة هي التي قصفت من مسافة 1200 متر".
ضابط آخر ذو تعليم بريطاني أخبرنا ببعض التفاصيل: "كنا واثقين أننا قتلناكم بضربتين في وقت واحد على الطابقين الأعلى والأسفل، كنا متأكدين الى حد أننا لم نكلف أنفسنا عناء المجيء لاخراجكم، لا أحب أن أقول هذا لكننا افترضنا أنكم مجرد ثلاثة آخرين من الإرهابيين". وأخبرناه بقصة الطابق تحت الأرض.
لماذا أمر دايان باطلاق النار ؟: "أخبروني أن 12 فدائيا بملابسهم الرسمية دخلوا المبنى". ذلك هو سوء الفهم الذي يلخص تماما الحرب التي يشنها "الاسرائيليون" في لبنان الجنوبي: أجانب في ملابس مختلفة الألوان، وحفنة من الرجال والنساء والأطفال يشتبه في أنهم "ارهابيون" في ملابس الميدان. ان هذا يعكس ليس فقط نوعية المعلومات المتاحة "للاسرائيليين" بل يعكس أيضا على صعيد أعمق اتجاها ذهنيا بأكمله.
مجزرة العباسية
مرة جديدة أخطأ المواطنون اللبنانيون عندما اعتقدوا أن دور العبادة تشكل ملجأ امينا لهم.
فمع اتساع دائرة النار "الاسرائيلية" نحو عمق الجنوب وقيام أسلحة البر والجو والبحر "الاسرائيلية" برمايات عشوائية على التجمعات السكنية في الجنوب أخذ أهالي بلدة العباسية بالتوجه الى مسجد البلدة حيث اجتمع عدد كبير من العائلات جلهم من الأطفال والنساء.
وفي غمرة هذا الازدحام في بيت الصلاة قامت طائرات أف ـ 15 الأميركية الصنع التي كانت ""اسرائيل"" تختبرها للمرة الأولى في الميدان لدراسة كفاءتها وأدائها في ظروف المعركة (!) وتحديد امكانات أجهزتها الالكترونية ـ قامت ـ بشن غارة جوية على مسجد بلدة العباسية وأصابت هدفها بدقة (! ) حيث تهدم المسجد على من فيه فسقط ما يزيد عن ثمانين شهيدا وجريحا وفي ما يلي نورد أسماء بعد الشهداء:
نجيبة جحا مسلماني 45 سنة ـ كامل مسلماني 17 سنة ـ أحلام مسلماني 9 سنوات ـ ياسمين كلش 75 سنة ـ عبد اللطيف قعيق 80 سنة ـ أسرة محمد داود وهبي بكاملها وهي مؤلفة من سبعة أفراد خمسة منهم أطفال دون العاشرة من عمرهم ـ خديجة عز الدين 45 سنة ـ أحمد أيوب 14 سنة ـ علي أيوب 10 سنوات ـ عباس أيوب 8 سنوات ـ محمد أيوب 5 سنوات ـ حسن أيوب 3 سنوات ـ عبد الله معن سنة 55 سنة ـ عبد معن 50 سنة ـ عباس دغيلي عباس 50 سنة ـ زمزم دهيلي 60 سنة ـ الحاج رضا فواز 70 سنة ـ حسن موسى عز الدين 18 سنة ـ أحمد موسى عز الدين 15 سنة ـ زكية حمود 40 سنة ـ سنية دخل الله 70 سنة ـ ديبة دخل الله 25 سنة ـ سمير دخل الله 30 سنة ـ زهرة نصار 70 سنة ـ وطفلتها سنتان ـ كمال رحال وعائلته 55 سنة وهم عشرة أفراد معظمهم أطفال ـ كمال الشموط 60 سنة ـ العبدة فرفور 80 سنة ـ حسين سرحان 70 سنة ـ يوسف حيط 30 سنة ـ نزيه كرش 18 سنة ـ حسين قبيسي 80 سنة وهو من بلدة زبدين وكان يسكن العباسية.
يضاف الى هذا الرقم اعدد الضحايا مواطن من المنصوري و15 مواطنا من مدينة صور، 4 أشخاص من بلدة شحور، و 12 مواطنا من بلدة قدس واسرة من عربصاليم وجميعهم كانوا في العباسية أثناء وقوع العدوان عليها، هذا عدا عن مئات الجرحى والمصابين.
مجزرة كونين
صبيحة الخامس عشر من آذار 1978، كانت القوات "الاسرائيلية" قد باشرت تقدمها على الطريق الممتد من بنت جبيل باتجاه بيت ياحون.
كانت دبابات الميركان "الاسرائيلية" التي تستخدم للمرة الأولى، الميدان تطلق النار على كل شيء يتحرك دون أخذ الوقت للتأكد في ما كان الهدف عسكريا أم لا.
في كونين، في منتصف الطريق بين صف الهوى المدخل الشمالي لبلدة بنت جبيل عاصمة القضاء وبيت ياحون، في تلك القرية الوادعة التي لا يوجد فيها حتى مخفر لقوى الأمن الداخلي أو شرطي بلدي مسلح كان درويش درويش الذي روعه صوت الانفجارات في محيط منزله ومحطة الوقود التي يملكها قد اتخذ قرارا باقصاء عائلته ما امكن عن دائرة الخطر. وما أن تأهبت العائلة واحتشدت داخل السيارة حتى كان الموت يتربص بها على نحو فظيع.
يقول شهود عيان، ان دبابات "اسرائيلية" طحنت السيارة تماما ثم بادرت باطلاق النار على المنازل ومحطة الوقود مما أسفر عن سقوط ستة عشر شهيدا هم:
عطوفة فوعاني مواليد عام 1940 ـ درويش درويش عام 1943 ـ بدر فياض عام 1952 ـ أسرة بدر فياض: أمال فياض عام 1976 ـ دلال فياض عام 1966 ـ جهاد فياض عام 1964 ـ فريال فياض عام 1970 ـ حسن فياض عام 1972 ـ سلمى فياض 1973 ـزينب فياض عام 1975 ـ حسن علي فياض عام 1929 ـ خديجة درة وأولادها عام 1932 ـ عبد الله علي فياض عام 1965 ـ سهام علي فياض عام 1968 ـ محمد علي فياض عام 1972 ـ عبد الكريم فوعاني عام 1930 ـ فاطمة علي خليل وأولادها عام 1945 ـ مريم فوعاني عام 1975 محمد موسى خليل عام 1935 ـ فاطمة عباس وأولادها عام 1936 ـ زمزم خليل عام 1963 ـ زينب خليل عام 1965 ـ صباح الخليل عام 1967 ـ محمد شبلي عام 1962 ـ بهيجة بشر عام 1962 ـ كاملة جنيد عام 1962 ـ فاطمة موسى خليل عام 1925 ـ أحمد علي عطوي عام 1959.